ماذا بعد تجريم التعليم المنزلي في ألمانيا؟

ماذا بعد تجريم التعليم المنزلي في ألمانيا؟

04 مايو 2017
ألمانيا من الدول التي لا تسمح بالتعليم المنزلي(Getty)
+ الخط -
 

منذ فترة وجيزة، فقد ديرك وبترا ووندرليش حضانة أطفالهما مؤقتًا؛ لإصرارهما على حقهما في تعليم أبنائهما منزليًا. ومؤخرًا، حملا قضيتهما إلى المحكمة العليا لحقوق الإنسان في أوروبا، وحكمها المرتقب سيؤثر في حياة نحو 800 مليون أوروبي.

دافع الأبوان الألمانيان لأكثر من عقد عن حقهما في تعليم أطفالهما الأربعة بالمنزل، وفي أغسطس/آب 2013، اقتحم نحو 20 ضابطاً ألمانياً منزل الأبوين، وفي مايو/أيار الماضي غرمت الحكومة الألمانية الأبوين، وأنذرتهما بالسجن لأربع سنوات.

هذه ليست القصة الوحيدة، فقد ألقت السلطات الألمانية القبض على آباء عديدين؛ لعدم إلحاق أطفالهم بالمدرسة. يقول أوي وهانالور روميك اللذان توجها لتعليم أطفالهما السبعة في المنزل: "نتعرض للاضطهاد، وهو حال أسر عديدة تدرس أولادها في المنزل".

ويوضح أوي: "بدأت ابنتنا تعاني من الصداع وآلام في المعدة، وتغيرت شخصية ابننا، وما إن بدأنا التعليم المنزلي، اختفت كل هذه الأعراض، ولم نكن نريد التوقف". ويعتبر آباء آخرون أن التعليم المنزلي يدعم الأسرة، وبجانب تعلم الأبناء المناهج الاعتيادية، تتاح الفرصة أمامهم لممارسة اهتماماتهم بشكل أكبر مما توفره المدارس التقليدية.

 

تقنين التعليم المنزلي

التعليم المنزلي مقنن في بلدان عديدة، بالأخص في الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا وكندا والمملكة المتحدة والنمسا وسويسرا، فيما تعده بلدان أخرى أمرًا غير مقبول حتى مع تقنينه، ويعد جريمة في بعض البلدان مثل ألمانيا وذلك منذ عام 1918، حين حظرت المحكمة الدستورية الاتحادية الألمانية التعليم المنزلي؛ خوفًا من تشكيل مجتمعات موازية، ذات خلفيات دينية أو أيديولوجية. ومخالفة ذلك، قد تقتضي تغريم الآباء آلاف اليورو والسجن وانتزاع أطفالهم وخطر خسارة حضانتهم. وهذا مما يثير مخاوف جماعات حقوق الإنسان من أنه قد 

ينتهك حقاً من حقوق الحياة العائلية، بجانب تبعاته على الحياة الأسرية.

 

تعليم الأطفال واجب الدولة

ترى ألمانيا أن أطفالها ينتمون إلى الدولة، ومن حقها ضمان حصولهم على التعليم الملائم، ويأتي حق الوالدين في تربية وتعليم أطفالهم بالمرتبة الثانية، بعد واجب الدولة في الإشراف على النظام التعليمي بأكمله، بحسب المحكمة الدستورية الاتحادية الألمانية. بعكس الولايات المتحدة التي تعد التعليم المنزلي للأطفال أمرًا يعود لأبويهم.

الاستثناءات المقبولة نادرة للغاية، تحددها الحكومة، وتتعلق بوجود صعوبات شاقة تقيد التحاق الطفل بالمدارس، أو مثل الاتفاقات العسكرية بين ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية، التي تقتضي سفر الوالدين الأميركيين؛ فيسمح لهم بتعليم أبنائهم منزليًا، لمواكبة مناهجهم في بلدهم الأم. وعند قضاء بعض الأسر فترات مؤقتة في ألمانيا، يتعين على الوالدين تقديم ما يبرر اختيارهما التعليم المنزلي بإثبات بقائهما لفترة محددة، وأنه لكي لا يتخلف الأبناء عن مناهجهم ولغتهم الإنكليزية في بلدهم الأم، مع إعطاء ما يثبت أن هذا قانوني في هذا البلد.

