لبنانيو المهجر... جاليات أكثر عددا ممن في الوطن الأم

لبنانيو المهجر... جاليات أكثر عددا ممن في الوطن الأم

01 يوليو 2017
تجمع للجالية اللبنانية في كندا (العربي الجديد)
+ الخط -



الهجرة اللبنانية إلى ألمانيا واسكندنافيا وبريطانيا، بأعداد كبيرة، لا تشبه هجرتهم إلى القارة الأميركية اللاتينية والشمالية. وبالرغم من ذلك فإن علاقات قديمة جداً ربطت اللبنانيين بالمهجر، بعضها يمتد إلى عقود وأخرى إلى حوالي قرن ونصف. 

وهاجرت أعداد كبيرة من اللبنانيين إلى الولايات المتحدة خلال موجات الهجرة الأولى، لأسباب عديدة من بينها الاقتصادي أو البيئي/ الاقتصادي كموجات الجفاف أو الحروب. وتشير الأرقام الرسمية الأميركية أنه بين الأعوام 1900- 1914 قدم حوالي 6 آلاف مهاجر سنويا من "سورية الكبرى" إلى الولايات المتحدة، عدد كبير منهم من لبنان. وشهدت موجات الهجرة اللبنانية إلى الولايات المتحدة تراجعاً، من ناحية الأرقام، لتقتصر على بضع المئات سنوياً، خاصة بعد تبني الولايات المتحدة قوانين تحد من موجات الهجرة القادمة من مناطق عدة من بينها آسيا في العشرينيات من القرن الماضي.



في ساو باولو، بالبرازيل، يمكن للمرء، في مركز المدينة عند محطة مترو "ألسيه"، أن يشعر بأنه في لبنان. تنتشر في معرض الصور الفوتوغرافية عن لبنان ومعالمه، المقام من جمعية الثقافة البرازيلية في ساو باولو تكريما للمواطنين من أصل لبناني - سوري، والذين يبلغ عددهم فقط في هذه المدينة 2 مليون إنسان من أصل 8 ملايين موزعين في باقي أنحاء البرازيل، عدا عن أرقام ضخمة في بقية أميركا اللاتينية.

رئيس "الجمعية الخيرية" في المدينة، ناصر الفارس، يقول لـ"العربي الجديد": "الجالية اللبنانية بنيتها متماسكة ومتينة في المجتمع البرازيلي. فهم منذ البداية لعبوا دورا فاعلا في مجال التجارة، وأكبر نسبة من أبناء الجالية هم من تجار وصناع المطاط والكاكاو والألبسة، وغيرها من أفرع التجارة".

ويشير الفايز إلى أن "شارع 25 مارس (آذار) هو المعلم التجاري الأول في أميركا اللاتينية، وقد أسسته الجاليتان اللبنانية والسورية، وكانوا يسمون في السابق (تركو)، نسبة لحملهم وثيقة سفر تركية أثناء الحكم العثماني. فهجرتهم تعود إلى زمن بعيد جدا".
لا يختلف الأمر شمال القارة الأميركية. ففي مونتريال الكندية أطلقت بلديتها اسم جبران خليل جبران على أحد شوارعها تكريما للأديب اللبناني الراحل، هذا بالإضافة إلى وجود شارع في المدينة باسم "ليبون"، أي لبنان.

بيد أن كثيرين أيضا اكتشفوا متأخرين أنهم لبنانيون في الأصل "بعد مراجعة الاسم الأصلي"، كما يقول بعضهم. فمن المعروف أن مهاجري المشرق العربي قبل أكثر من 150 سنة كان يجري استبدال أسمائهم لسهولة نطقها باللغات المحلية. ويذهب البعض إلى الزواج المختلط، كما في حالة محمد، الذي يقول: "وجدت نفسي في حالة تقاسم عادات وثقافة مع زوجتي البرازيلية وإظهار الاحترام بتداخل العلاقات". ورغم أن أجيالا لا تعرف لبنان ولم تزره، إلا أن هؤلاء يرفعون صور معالم وطن أجدادهم الأصلي وهم يتقاسمون مع غيرهم هاجس العودة ورؤية ذلك الوطن، وخصوصا عند الجيل الجديد الذي أصبح لديه أطفال.


