بهنام إكزير... رحلة مع الخط العربي في بريطانيا

بهنام إكزير... رحلة مع الخط العربي في بريطانيا

29 ابريل 2017
إكزير... مغترب عراقي ينشر الخط العربي في لندن(العربي الجديد)
+ الخط -

للخط العربي جماليته الخاصة، إلى جانب استخداماته اللغوية اليومية، ولذلك يجذب الكثيرين من ألسنة مختلفة خارج فضائه الجغرافي. وفي بريطانيا يأخذ الخطاط العراقي بهنام إكزير على عاتقه نشر هذا الفن وأصوله منذ سنوات.

التقت "العربي الجديد" في لندن بالخطاط العراقي بهنام إكزير، للحديث عن رحلته الطويلة مع الخط العربي وعمله في الحفاظ على هذا الفن التراثي الأصيل، والمساعي التي يبذلها لنشره حتى في المجتمعات الغربية، حيث يقبل على تعلّمه الكثير من أبناء الجالية العربية والأجانب ودارسي الفنون.

ومثل كثيرين ممن حضروا إلى أوروبا لم تكن رحلة هجرة الفنان بهنام معبّدة بالورود، فقد "كانت رحلة عذاب صعبة، لأنّ البلاد (العراق) كانت مقبلة على الحرب، ومنعنا من الرّحيل، لكنّنا دفعنا مبالغ طائلة للحصول على تأشيرات وانتقلنا في حافلة إلى تركيا ومنها إلى بريطانيا". ويضيف أنّ أموراً كثيراً أخافته من فقدان الأمان والاستقرار، بعد أن بقي مع زوجته وابنته في مدينة الموصل حيث عاش أجمل أيّام حياته.


أما عن الظروف المباشرة التي اضطرته لترك "أجمل الأيام" في وطنه فيقول إكزير إنها رحلة الاضطرار "ففي عام 1996، أراد ولديّ السفر إلى الخارج لإكمال دراستهما، بعد أن تخرّجا من كليّات الطب في الموصل. وكانت البلد آنذاك في حال يرثى لها بعد غزو الكويت، إذ أصبحت المعيشة غالية جداً، وصار الموظف لا قدر أو قيمة له. سافر ولديّ لأنّهما رغبا في الحصول على شهادات عليا في الخارج. بقيت أنا مع زوجتي وابنتي، لغاية عام 2003، حين بدأت الحرب، ومع شعوري بفقدان الأمان والاستقرار قرّرت اللحاق بولديّ في بريطانيا"، ويختم قائلاً "باختصار كانت رحلة عذاب أفضّل عدم الخوض في تفاصيلها".


كثيرون مثل بهنام إكزير، من مثقفي وفناني منطقتنا اضطرتهم الظروف للهجرة كالتي عاشها، لكن هؤلاء حاول كل منهم أن يتغلب على صعوباتها بما حمله معه. عن تلك التحديات يقول: "وصلت إلى بلد يختلف تمام الاختلاف عن ثقافتنا وعاداتنا ولغتنا. وكنت في الستين من العمر آنذاك، لم يسمح لي سني بالتأقلم مع الأوضاع الجديدة بسرعة، فعانيت مشاكل عديدة، أهمّها اللغة والانسجام مع هذا المجتمع الجديد بتقاليده وعاداته".


إذن، كيف يمكن لإنسان أن يتجاوز في مثل هذا السن مصاعب ما يواجهه مهاجر متعلق بما عاشه في وطنه، من طفولة وشباب وخط عربي كرّس حياته لأجله؟... المعادلة عند هذا المهاجر العراقي هي في الجهد الإضافي "فمن خلال دراستي اللغة الإنجليزية هنا، حاولت أن أنشر فنّ الخط العربي في هذا المجتمع، وذلك عبر ورش عمل لتعليم الخط ومعارض ومحاضرات. وكان التجاوب جميلاً جداً من قبل الجالية العربية، ومن قبل الغربيين".


متسلحاً بالمعرفة وجمال الخط العربي شقّ طريقه فأقام في لندن 15 معرضاً، أوّلها كان في عام 2004 في كلية كارشالتون، وآخرها منذ أيّام في رابطة نساء العراق. وألقى العديد من المحاضرات عن الخط العربي، منها في جامعة أوكسفورد وكامبريدج ومانشستر وفي المركز الثقافي العراقي، والمركز الثقافي المصري والمركز الثقافي السعودي والمنتدى العراقي ورابطة نساء العراق.

