نائب عمدة "لاروشي"

نائب عمدة "لاروشي"

27 مارس 2017
بن زرقة يحلم بدور في السياسة الفرنسية (العربي الجديد)
+ الخط -


أخذت هجرة الأهل إلى مدينة لاروشي، يفري بن زرقة، وهو في سن الثامنة. استطاع أن يشق طريقه في الحياة السياسية، حين لفت الانتباه إليه في المرحلة الإعدادية، متمرداً على مادة "التربية الوطنية" في المنهاج الفرنسي.

قاد تمرداً واحتجاجاً مع مجموعة من الطلاب الآخرين، الذين قاموا بإغلاق العديد من المدارس والأماكن التعليمية الأخرى، ليُنتخب بعدها في الجمعية الإدارية التي تُدافع عن أهالي الحي.

يقول يفري بن زرقة، لـ "العربي الجديد": "كان الأمر صعباً ومرعباً بالنسبة لي. فقد كنت صغير السن وسط أناس كبار يفترض أن تفرض احترامك عليهم، لكني تعرفت على العديد من الأشخاص، وكونت صداقاتي في مجتمعي الجديد الذي نظر إليّ باعتباري "متمرداً" في البداية. الأمر يعود لجذوري المتصلة لجدتي، من أبي، فرنسية الجنسية والمولد، إذ كانت مجاهدة في حزب جبهة التحرير الوطني الجزائري. أخذت عنها روح التمرد، وهي وضعت شرطاً على ابنها، والدي، بعدم السفر إلى فرنسا طالما هي على قيد الحياة".


يجيب بن زرقة على سؤال أثار انتباه الرأي العام في مدينة لاروشي قبل عامين، ومتعلق بمعارضته لمشروع نصب كاميرات المراقبة العامة في الشوارع: "هو مشروع وقفت ضده، لما فيه من مخالفة واضحة وصريحة لحقوق الإنسان وتعدٍّ على الحقوق الشخصية. أما إذا كانت المراقبة لضمان أمن البشر وحمايتهم فسأكون معه، أي تركيب الكاميرات أمام الميناء وفي محطات القطار والجامعات. وقعت حادثة قبل خمسة أعوام في الميناء، حيث سقط رجل في الميناء وتبيّن أنه قُتل. تعرّفنا عليه بواسطة كاميرا المراقبة. هذا النوع من المراقبة أنا معه. وأنا أقوم بمراقبة المشروع حتى لا يكون هناك اعتداء على الحريات العامة وخصوصيات السكان".


عربي أولا
يسرد بن زرقة نظرة المجتمع الفرنسي للعربي عموما، ونجاحه في مختلف المجالات، ويرى أنها تقوم على نظرتين ظاهرية تحترم تفوقك وحضورك، وأخرى "عنصرية" يعبر عنها في كثير من الأشكال، ونحن نأخذ مثالاً الكولونيل الجزائري بن داود الذي خدم مع الجيش الفرنسي في حقبة الاستعمار الفرنسي وأثناء عرض عسكري في الشانزليزيه بعد الحرب العالمية الأولى. كانت سيدة فرنسية تقدم التحية للجنود وعند وصول بن داود أنزلت يدها فصاح بكلمته "عربي عربي، ولو كنت الكولونيل بن داود". بمعنى نحن نعرف جيدا أن تحطيم الصور النمطية العنصرية للمهاجرين واللاجئين مهمة شاقة وعسيرة، لكن الباب مشرع للتغيير من خلال الدراسة والعمل والاندماج باحترام خصوصيات مجتمعنا الجديد. تجربتي الشخصية على هذا الصعيد يمكن لها أن تكون حافزاً لكثير من الشباب اللاجئ والمهاجر من خلال المثابرة على الدراسة لفتح آفاق العمل والنجاح، وبالتالي هناك مصاعب تواجه اللاجئين الجدد متعلقة بسوق العمل، خصوصاً المرأة المحجبة.

يضيف بن زرقة: نحن نعمل على تذليل الكثير من العقبات أمام اللاجئين من خلال دعم الجمعيات الأهلية في لاروشي التي تمكّن المرأة والطفل من اللاجئين على تخطي مصاعب اللجوء.