كندا...هجرة مبكرة
وبالرغم من أن القارة اللاتينية كانت المفضلة عند المهاجرين اللبنانيين الأوائل، إلا أن علاقة أميركا الشمالية بهذه الهجرة واضحة في عودتها إلى عام 1882، بهجرة اللبناني الأول إليها إبراهيم أبو نادر ليبدأ منها رحلته التجارية. وبالرغم من أن الفترة ما بين 1950-1960 شهدت موجة هجرة لبنانية جديدة إلى كندا، فقد شهدت سبعينياته أيضا أكبر الهجرات في الحرب الأهلية. وتقدر أعداد لبنانيي كندا بحوالي 300 ألف مهاجر أو من أصل لبناني.

وتنتشر بينهم العديد من الجمعيات التي تعنى بمختلف القضايا، بحسب توجهات مؤسسيها، بينما يطغى عليها طابع التآزر والتعاون ومساعدة الحديثين على الاندماج والعمل.

ويعمل وسط الجالية اللبنانية في كندا عدد من الجمعيات. ولعل هاجس الهوية يدفع بجمعية "أجيال" للتركيز على الأجيال الجديدة للبنانيي كندا. ووفقا لما يقوله رئيس الجمعية لطفي زعتر، لـ"العربي الجديد"، فإنه "نظرا لأن الجيل الجديد أغلبه ولد في كندا، فمن الضروري أن يتعلموا اللغة العربية، والعادات والتقاليد والثقافة العربية وربط الأواصر بين أبناء الجالية ومساعدتهم على الاندماج في المجتمع الكندي، وهذا ما تحرص جمعية أجيال على غرسه في النشء الجديد".

وعن تاريخ الجمعية، يتحدث زعتر قائلا: "بداية الجمعية التي كانت في 2010 من 15 عائلة وصلت اليوم إلى 300 عائلة". ويقدر زعتر أعداد الجالية بحوالي 300-350 ألف لبناني. ويضيف أن "الجمعية تحرص على تقديم الفعاليات الاجتماعية للجالية، مثلا الإفطارات في رمضان، والاحتفالات بالعيدين، ومشاركة المؤسسات الخيرية الاجتماعية الكندية، وجمع التبرعات لأنشطة تلك الجمعيات، مثل جمعية مكافحة سرطان الأطفال وسرطان الثدي وجمعية المكفوفين في كندا" .

العائلات اللبنانية في كندا 
وبالنسبة لمدير جمعية أجيال، زعتر، فإن "الكثير من العائلات اللبنانية في كندا يمتد تاريخها لأكثر من 100 عام. ومن بينها أسر كبيرة وفعالة في المجتمع الكندي، مثل عائلة برجي وعائلة ليون وعائلة أبو نادر. ونحن لدينا برامج مستقبلية لتعليم اللغة العربية لأبناء الأسر اللبنانية في كندا التي لا تتمكن من إرسال أبنائها إلى المدارس الخاصة لتعليم اللغة العربية. إضافة إلى عائلة الراسي، وأفرادها أصحاب محلات دولراما الشهيرة التي لديها فروع في كل أنحاء كندا". 
الأعمال التي يمتهنها اللبنانيون
ويبين زعتر أن اللبنانيين في مونتريال يعملون في مهن مختلفة، منهم التجار والأطباء. ففي مونتريال أكثر من 500 طبيب، وهناك المحامون والمهندسون وأساتذة الجامعات ورجال الأعمال. ومنهم من عمل في مجال السياسة، "وهناك أعضاء في مجلس النواب ومجلس الشيوخ الكندي، وأيضا أعضاء في المراكز البلدية. 
وفي مونتريال، توجد نائبة على الصعيد الفيدرالي وهي إيفا ناصيف، وفي المجلس البلدي يوجد عارف سالم والمحامي جوزيف دورة عضو استشاري في المجلس البلدي، وأيضا هناك نواب فيدراليون مثل فيصل الخوري ومروان طبارة" .