وأصبح إكزير لاحقاً عضواً في جمعيات فنية متعددة، "منها "ساتن آرت غروب" و"كرويدن آرت غروب" و"كينغستون آرت غروب" وغيرها، وأشارك بنشاطاتهم وأقدّم ورش عمل للرّاغبين في تعلّم الخط العربي والزخرفة".

بهنام مع طلاب الخط العربي في لندن (العربي الجديد) 

رحلته مع الخط العربي بدأت مبكرة، وبدايتها "كانت هواية قبل أن تكون مهنة حين كنت مديراً لمدرسة "القاهرة" الكاثوليكية في الموصل. وبدأت بدراسة الخط العربي عام 1975 في الموصل على يد الخطاط الكبير الأستاذ يوسف ذو النون، ودرست الزخرفة على يد الأستاذ طالب العزاوي والأستاذ باسل ذو النون". وفي العراق يختلف الأمر مع الخط العربي عنه في بريطانيا، برأي إكزير، والذي يعتبر أن: "الخطّاط في العراق يدرس الخط على أصوله، لوجود أساتذة أكفاء، أمّا في الغرب فيندر توفّر من يدرّس هذا الفن".

ويرى أن فن الخط العربي يجب الحفاظ عليه، ولتفادي زواله "يجب أن نهيّئ أساتذة لتدريسه، كونه العمود الأساسي لكافة الفنون العربية وقيمة عليا. هو إبداع وأصالة وفن وجمال. ولطالما تغنّى الشعراء والكتاب والأدباء بجمالية الخط العربي، أذكر منها بيتين من الشعر يعتقد أنّهما لأمير الشعراء أحمد شوقي:
ما من كاتب إلّا سيفنى       ويبقى الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بخطك غير شيء   يسرّك في القيامة أن تراه".

يشجع بهنام إكزير الناس على تعلّم الخط العربي واحترافه. وعن المدة الزمنية المطلوبة يقول: "قد يختلف الوقت بين شخص وآخر، لكن من يتقن خط الثلث وخط النسخ يصبح معلّماً للخط العربي. وقد يحتاج إلى ما يقارب الأربع سنوات لدراسة جميع الخطوط بمعدل ساعتين إلى أربع ساعات في الأسبوع".
سبر الخط وفنونه
وعن الخط العربي واستخداماته في الماضي، وبداية فن الخط، يقول إكزير إن "الاهتمام جاء على خلفية أن الكتابة المسمارية بدأت في بلاد ما بين النهرين منذ عام 3200 قبل الميلاد، بيد أن الخط العربي بدأ بحروف غير متصلة ومن دون تنقيط، وكانت صعبة القراءة، لذلك قام عالم النحو أبو الأسود الدؤلي باقتباس النقاط من اللغة السريانية، لتنقيط الأحرف العربية.

أمّا حركات الرّفع والنصب والسكون والفتح، فأخذها عالم النحو الخليل بن أحمد الفراهيدي من الخط الآرامي"، ويرى أن "استخدام فنّ الخط العربي كان رائجاً في جميع الميادين، لكن مع ظهور الكمبيوتر قلّ استخدامه، وأيضاً في ظلّ غياب أساتذة أكفاء لتدريس هذا الفن العريق الذي يعتبر من الفنون الأصيلة والرّاقية".

ويخوض شارحاً عن أنواع الخط العربي واستخداماته الجمالية بالقول: "قسّم الباحثون الخط العربي إلى قسمين، أوّلاً الخطوط اليابسة وهي الخط الكوفي بأنواعه من الكوفي البسيط إلى الكوفي المغربي، ويدعى بالمغربي لأنّه تطوّر في المغرب، والكوفي المظفور الذي يعتبر أصعب الخطوط الكوفية، والكوفي المزهر والكوفي الدائري والكوفي المربّع. وتسمّى باليابسة لأنّه تغلب عليها الخطوط المستقيمة والزوايا وتستعمل في كتابتها الآلات الهندسية. وثانياً الخطوط اللينة التي تزيد عن العشرة أنواع، وأسهلها خط الرقعة الذي أبدأ عادة بتدريسه للطلّاب المبتدئين، أمّا أصعبها وأجملها فهو خط الثلث".



المساهمون