تدريس البرمجة بدون استخدام الحاسب الآلي

تدريس البرمجة بدون استخدام الحاسب الآلي

22 مايو 2017
أهمية تعلم البرمجة تتعدى الإعداد لسوق العمل (Getty)
+ الخط -
مما لا شك فيه أن تعلم مهارات الحاسب الآلي والتعامل مع التكنولوجيا في القرن الحادي والعشرين قد أضحى يضاهي في الأهمية تعلم القراءة والكتابة. وعلى رأس مهارات الحاسب الآلي التي يعول عليها بشكل كبير حاليا تأتي البرمجة في المقدمة. وفي حين تتجه دول العالم المتقدم إلى إدماج البرمجة كجزء أساسي من المناهج التعليمية بمختلف مراحل التعليم ما قبل الجامعي، نجد أن غالبية المناهج التعليمية بالدول العربية تحوي نزرا يسيرا من البرمجة.

يرجع البعض السبب في ذلك إلى عدم وجود العدد الكافي من أجهزة الحاسب الآلي لتدريس البرمجة للطلاب كما ينبغي، خاصة في المدارس الحكومية ببعض الدول العربية - وليس كلها - بسبب العجز المالي. إلا أن أهمية تدريس البرمجة لطلاب المدارس في عصرنا الحالي تفرض علينا استلهام حلول إبداعية خارج الصندوق لمجابهة تلك المشكلة. ومن هنا تأتي فكرة تدريس البرمجة بدون استخدام الحاسب الآلي كحل متفرد قابل للتطبيق وهو ما يسمى  Computer Science Unplugged.


قد يبدو الأمر غريبا للوهلة الأولى، فكيف يمكن تدريس البرمجة، أحد أعمدة علوم الحاسب، دون اللجوء إلى استخدام الحاسب الآلي؟! هذا ما تمكنت من تطويره مجموعة من الباحثين بجامعة كانتربري في نيوزيلاندا من خلال مشروع يعرف باسم "Computer Science Unplugged". فمن خلال الاعتماد على مجموعة من الألعاب والأحاجي والخدع السحرية أحيانا – بدون استخدام الحاسب الآلي على الإطلاق – يمكن تدريس العديد من المفاهيم البرمجية المعقدة، كالخوارزميات والشيفرة الثنائية والدوائر المنطقية لطلاب المدارس بكل سهولة.





المفاهيم الأساسية


فمن خلال أنشطة مثل تتبع خريطة للوصول إلى كنز بأقصر الطرق الممكنة، أو تشفير وضغط المحتوى النصي لكتاب، أو عبر لعبة تضم أوراق لعب، يتعلم الطلاب العديد من المفاهيم الرئيسية في عالم البرمجة في إطار مسلي وشيق يمزج التعلم بالترفيه. كل ذلك يتم بدون وجود حاسب آلي من خلال أنشطة حركية يلعب فيها الطلاب ويمرحون، وباستخدام أدوات بسيطة من العالم الحقيقي كأقلام التلوين والخيوط والطبشور والأوراق.



كل تلك الأنشطة مصممة بعناية من قبل أولئك الباحثين، بحيث يمكن تطبيق ما يتم تعلمه من مفاهيم ومبادئ في المستقبل عند استخدام حاسب آلي للبرمجة. كما أن تلك الأنشطة تتبنى مفهوما علميا يعرف باسم التعلم بالتجربة "Experiential Learning"، حيث يتعلم الطلاب عبر أنشطة متنوعة خارج إطار طرق التدريس التقليدية، والذي يؤدي إلى نتائج تعليمية أفضل.


التجربة الفنلندية

تعد فنلندا من الدول الرائدة في تطبيق مفهوم تدريس البرمجة بدون حاسب آلي، وذلك في إطار ريادتها للتعليم الأساسي عالميا. حيث تم إدماج تدريس البرمجة كجزء أساسي من المناهج التعليمية الفنلندية منذ سن مبكرة، وذلك عبر الاعتماد على مجموعة من الأنشطة التي لا تحتاج إلى حاسب. المبهر في الأمر أن تلك الأنشطة يتم دمجها في حصص المواد الدراسية الأخرى، ففي حصص التربية البدنية يتم تدريس البرمجة عبر الأنشطة الحركية، وفي حصص الفنون يتم تدريس البرمجة عبر الحياكة والرسم، وفي حصص القراءة يتم تدريس البرمجة عبر القصص والحكايات.

الهدف من ذلك أن يتم تقديم البرمجة للطلاب ذوي الاهتمامات المختلفة أو غير المهتمين بالبرمجة، وأن يتم التوكيد على أن البرمجة وعلوم الحاسب الآلي ذات صلة بمختلف الأنشطة التي يمارسونها في حياتهم بشكل يومي. بالإضافة إلى ذلك، فإن تدريس البرمجة عبر أنشطة ومواد دراسة متنوعة يساهم في إكساب الطلبة العديد من المهارات الأخرى، كمهارات التواصل والعمل الجماعي والتفكير الإبداعي وحل المشكلات.

 


أهمية تدريس البرمجة بالمدارس

إن أهمية تدريس البرمجة لطلاب المدارس تتعدى فكرة تجهيزهم بمهارة ضرورية لسوق العمل المستقبلي. فالهدف الأساسي من تدريس البرمجة هو إكساب الأطفال مهارة عقلية تعرف باسم "التفكير الحاسوبي". ويقصد بالتفكير الحاسوبي القدرة على فهم واستخدام المبادئ الأساسية التي يقوم عليها عمل الحاسبات الآلية، والتي تعد ثوابت علوم الحاسب مهما اختلفت البرمجيات

والأجهزة مع التقدم العلمي. وتتضمن تلك المبادئ الأساسية فهم كيفية تمثيل المعلومات داخل الحاسب، وكيفية جعل الحاسب يقوم بأداء المهام والعمليات المختلفة، وكيفية تجهيز البرمجيات لكي يتمكن الأشخاص من استخدامها.

إن تعلم مهارة التفكير الحاسوبي يعد أمرا أساسيا للطلاب، سواء اتخذوا مسارا مهنيا مستقبليا يتعلق بالبرمجة وهندسة الحاسب والتكنولوجيا أو اتخذوا أي مسار آخر. إذ إن البرمجة تتجاوز فكرة كتابة أكواد برمجية تحمل أوامر ينفذها الحاسب الآلي، إلى طريقة مبدعة للتعامل مع المعلومات واستخدامها لحل مختلف المشكلات.

وأخيرا فإن من المتوقع أن الوظائف المتعلقة بالبرمجة ستشهد طفرة في النمو خلال السنوات العشر القادمة، وبمتوسط رواتب يفوق العديد من المهن والوظائف الأخرى. وفي الوقت ذاته فإن الجيل الحالي من الطلبة موهوب بالفطرة في استخدام التكنولوجيا والتعامل مع الحاسب الآلي، الأمر الذي يمثل فرصة للاستثمار بشكل جيد لإعداد أبنائنا لمستقبل مختلف عما ألفناه، والتي لا ينبغي أن نتركها تتفلت من بين أيدينا.