رسالة من معلمة مصرية: "أنا لست ببغاء"

رسالة من معلمة مصرية: "أنا لست ببغاء"

11 ابريل 2017
طابور الصباح والالتزام بالزي المدرسي هو الأهم(Getty)
+ الخط -
توجهت إحدى المعلمات، وتدعى شريهان أنور منصور، برسالة إلى الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم في مصر، عنوانها "المدرس مش بغبغان والطالب مش كمبيوتر"، وتضمنت الرسالة بحسب موقع أخبار التعليم في مصر على شبكة الإنترنت استنكار المعلمة لما يجري في العملية التعليمية جعلها تحس كأنها ببغاء ترص كلمات على مسامع طلابها، معلنة رفضها تعامل الوزارة مع الطلاب وكأنهم مجرد أجهزة حاسوب تحفظ المعلومات ثم تسترجعها وترصها في ورقة الامتحان من دون أي إعمال للعقل ومن دون إعطائه أي فرصة للتفكير والاستنتاج. 

وتساءلت المعلمة، كيف أقوم بتدريس منهج شهرين في شهر واحد لعدم وجود وقت كاف، وكيف أحشو هذا الكم الهائل من المعلومات في أدمغة طلاب الصف الأول الثانوي الذين يدرسون مادة الفلسفة لأول مرة في حياتهم، كما انتقدت المتابعات الرسمية من قبل التوجيه، والتي تهتم فقط بتحضير المعلم الدرس في دفتر التحضير وقيام الدنيا إذا تم تحضير درس بدون تاريخ أو بتاريخ خطأ، من دون أدنى اهتمام بالمنتج الحقيقي للعملية التعليمية والمتمثل في "الطالب" وليس الدفتر، وأنهت رسالتها بضرورة تخفيف المناهج على الطلاب وأهمية تفعيل القيم التربوية في المدارس حتى تصبح بحق وزارة للتربية قبل التعليم.

مسار العملية التعليمية
رسالة المعلمة ليست مجرد حالة فردية، بل هي رسالة بداخل كل مدرس وكل طالب وكل ولي أمر، فرسمياً بدأ النصف الدراسي الثاني في مصر في الثاني عشر من فبراير/شباط الماضي ومع نهاية شهر مارس/آذار يحاول كل مدرس جاهداً إنجاز وإنهاء شرح المنهاج الدراسي كاملاً، استعداداً لمراجعات قبل الامتحان، وفي النهاية يحس المعلم بأنه كالببغاء ويشعر الطالب أنه مجرد حاسوب أو آلة أو ببغاء هو الآخر عليه حفظ وحشو المنهج لتفريغه في ورقة الامتحان حتى إذا أنهى امتحانه يقوم بتمزيق كتبه والتخلص منها كاملة كنوع من الاحتفال.

وفي السياق ذاته يبدو أن تشبيه أحد أطراف العملية التعليمية بالببغاء ليس جديداً على المنظومة التعليمية في مصر، بل له جذور متأصلة في الدراما المصرية منذ عام 1979 عندما شبهت الفنانة وردة الجزائرية في أغنية أحد المسلسلات الببغاء الذي تملكه بالتلميذ الشاطر، لمجرد أنه يتلفظ كل ما تمليه عليه ويذاكره الليل بطوله وفي الصباح يقول كل ما قام بترديده وحفظه.

ردود الأفعال كلها اتفقت مع مضمون الرسالة، تقول "نهى نصر": "مناهج المرحلة الابتدائية في مصر تعكس إصراراً واضحاً من الدولة على إتلاف عقول أبنائنا وتنشئة أجيال على الحفظ والترديد من دون تفكير أو إبداع أو تجربة، وكذلك إحباطهم وتعجيزهم بمناهج كلها ألغاز وأوهام محيرة وبالغة الصعوبة"، ويستنكر أحد أولياء الأمور طريقة تعامل وزارة التعليم مع المعلمين والطلاب باعتبارهم كائنات خارقة للطبيعة، فالمدرس يشرح منهجا كاملا في شهر واحد بعد أن نطرح من المدة أسبوعاً كاملاً خُصص لامتحانات نصف الفصل الدراسي، بالإضافة إلى أيام الإجازات الأسبوعية والطالب لا يملك سوى الحفظ.

