نقطة تحوّل إذا توفرت الإرادة

نقطة تحوّل إذا توفرت الإرادة

16 ابريل 2017
+ الخط -
يمكن للإضراب الذي يبدأه الأسرى الفلسطينيون في معتقلات الاحتلال، أو إذا شئنا "جنود فلسطين في الأسر" بمناسبة "يوم الأسير"، مع المطالب الثلاثة عشر التي قدموها، أن يتحول إلى نقطة تحول في المشهد الفلسطيني كله، وفي مسار القضية الفلسطينية، لجهة إعادة الروح الكفاحية للشعب الفلسطيني وبالأساس لتصحيح مسار القيادة الفلسطينية، على اختلاف أماكن وجودها، سواء في الضفة الغربية أم قطاع غزة، إذا توفرت الإرادة الحقيقية للنهوض بالشعب الفلسطيني وقضيته، ليس من خلال تبني مطالب الأسرى فقط، وإنما تجاوز هذه المطالب نحو العودة للشرط الأساسي الذي تخطه الدول والشعوب في حالات النزاع العسكري، فكم بالحري مقاومة الاحتلال الأجنبي، وهي اشتراط تحرير كل "الجنود الأسرى" وعودتهم إلى حضن دولتهم، وفي حالتنا إلى حضن شعبهم.

والمطالبة بتحرير جميع أسرى الشعب الفلسطيني، لا يجب أن تكون مجرد مطلب، بل شرطاً فلسطينياً لا تهاون فيه، لتصحيح الخطأ التاريخي الذي وقعت فيه منظمة التحرير عندما لم تنه هذا الملف في مفاوضات اتفاق المبادئ في أوسلو، أولا، ومن أجل توظيف قضية الأسرى، كمعيار ونقطة بداية جديدة، أو مجددة، نحو توحيد الشعب الفلسطيني كله، وتكريس هذه الوحدة أولاً داخل الحركة الأسيرة، من خلال  التفاف كافة التنظيمات والفصائل، ذات الشأن وذات الصلة حول هذا الإضراب، وسد الطريق أمام محاولات الاحتلال الجارية، حسبما نعلم لإفشال الإضراب عبر استغلال الانقسام الفلسطيني داخل السجون والمعتقلات، والرهان على إضراب ينفذه أسرى فتح وحدهم، مع سعي لتحييد أسرى باقي الأطراف، ولعل أهمهم في هذه الحالة أسرى حركة حماس.

صحيح أن أسرى فتح لم ينضموا سابقاً للإضراب الكبير الذي أعلنته حماس عام 2014 ودام 29 يوماً، وإن كان قسم من الأسرى انضموا للإضراب بشكل فردي، لكن حاضر القضية الفلسطينية اليوم، وتوق الشعب الفلسطيني للوحدة، يلزم ويحتم على الحركة الأسيرة أن تكون موحدة في الإضراب، وأن تضرب مرة أخرى مثلا في إيثار المصلحة العليا للشعب الفلسطيني على المصلحة الفصائلية والحركية، وليس أقدر على ضرب مثل هذا المثل، من الأسرى الذين ضحوا بحريتهم الشخصية وبأنفسهم من أجل القضية العليا وهي قضية الشعب الفلسطيني.

في المقابل، فإن نجاح الإضراب لن يتم بدون خطوات تأييد ومناصرة وليس مجرد عبارات تضامن، ينبغي أن تكون خارج السجون، وأن تقودها القيادة الفلسطينية ككل، سواء حماس في القطاع، أم السلطة في الضفة الغربية، وتتعدى حدود تظاهرات موضعية أو وقفات احتجاج محدودة، بل هي فرصة لتفعيل ما تسميه مثلا السلطة الفلسطينية، بالمقاومة الشعبية السلمية: مظاهرات شعبية واسعة، في مختلف أنحاء الضفة الغربية والضفة الغربية والقدس المحتلة، ومثلها في مختلف أماكن وجود الشعب الفلسطيني، وأمام السفارات والمؤسسات والهيئات الدولية، ليس لإسماع صوت الأسرى ورفع مطالبهم فحسب، وإنما لرفع سقف الموقف السياسي والوطني الفلسطيني، والعودة إلى قاعدة عدم ترك "جنود الشعب" (سواء من وقعوا بالأسر بفعل مبادرة ذاتية أو من قاموا بنشاطهم بتوجيه من تنظيماتهم وفصائلهم) في الأسر، لأن ذلك لا يختلف عمن يترك جنوده وراءه في أرض المعركة.

لن يكفي هذه المرة إعلان التضامن، ولا تأييد المطالب، بل هي فرصة فعلا، يقدمها الأسرى (وهم "أضعف حلقة" حالياً، لكنهم أكثر من تهابهم إسرائيل اليوم، وأكثر من تخشى من تداعيات تحركهم) لتغيير الأوضاع الفلسطينية، وتغيير موازين القوة المختلة بشكل غير معقول لصالح الاحتلال. يكفي أن تتوفر إرادة فلسطينية جامعة، لتوظيف الإضراب في الاجتماع على الأقل على موقف موحد حتى نحدث تغييراً أولياً في هذه الموازين، يمكن له لاحقاً أن يعيد الأمل للشعب الفلسطيني ولأبنائه خلف القضبان بالتحرير، تحرير الإنسان والأرض، لأنه لن يكون بمقدور أحد هذه المرة أن يطرح سؤال كنفاني: لماذا لم يقرعوا جدار الخزان؟ فالأسرى يقرعون بشدة، والسؤال اليوم هل سيجدون من يستجيب لهم؟