 


الهجرة الحل الوحيد

هو ليس موضوعًا قابلًا للنقاش وسط المجتمعات الألمانية، فعادة لا تجد حملات التعليم المنزلي الدعم الكافي. وإذا كنت من ضمن الحالات الاستثنائية التي توافق ألمانيا على تعليم أبنائهم منزليًا؛ فتنصحك السلطات أن تبقي الأمر قيد الكتمان قدر الإمكان، تجنباً لاستجواب الجيران والأصدقاء عن سبب عدم إلحاق أبنائك بالمدرسة.

لذا تضطر عائلات ألمانية عديدة للهجرة، وطلب اللجوء إلى الولايات المتحدة الأميركية لتعليم أبنائهم منزليًا؛ إلا أنهم قد يواجهون خطر الترحيل، فيما يفر آخرون إلى بلدان مثل النمسا أو فرنسا التي تتمتع بسياسات أكثر تساهلًا.

 يشير فروك بروسيوس جيرسدورف، أستاذ القانون بجامعة هانوفر، إلى أن تجريم ألمانيا للتعليم المنزلي ليس قانونيًا، إلا أن ديفيد أبراهام، أستاذ قانون الهجرة والمواطنة في كلية الحقوق بجامعة ميامي يقول: "توجد خيارات عديدة ما بين المدارس المسيحية واليهودية والمسلمة والخاصة والعامة، وأي نوع يمكن تخيله. لكن ترى الهيئة التشريعية في ألمانيا أن الأطفال بحاجة إلى الوضع الاجتماعي الذي يسمح بلقاء أطفال آخرين".

ويضيف أبراهام "يقع على عاتق الوالدين مسؤولية تربية أطفالهم بشكل صحيح، لكن هذا لا يعني أن لهم الحق في معاداة التشريع الديمقراطي؛ فلا يمكنهم الإدعاء بأنهم يتعرضون للاضطهاد لإلزام أطفالهم بحضور المدرسة مع أطفال آخرين، فهذه قيمة اجتماعية هامة اعتمدها المجلس التشريعي الألماني".

كذلك، لا يقتصر التعليم في ألمانيا على تدريس الحقائق العلمية وحسب، وإنما إعداد الأفراد لتحمل المسؤولية، وتنمية كفاءتهم اجتماعيًا، في مجتمع يدار بالقانون ويؤمن بالتعددية والديمقراطية؛ لذا جاء حكم المحكمة بإلزامية إلحاق الأطفال بالمدارس، تبعًا لإيمانها بأن ذلك يحقق قيم التسامح والمشاركة والتكامل بين فئات المجتمع.



الآباء غير مؤهلين للتدريس

تحظى مهنة التدريس في ألمانيا بكثير من الاحترام، وتتطلب تدريبًا مطولًا؛ فيقضي كل منهم نحو 10 سنوات ما بين الدراسة الجامعية والتدريب، ومن ثم التخصص في مادتين أو ثلاث مواد على الأكثر، لذا يرى المعترضون أن الوالدين غير مؤهلين لهذه المهمة.

على الجانب الآخر، يؤمن دعاة التعليم الإلزامي أنه من الأفضل أن يتعلم الطفل كيف يفكر بنفسه في ما يتلقاه، ويشكل منظوره الخاص، على أن يكون مسلمًا بما يلقنه إياه أبواه.

وترى الحكومة أن التعليم الإلزامي يساهم في تعزيز إدماج الأطفال والأسر داخل مجتمع متعدد الخلفيات والثقافات، ولا يوجد ما يمنع أن ينقل الآباء خبراتهم، ويغرسون القيم في أطفالهم، ويعلمونهم قناعاتهم الدينية بعد المدرسة.

  

دلالات

المساهمون