الضغط الدراسي... عواقبه كارثية نفسياً وجسدياً

الضغط الدراسي... عواقبه كارثية نفسياً وجسدياً

29 مارس 2017
الضغط الدراسي يؤثر سلبيا على الأبناء بشكل كبير(Getty)
+ الخط -
دخل العيادة شاب في الثلاثينيات من العمر يبدو من أناقته ومظهره أنه صاحب مركز مرموق، وعندما سألته عن سبب توجهه لمتخصصة في العلاج النفسي، أخبرها أنه طبيب جراح معروف وناجح مهنياً لكن حياته الشخصية مليئة بالهموم والتوتر، وحياته الأسرية في مهب الريح بسبب ما يعانيه من مشاكل نفسية، فقد عانى من طفولة سيئة نشأ فيها تحت ضغوط تغرس فيه صباح مساء أن الدراسة هي محور حياته. وبدون العكوف على القراءة أكبر عدد من الساعات لن يجد السعادة نهائياً، فلم يلعب ولم يضحك ولم يجر... ولم تكن تحتضنه أمه إلا بعد تحقيقه لنتائج دراسية عالية! 

ورغم الدراسات الكثيرة التي تظهر مخاطر عدم التوازن في حياة الطفل، تقول فاطمة: "بعد العودة من المدرسة تتبقى ساعات قليلة، فالطفل إن لعب وضحك ومرح سيفشل، وما فائدة أن يكون طفل سوياً نفسياً، إذا لم يحصل على شهادة متفوقة ويكابد في الحصول على وظيفة وتأسيس أسرة مستقرة؟ لا بد من تضحية وتنازل وتحديد الأولويات".

في حين تختلف معها ناهد قائلة: "ما المانع من أن يمارس رياضة يحبها، وهواية يجيدها، وأن يتعلم فنون الحياة والتواصل الجيد، وأن يحصل على علامة 8 أو 9 من عشرة؟ فقد دفعت أنا صحتي وسكينتي النفسية ثمناً لأن أكون طبيبة، فقد كان الثمن باهظاً لا تستحقه السلعة".

ثمن باهظ
حملنا هذه الآراء لطبيب الأطفال د. نصر محيي الدين، الأستاذ بكلية طب القصر العيني بمصر، الذي يقول: "يجب أن يكون هناك وعي لدى الآباء والأمهات حول ضرورة تنشئة جيل متوازن من جميع النواحي، وأن يتم التركيز على صحة الطفل جسدياً من خلال ممارسة الحركة بجميع أنواعها.

فيجب على الطفل ما قبل السادسة أن يمارس نشاطاً بدنياً ساعتين يومياً من خلال رياضة بسيطة ولعب حركي حر أو الرقص. والطفل ابتداء من عمر 7 سنوات يجب أن يمارس نشاطاً رياضياً مناسباً لنموه الجسدي والحركي بمعدل لا يقل عن ساعة يومياً، هذا إلى جانب الأنشطة الحركية الأخرى، على أن لا تقل كل فترة من فترات النشاط الحركي عن ربع ساعة متصلة. ومن المهم أيضاً ألا تكون هناك فترة خمول جسدي متواصل تزيد عن ساعتين يومياً، والتي تتمثل في الدراسة أو مشاهدة التلفاز وما إلى ذلك".

وحول علاقة العكوف على القراءة وزيادة وزن الطفل، يضيف قائلاً: "أثبتت منظمة الصحة العالمية أن 90% من حالات السكري عند الأطفال والمراهقين سببها فرط الوزن وقلة النشاط البدني. كما أن السمنة وقلة النشاط البدني تزيد احتمالية الإصابة بسرطان المريء، حيث ترفع نسبة الأنسولين، وتسبب العديد من الالتهابات المزمنة. ولكن مع ممارسة الرياضة تنخفض نسبة الدهون في الأمعاء، وتقل نسبة الأديبوكين السرطانية التي تقاوم عمل الأنسولين، وبالتالي تقل الالتهابات المزمنة، وتنخفض احتمالية الإصابة بسرطان المريء".