طريق أسهل... وتوزع

يبين زعتر أن عوائق اللغة لم تواجه الجالية اللبنانية "كون الكثير من اللبنانيين يتكلمون اللغة الفرنسية كلغة ثانية في لبنان. وهو ما ساهم بشكل كبير في تقليل العوائق أمام نجاحهم في المجتمع الكندي، ولذا فإن الجهات الكندية رحبت بوجودهم في المجتمع.

وينتشر في مونتريال وكيبيك الكثير من اللبنانيين المتعلمين وذوي الشهادات والتخصصات العليا، فيما تضم مقاطعات أخرى مثل مقاطعة ألبرتا شريحة الفلاحين اللبنانيين الذين قد لا يجيدون اللغة الفرنسية وأكثرهم من الجنوب وسهل البقاع اللبناني".

ويواجه أبناء الجالية اللبنانية، شأنهم شأن بقية الجاليات، عائق الاعتراف بالشهادات من خارج كندا والتي يجب معادلتها في كندا، وهذا ليس فقط لأبناء الجالية اللبنانية وإنما لكل أبناء الجاليات في كندا الحاصلين على شهاداتهم من خارج كندا، فعليهم معادلة شهاداتهم في كندا إذا ما أرادوا العمل بها. وتعتبر الجالية اللبنانية في كندا من أهم الجاليات التي يمتاز أبناؤها بالتعليم العالي إضافة للجاليتين العراقية والفلسطينية.


125 سنة في الولايات المتحدة
في الولايات المتحدة، فإن تاريخ الهجرة لا يختلف كثيراً عن الجارات الشمالية والجنوبية. فمن بين التقديرات التي تقول إنه يوجد حوالي مليون لبناني على امتداد ولايات أميركا، فإن تاريخ هذه الهجرة في موجاتها الأولى يعود إلى الفترة 1875-1920. ومثلما أطلق عليهم باللاتينية "تورك"، فقد سموا، من سورية الكبرى، في أميركا الشمالية "أتراك آسيا"، لأن أغلب الوافدين كانوا يحملون وثائق عثمانية وتتشابه أسماؤهم.

وتغيرت التسمية مع الوقت بحسب الظرف السياسي داخل الولايات المتحدة، بحيث بدأ مركز الإحصائيات الأميركي يعطي الخيار للمهاجرين لتوصيف أنفسهم كسوريين، إن قدموا من لبنان أو سورية أو فلسطين أو الأردن في العشرينيات من القرن الماضي، ثم تعود الخيارات للتغير مجددا.

وهاجرت أعداد كبيرة من اللبنانيين إلى الولايات المتحدة خلال موجات الهجرة الأولى، لأسباب عديدة، من بينها الاقتصادي أو البيئي/ الاقتصادي كموجات الجفاف أو الحروب. وتشير الأرقام الرسمية الأميركية إلى أنه بين الأعوام 1900- 1914 قدم حوالي 6 آلاف مهاجر سنوياً من "سورية الكبرى" إلى الولايات المتحدة، عدد كبير منهم من لبنان. وشهدت موجات الهجرة اللبنانية إلى الولايات المتحدة تراجعا، من ناحية الأرقام، لتقتصر على بضع مئات سنويا، خاصة بعد تبني الولايات المتحدة قوانين تحد من موجات الهجرة القادمة من مناطق عدة، من بينها آسيا، في العشرينيات من القرن الماضي.