وتعليقاً على هذه الرسالة التقت "العربي الجديد" بالأستاذ عبد الحفيظ طايل، رئيس المركز المصري للحق في التعليم الذي اتفق مع مضمونها هو الآخر قائلاً: "هذه الرسالة تعبر عن واقع وحال المعلم في مصر، فهو محكوم بشكل بيروقراطي قوي جداً، وبالتالي ليس أمامه أي فرصة للإبداع في طرق التدريس أو التنوع في عرض المعلومة وليس أمامه إلا أن يكون مجرد مردد أو ناقل لها، وإذا خرج عن هذا الإطار المرسوم له يتعرض للكثير من المضايقات الأمنية".

ويوضح طايل: "هناك بالفعل سيطرة أمنية عالية على العملية التعليمية، بداية من إعلان الرئيس الأسبق حسني مبارك أن التعليم قضية أمن قومي، وبالتالي تسلمته أجهزة الأمن التي بدورها فرضت وجهة النظر الأمنية وتحديد ما يوضع في الكتاب المدرسي ورفع التقارير الأمنية عن العاملين والطلاب من خلال ما يسمى بمسؤولي الاتصال السياسي بالإدارات والمديريات التعليمية، حتى أصبح كل ما يهم إدارة المدرسة هو طابور الصباح والالتزام بالزي المدرسي وكل ما عدا ذلك في ما يخص التعليم والتعلم تفاصيل بسيطة يمكن تجاوزها".

الضبط الاجتماعي
ويتابع طايل: "إذا انتقلنا للطالب باعتباره المنتج الأساسي للعملية التعليمية فكل ما يشغل بال هذه المنظومة هو تحقيق معيار الضبط الاجتماعي للطلاب وليس معيار بناء المستقبل، وبالتالي يتم تدريس هذه المناهج والإصرار عليها من أجل التكريس لكون اللحظة الراهنة هي نتاج عظيم لكل ما مضى، ويتم إهمال مناقشة المستقبل حتى لا تتفتح عقول الطلاب نحو انتقاد الواقع والتفكير في حلول على غير هوى السلطات الحاكمة أو التفكير خارج الصندوق".

ويضيف: "ضعف الإنفاق على التعليم يؤدي إلى مناهج عقيمة ومملة قائمة على التلقين المنزوع منه النقد والتشويق، فهي تكاد تكون نشرات سياسية تصدرها وزارة التعليم حاملة وجهة نظر السلطة التنفيذية أو النخبة السياسية ومهمتها الأساسية غسيل مخ الطلاب، إذ تقوم أساساً على تسليط فكرة مركزية تنشد استقرار الأوضاع الراهنة بوصفها الأصلح للفرد والمجتمع، وتنحية أية أفكار أو آراء أخرى، وكل ما سبق عوامل أنتجت طالباً كالببغاء لا يرتقي إلى تشبيهه بجهاز الحاسوب لأنه مجرد متلقٍ لمناهج قائمة على المعلومة المتجزئة والمقتطعة من سياقها، تُملى عليه بطريقة لا تحرّض ذهنه على التفكير، وبالتالي لا يمتلك أدوات البحث عن المعلومة".

وعن رؤيته للخروج من هذه الأزمة يرى طايل أن: "الحل للخروج من أزمة المناهج هو تحول المدرسة إلى مكان للإبداع وإعمال العقل بدلاً من كونه مكاناً لقهر الاختلاف والتنوع وتمجيد التشابه، وعدم الخروج عن الخط المرسوم، وكذلك انتهاج أساليب ديمقراطية في التعليم اتبعتها العديد من الدول المتقدمة، ولكن لا أعتقد إمكانية تطبيقها في مصر على أي مستوى؛ لأن هذه الأساليب مكلفة من الناحية المادية وتحتاج إلى فصول كثافتها لا تزيد عن 30 طالباً ومزودة بخدمات الإنترنت المجاني، في حين أن وزارة التربية والتعليم لا تنظر إلى هذه الحلول بل تعلن فقط عن خطتها المستمرة لإزالة الحشو من المناهج كلما ارتفعت أسعار الورق وزادت تكلفة الطباعة، إلى جانب إيمانها بجودة "السلعة" التي تقدمها وإقبال المجتمع عليها بعد أن تحول النظر إلى التعليم باعتباره سلعة وليس حقاً.

المساهمون