حرب الإسرائيليين ضد اليهود

حرب الإسرائيليين ضد اليهود

21 مايو 2017
+ الخط -

تُظهر مراجعة للدراسات الإسرائيلية لحرب 1967 أن صراعا بين القيادة العسكرية والسياسية ساد الفترة التي سبقت الحرب، إذ دفعت قيادة الجيش، وعلى رأسها قائد أركان جيش الاحتلال حينها إسحاق رابين، إلى المبادرة بضربة استباقية، بعد أن أتم الجيش استعداداته في أيار/مايو، فيما كانت الحكومة بقيادة ليفي إشكول متأنية بشأن الضربة الاستباقية، وبانتظار استنفاذ المجهود الأميركي الدبلوماسي لفتح مضيق تيران. وعبّر الخلاف عن نشوء جيل جديد من الضباط الذين يمكن وصفهم بـ"الإسرائيليين"، وهم إسرائيليون "حربجيون" مع ثقة زائدة في النفس، وهم خريجو حربي 1948 و1956، ونشؤوا في المؤسسة العسكرية في إسرائيل الوليدة. في المقابل، هناك "اليهود" وهم أعضاء الحكومة المدنيون الذين نشؤوا في الشتات الأوروبي، وبنظر الضباط الشباب لا يزالون يحملون "عقدتي الشتات والهولكوست"، أي أنهم غير مجازفين ويهتمون بالرأي العام الدولي والقوى العظمى. وكان ضباط الجيش، بحسب مراجعات إسرائيلية، ينعتون أعضاء الحكومة بـ"اليهود"، أي يهود الشتات المترددين، بينما هم الإسرائيليون على استعداد للمجازفة والخروج للحرب وحسمها في أيام.

وصل ضغط الضباط الشباب على القيادة السياسية للموافقة على توجيه ضربة استباقية للجيش المصري حداً دفع مؤسس إسرائيل الذي عارض الحرب، دافيد بن غوريون، إلى إصدار بيان قال فيه إن "الجيش في بلد ديمقراطي لا يعمل بناءً على رأيه أو بناء على تعليمات قادته العسكريين، وإنما بناء على رأي الحكومة المدنية...". ودافيد بن غوريون كان حينها على رأس حزب معارض (رافي) انضم لاحقا لحكومة الوحدة الوطنية عشية الحرب، وعيّن موشيه ديان وزيرا للأمن. كانت معارضة بن غوريون للحرب علنية، واشترط تأييده لها بموافقة الولايات المتحدة عليها، إذ اعتبر أن حدود إسرائيل هي حدود وقف إطلاق النار في 1949، وأنه تمكن من زيادة مساحة إسرائيل من 55 في المائة من فلسطين التاريخية، حسب قرار التقسيم، إلى 75 في المائة، وأنه كان بمقدور القوات الصهيونية احتلال الضفة الغربية في عام النكبة وتسليم الضفة الشرقية للعراق، لكنه رفض ذلك حفاظا على أغلبية ديمغرافية يهودية في الدولة الناشئة. أما سر رفضه للحرب، فهو إدراكه أن إسرائيل على عتبة الحصول على "قوة عليا"، أي إنتاج قنبلة نووية في ديمونا، وخشيته من استهداف الطيران المصري للمفاعل، وخشيته من الضغوط الدولية التي قد تتعرض لها إسرائيل كما حصل في أعقاب عدوان 1956، خصوصا من أميركا والاتحاد السوفييتي.

انتصر الإسرائيليون - الضباط الشباب على اليهود - القيادة السياسية، وبعد ثلاثة أسابيع من تردد الحكومة وانتظار الموافقة الأميركية، حسمت الحرب خلال أيام بضربة استباقية، وبعد شهور من صناعة أجواء الرعب، إذ عاش المجتمع أجواء بدت فيها إسرائيل على أعتاب "الإبادة" بسبب الجيوش العربية والتدهور الاقتصادي الحاصل وارتفاع البطالة في العام الذي سبق الحرب. واستغلت القيادة العسكرية هذه الأجواء لتجييش المجتمع الذي طالب بإقالة إشكول وتنصيب بن غوريون على رأس الحكومة، وديان وزيرا للأمن.

انتهت الحرب بهزيمة العرب وتحقيق تل أبيب هدفها بتدمير الجيش المصري، لكن الإصرار اللافت للضباط الإسرائيليين على الخروج للحرب الاستباقية كان هدفه ليس "فك الطوق العسكري" حول إسرائيل فحسب، وإنما الهدف غير المعلن كان التخلص ممن تبقى من الفلسطينيين في الضفة الغربية، وترسيم حدود أمنية جديدة تصل إلى نهر الأردن بدلا من حدود 49. ففي اليوم التالي للاحتلال بحثت الحكومة الإسرائيلية قضية الفلسطينيين في الضفة وكيفية التعامل معهم، وكان لافتا طرح ترحيلهم للبرازيل أو كندا، أو حتى "توطينهم" في سيناء، أو استيعابهم في الدول العربية.

إسرائيلياً، أبرزت حرب 1967 تيارين في المجتمع؛ التيار الأول هو الإسرائيلي "المنتصر"، أي الضباط الشباب الذين تولوا فيما بعد القيادة السياسية، بدءًا من رابين، مرورا بفايتسمان، وصولا إلى شارون وزئيفي. التيار الثاني هو التيار القومي المتدين (تمثل حينها في حزب المفدال) الذي تمسك أكثر بالصهيونية بعد ما حققته في الحرب، وتحول لاحقا إلى تيار صهيوني قومي متدين واستيطاني أيضاً، يدعو إلى الاستيطان في الأراضي المحتلة 1967، ويتمثل اليوم في حزب "البيت اليهودي".

لكن للمفارقة، يتصارع اليوم التياران، إذ يدعو التيار الإسرائيلي إلى العودة لحدود 67 لضمان أغلبية يهودية والحفاظ على الأسس الديمقراطية لإسرائيل، فيما يدعو التيار الثاني إلى التوسع والاستيطان وضم مناطق ج للسيادة الإسرائيلية. التيار الثاني يصف نفسه باليهودي ولا يعترف بـ"حدود إسرائيل" ويطالب الاستيطان في كل مكان، وينعت التيار الأول بالإسرائيلي لأنه يكتفي بـ"حدود إسرائيل 67" والذي يريد تقديم التنازلات للعرب والانسحاب رضوخا للضغوطات الدولية.

التيار اليهودي الاستيطاني يقود هذه الأيام حملة استبدال النخب الإسرائيلية، وقد تمكن من استبدالها في مواقع رئيسية مثل الحكومة والقضاء والإعلام والأكاديميا، وهو في طريقه لاستبدالها في الجيش، حتى لا يتكرر سيناريو إخلاء غزة. حالياً، ترجح كفة اليهودي على الإسرائيلي، لكن الصراع ما زال مستمراً.


دلالات