يتوزع المهاجرون اللبنانيون في الولايات المتحدة على جميع أنحاء الأراضي الأميركية، لكنهم موجودون بأعداد كبيرة في كل من ولايات كاليفورنيا ونيويورك ونيوجيرسي وأوهايو وفلوريدا. ويصل معدل الدخل للعائلة بينهم إلى أعلى من المعدل القومي، كما أن نسبة التعليم الأكاديمي أعلى من تلك على المستوى القومي.



وعرفت الولايات المتحدة العديد من الأسماء الشهيرة التي ساعدت في تطور البلد أكاديميا واقتصاديا وسياسيا، ومن بينهم على سبيل المثال لا الحصر: رالف نادر، وهو محام وناشط حقوقي ترشح لرئاسة الولايات المتحدة أكثر من مرة عن حزب الخضر وكمرشح مستقل، كما قاد حركات وحملات على الشركات الصناعية الأميركية الكبرى لمصلحة المستهلك وحقق نجاحات عديدة، من بينها إجبار شركات صناعة السيارات الأميركية على استخدام أحزمة الأمان، كما أدت حملاته الإعلامية والقانونية الشرسة لسن قوانين أخرى متعلقة بالصحة ومياه الشرب.

ويتحدر العديد من ممثلي السينما المعروفين بأدوارهم المميزة كذلك من أصول لبنانية، كطوني شلهوب وسلمى حايك. ومن بين الصحافيين الأميركيين اللبنانيين المشهورين هيلين توماس، التي تقلدت مناصب عديدة كصحافية ومراسلة وغطت البيت الأبيض وقابلت رؤساء أميركا. وعندما توفيت عن عمر ناهز 92 عاما، عام 2013، نعاها الرئيس الأميركي باراك أوباما واصفا إياها بواحدة من الرواد الحقيقيين للصحافة الأميركية.

اندماج وسعي لتأكيد الهوية
على الرغم من أن المهاجرين الأوائل من اللبنانيين إلى الولايات المتحدة كانوا فقراء، وفي الغالب غير حاصلين على تعليم عال، لكن سرعان ما تمكنوا بعد جيل من تحسين أوضاعهم المادية، حيث عمل كثيرون بالتجارة الصغيرة، كما تمكنوا من تحسين مستوى تعليم أبنائهم، ما ساعد في تحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية في الولايات المتحدة، لينتمي الكثير منهم إلى الطبقات المتوسطة. مع بدء الحرب الأهلية اللبنانية، في السبعينيات من القرن الماضي، بدأت موجات الهجرة الكبيرة الثانية بالانتقال من لبنان إلى الولايات المتحدة.


لم يكن الاندماج اللبناني في الحياة البرازيلية يحمل صعوبات كبيرة، فرغم كل المصاعب الحياتية اندفع هؤلاء المهاجرون الأوائل نحو تشجيع بعضهم البعض على الاندماج وفهم ما يدور حولهم ليكونوا جزءا من مجتمعهم الجديد. أما بداية العمل فهي أيضا لم تكن عائقا أو مثبطا لهؤلاء، فانطلق بعضهم يقيم مشاريع صغيرة في منزله، كمشروع خياطة صغير، قبل أن يتوسع ويصبح صاحب مصانع خياطة لبنانية.

وعن ذلك تقول السيدة رقية، وهي صاحبة معمل قماش، وما تزال على خطى الأوائل من اللبنانيين: "عندما يحضر الشاب اللبناني فإنه يندفع لتأسيس نفسه، وهو ما حصل مع هؤلاء الأوائل من أجدادنا الذين قدموا قبل عقود طويلة". ويرى أحفاد المهاجرين اللبنانيين أن الاندماج ساعدهم بأنفسهم لـ"تشكيل هوية مختلطة".

(شارك في التقرير من: ساو باولو ــ أنس عبيد، نيويورك ــ ابتسام عازم، أوتوا ــ إسراء حسين)

المساهمون