موسم التصفيات الكبرى

موسم التصفيات الكبرى

23 يوليو 2017
+ الخط -
أغلب الظن أن يكون مصطلح "صفقة القرن" من عنديّات الرئيس الأميركي دونالد ترامب. فنادراً ما تجد عبارة على لسان الرجل، تخلو من إيحاء تجاري أو مضمون مالي في كل شأن يرغب رجل الأعمال ــ الرئيس أن يستعيد من خلاله "عظمة أميركا".

قليل هو ما نعرفه عن تفاصيل "صفقة القرن"، أو ما كان بإمكان ترامب أن يسميه أيضاً "موسم التصفيات الكبرى" في أكثر من ملف، بدءاً من فلسطين، وصولاً إلى سورية، لكنه أكثر من كافٍ لنتأكد لماذا حلّ كل هذا الرعب عند أحرار العالم بسبب وصول رجل مثل دونالد ترامب إلى رئاسة دولة مثل الولايات المتحدة.

تقوم "صفقة القرن"، مثلما تكفّل مساعدو ترامب بشرحه، ربما لأن الرجل لا يملك القدرة حتى على بلورة عبارتين اثنتين لتفسير "أفكاره"، على عكازتين اثنتين: تطبيع إسرائيلي كامل وعلني ورسمي مع دول عربية رئيسية، مثل السعودية تحديداً، وبعدها الإمارات كتحصيل للحاصل وكاعتراف بما هو موجود منذ فترة على خط علاقات تل أبيب ــ الرياض ــ أبو ظبي. ثم، وكنتيجة تكاد تكون تلقائية، "تقسيط" (أيضاً مصطلح تجاري غالب على خطابات ترامب) ما تبقى من تنازلات فلسطينية في إطار نظريات شمعون بيريز وبنيامين نتنياهو عن "السلام الاقتصادي" الذي سيجلب بالضرورة "سلاماً سياسياً" إن جاز التعبير. وكأن الثلاثي ترامب ــ نتنياهو ــ بيريز يغرفون من معجم ماركسي هو بائس على كل حال لناحية اختزال كل ظاهرة تاريخية وأي فعل ورد فعل بالجانب الاقتصادي ــ الاجتماعي وحده وحصراً، من دون إيلاء أي اهتمام لجوانب لا تقل قيمة في صراعات الشعوب، من نوع السعي للحرية والاستقلال وتحديد المصير والشعور بالمظلومية التاريخية والقمع والتآمر العالمي... مثلما هو حال القضية الفلسطينية.

وتسير عجلة العمل على الخطين اللذين يشكلان عماد "صفقة القرن" بسرعة متوازية تقريباً، أكان في تحضير الأجواء الاحتفالية لمصافحة تاريخية سعودية ــ إماراتية ــ إسرائيلية من جهة، أم على صعيد إنجاز أولى خطوات "السلام الاقتصادي" من خلال اتفاقيات "حيوية" بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، بدأت بتوقيع "صفقتين" في غضون أسبوع واحد: اتفاقية كهرباء شمال الضفة الغربية (في 10 يوليو/تموز 2017)، ومذكرة شراء السلطة المياه المحلاة من إسرائيل من خلال قناة البحرين (في 14 يوليو 2017). أما الحرارة في العلاقات الإسرائيلية ــ السعودية ــ الإماراتية، فوصلت إلى درجة بات معها غير مؤكد ما إذا كان الإعلان الرسمي للتطبيع الكامل سيحتمل انتظار وصول محمد بن سلمان إلى العرش أم لا. وأي فرصة قد تكون أفضل لإسباغ "شرعية دينية" على التطبيع السعودي ــ الإسرائيلي الكامل، أكثر من "شرعية المسجد الأقصى"؟ بما أن بنيامين نتنياهو تعهد "شخصياً" للملك سلمان أيضاً "شخصياً" عبر طرف ثالث ليس سوى أميركا، "بعدم المس بالوضع الراهن بالحرم" بعد العملية الفدائية في القدس المحتلة وإغلاق الاحتلال للأقصى، إثر مناشدة "شخصية" كذلك من الملك لرئيس الحكومة الإسرائيلية بحسب الناطق الرسمي السعودي ــ الإماراتي لشؤون التطبيع، أي موقع "إيلاف".

"صفقة القرن" تسير على قدم وساق وبسرعة لم يكن يتخيلها حتى ترامب ونتنياهو، بفضل الخدمات السخية العربية، السعودية ــ الإماراتية والفلسطينية الرسمية. صفقة تشبه أحوالنا زمن الخسارات الكبرى من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب العربيين في هذا القرن العربي الأسود. قرن كانت له أيضاً محكمة، عرفت بمحكمة القرن، انتهت بما يشبه الاعتذار لحسني مبارك وتبرئته من كل جرائمه ونظامه. قرن يشهد أيضاً صفقة أخرى جارٍ العمل على طبخها على حساب الشعب السوري للتخلص من "عبء" الثورة والتجديد لقرون جديدة من مسالخ صيدنايا وحكم إرهاب آل الأسد، بما أن الشعب السوري "خرب بلده ولم يعرف كيف يحافظ عليه" بحسب تعابير الملك سلمان في دردشته الموثقة بالصوت والصورة مع دونالد ترامب في قمة الرياض، أو "قمة القرن" أيضاً. هو قرن عربي أسود يحتاج إلى قامات تاريخية أو فوق بشرية لكي لا تعترف بحجم هزيمة القرن.