تشابك القضايا
يقرأ بن زرقة تجربته الحالية في منحيين متلازمين، الأول متعلق بقصة نجاحه في مجتمعه الجديد وفتح باب مكتبه لكل لاجئ ومغترب في المدينة ومد يد المساعدة له، بالإضافة إلى دعمه لتكوين الجمعيات المتعلقة باللاجئين، والتي تهدف إلى التواصل مع الوطن الأم والحفاظ على الثقافة والهوية من باب تسهيل الاندماج في المجتمع الجديد.


يقول بن زرقة: "كانت لي تجربة في إنشاء جمعية الشباب الجزائريين في مدينة لاروشي في العام 2012، قادتني إلى التواصل مع العديد من أبناء جلدتي. كان الأمر طبيعياً في لقاء كل القناصل الجزائريين الذين يصلون إلى مدينة "بوردو" للحديث عن مشكلات الشباب المهاجر واهتماماتهم في المهجر. المنحى الثاني من تجربتي متعلق بالمرحلة الثانوية أثناء درس الجغرافيا، بطبيعة الحال لدي أفكاري الخاصة المتعلقة "بالاستعمار والإمبريالية"، وانتبهت إلى أن هناك مشكلة في أفريقيا متصلة بقضية الصحراء الغربية غير تلك المشاكل التقليدية، التي تثير اهتمامنا كشباب عرب. ما زاد اهتمامي بالاقتراب أكثر من تلك القضية هو فرصة زيارتي لمخيمات "تندوف".

اللاجئون في الاعتبار
يطرح الشاب الفرنسي العربي بن زرقة من وجهة نظره رؤيته للمشرق العربي، إذ يرى كمهاجر أيضا أن "لا استقرار في المشرق العربي ما دامت فلسطين محتلة".
أما في الحديث عن اللاجئين القادمين إلى هذه المدينة، لاروشي، في أقصى الغرب الفرنسي على شواطئ المحيط الأطلسي، فيضيف بن زرقة: "ما يقدم للاجئين في مدينة لاروشي خصوصا، وفي إقليم بواتوشارنت عموما، يعتبر الأفضل في الأقاليم الفرنسية، لتسهيل حياة اللاجئين ومساعدتهم في التعلم والاندماج وتأمين السكن. مهمتنا هنا في البلدية تذليل العقبات أمام اللاجئين الجدد لمد الجسور مع مجتمعهم الجديد وتمتينها".


يختم بن زرقة حديثه عن اللاجئين بالقول: "هؤلاء وصلوا إلى فرنسا رغماً عنهم، ولاروشي مدينة مفتوحة على العالم. واللاجئون سيُغنون ويثرون هذا البلد وهذه المدينة بروافد عدة وخيرات متعددة بعقولهم وخبراتهم وثقافتهم، والذي يحكم العلاقة أخيراً بين اللاجئين ومجتمعهم هو القانون، وكل التهويل العنصري يصبح صفراً أمام القانون أياً تكن هوية البلدية أو المرشح مستقبلاً، طالما تسلّح اللاجئ باللغة والعمل والمعرفة والثقافة، فهي منجيات له ولأسرته".


في التجربة يعد بن زرقة في مجتمعه المحلي شخصية ناجحة في السياسة وحقوق الإنسان، أصله العربي لم يوقف طموحاته وتفاعله مع المحيط وتحت سقف ثقافة الانفتاح، والقانون الأوسع في مجال المشاركة بعيدا عن الأحكام المسبقة. وبغض النظر عما يحمله يفري بن زرقة من أفكار وتوجه سياسي في مهجر فرنسي ترعرع فيه لعقدين، إلا أن هذا الشاب، ووفقا للمحيط الذي يعرفه، يشكل نموذجا لقدرات عربية مغاربية تستطيع التأثير والوصول إلى مناصب رفيعة بعيدا عما سماه هو بنفسه "التهويل العنصري".


يأمل أن يشكل في تجربته الاغترابية حافزاً لكثير من الشبان، المهاجرين واللاجئين، من أجل مستقبل أفضل لهم ولأولادهم وأوطانهم الأصلية في مهجر يقسو أكثر فأكثر مع تقدم أصوات شعبوية ترتفع أسهمها مع مرور الأشهر والسنوات. والتحدي الكبير الذي يواجه المهاجر واللاجئ وفقاً لصاحب تجربة في مجتمعه الفرنسي هو "الاندماج" بأوجهه القادر على رفع شأن فردي وجماعي لهؤلاء.

المساهمون