قلة الحركة
أظهرت نتائج اللقاء العلمي السنوي الذي عقدته الكلية الأميركية لأمراض الجهاز الهضمي عام 2015، أن قلة الحركة تسبب كذلك سرطان القولون ومرض ترقق العظام، الذي يتعرض المصابون به لكسور بمجرد صدمة بسيطة أو السقوط، فالنشاط الحركي يعمل على الحفاظ على الكثافة المعدنية للعظم التي تحمي من ضعف العظام وارتخاء العضلات. وإلى جانب هذا، يجب مداومة الطفل على نظام غذائي متوازن بين الكالسيوم والبروتينات وفيتامين د الذي يتوافر في الأسماك الدسمة، مثل سمك السلمون والرنجة.

للحفاظ على التوازن بين صحة الطفل والغذاء، يجب أن يركز الآباء على ممارسة الأبناء للرياضة قبل تناول الطعام، خاصة الغداء، ويجب تشجيع الأبناء على استخدام السلالم بدلاً من المصاعد، وكذلك ممارسة الرقص كاستراحة بين ساعات الدراسة، والذي يحسن الوظائف الجسدية والنفسية للطفل. كذلك يجب تشجيعهم على المشاركة في الأعمال البدنية الحياتية، مثل مساعدة الأب في غسل السيارة، والمشاركة في التنظيف أمام المنزل أو الحديقة المجاورة.
فيجب أن يكون النشاط الحركي ثلث مدة وقت المذاكرة في المرحلة الابتدائية، ونصف المدة بعد أن يتخطى الثانية عشرة من العمر.

الضغط النفسي والعصبي
وعن المخاطر النفسية والاجتماعية لعكوف الطفل على الدراسة والتقصير في باقي جوانب التربية السليمة، تقول سهام صبحي، المعالجة النفسية بأكاديمية الرحمة للتنمية الأسرية: "للأسف نربي الكثيرين على الاهتمام بالتعليم فقط، ما يطغى على الجوانب الإنسانية الأخرى للشخص وعلاقاته الاجتماعية والأسرية، وصورته الذهنية عن نفسه تتكون بأنه بالعلم سيصبح لديه مال وفير ووظيفة جيدة، وسيصبح مقبولاً من المجتمع ومحبوباً، وبعدم التفوق وجلد الذات في الدراسة ستفقد احترام المجتمع لك، ولن تجد شريك حياة يتقبلك، وغير ذلك مما يؤثر على علاقة الطفل بوالديه.

فهم يضعون عليه طموحاتهم الشخصية وأحلامهم، ما يثقل على الطفل ويجعله يحمل عبئاً كبيراً، لأن والديه لن يفتخروا به إلا إذا تفوق وأصبح طبيباً أو مهندساً أو ما شابه".

تواصل: تزورني في العيادة حالات كثيرة كهذه، فهذا الأسلوب في التربية ينشئ شخصاً متفوقاً فعلاً لكنه يعاني من أمراض صحية، مثل الضغط والسكر والكبد، وهي منطقة ضغوط البطن، كذلك القلق والتوتر، فهو يتوقع دائماً كوارث ستحدث في حياته، ولا يتوقع أن يفقد شيئاً كرّس حياته وتخلى عن طفولته من أجله.

وغالباً ما يكون شخصية أنانية واعتمادية وغير متعاونة ويهتم بنفسه فقط ولا يهتم بأفراد أسرته، شخصية مستغلة وسلبية في مواقف حياتية، لا يظهر وسط عائلته بدور فعال، فالمقربون منه دائمو الشكوى من تقصيره في أداء واجباته، وهذا الشخص يكون محور كلامه: "وظيفتي تساوي نفسي، فإذا ضاعت فأنا قد دمرت".

وتضيف "يجب تنشئة الطفل على إيجاد توازن في أهداف حياته بعدل، وبالتالي يستمتع بحياته كإنسان سوي، غرست فيه بذور كل القيم السليمة، حياته فيها دراسة وصحة ورياضة ومشاعر ومواهب وعواطف وضحك ورغبات ودنيا ودين، ينشأ مدركاً متيقناً أنه في يوم ما سيملك ما يريد، وفي يوم آخر لن يملك ما يريد، ويجب أن أترك أطفالي يحققون أحلامهم هم، بأمنياتهم هم، وقدراتهم هم، لا أن أمارس سلطتي كأب على تشكيل شخصياتهم وتحديد طموحاتهم".



المساهمون