سورية... خلل في المناهج وسيطرة لأساليب التعليم القديمة

سورية... خلل في المناهج وسيطرة لأساليب التعليم القديمة

15 مارس 2017
العلم بالنسبة للطالب يتلخص باجتياز الامتحان فقط(Getty)
+ الخط -
بينما ينشغل الطالب في المدارس المتقدمة بإجراء بحث علمي ما أو التحضير لتجربة كيميائية بسيطة، يكون الطالب السوري منهمكاً بحفظ عدد أكبر من الصفحات التي تختزنها دفتا الكتاب المقرر عليه، عله يخزن كماً أكبر من المعلومات التي تؤهله لاجتياز الامتحان، وبينما يعتبر المعلم في الطرق الحديثة هو صلة الوصل بين الطالب والمعلومة، يقتصر دوره على توجيه الطلاب وتعليمهم أساليب البحث عن المعلومة وتطبيقها ومشاركتها، ينشغل المعلم السوري بفرض سيطرته على الطالب، وبتلقينه عدداً أكبر من الدروس التي يتوجب عليه إنهاؤها بغض النظر عن نوعية هذه الدروس والجدوى من تعلمها.

أسلوب سردي قديم

أخطاء تربوية وتعليمية عديدة تختزلها العملية التعليمية في المدارس السورية، يحدثنا عنها محمود العلوا المرشد التربوي والموظف السابق في وزارة التربية السورية. والذي يصف الأسلوب التعليمي في المدارس السورية بالتقليدي والمليء بالأخطاء التربوية التي لم تصوّب من قبل المختصين في المؤسسات التعليمية السورية منذ سنين، حيث يوضح لـ "العربي الجديد" أن نجاح العملية التعليمية في أي مؤسسة تربوية "يرتبط بشكل أساسي بالطالب والمعلم، وبدور وسائل التعليم المختلفة من مناهج دراسية ومدارس وغيرها، وإن أي خلل أو تقصير في أحد الأطراف سينعكس سلباً على العملية التعليمية بأكملها".

ويقول:" تقع المسؤولية الأكبر في نجاح العملية التعليمية على عاتق المعلم سواء في طرائق التدريس القديمة أو الحديثة، ما يوجب عليه بذل الكثير من الجهد لتصويب الأخطاء التربوية التي قد يقع بها، ولتغيير أسلوبه في التعاطي مع الأجيال المختلفة.

ومع استمرار تطبيق الأساليب التقليدية في التعليم في سورية، لم يتكلف المعلمون أي عناء في السعي لتغيير أساليب تعاطيهم مع المادة التعليمية ومع الطلاب، وعلى الرغم من تطوير النظام للمناهج الدراسية ساعياً لإدخال عناصر الحوار والمناقشة للمناهج وتطبيق الوسائل التفاعلية، إلا أن غياب الدورات التأهيلية للمعلمين بكيفية تطبيق الأساليب التربوية الحديثة وعدم توفير الوسائل المساعدة، جعل من تغيير المناهج خطوة فاشلة، فالمناهج وإن عدلت إلا أنها تدرس بالأسلوب التقليدي السردي القديم. إضافة إلى ذلك فإن مصاعب الحياة المتزايدة على المدرسين وخاصةً في ظل الأوضاع الراهنة تثبط من رغبتهم لإجراء أي تغيير في الأساليب التعليمية التي اعتادوا على اتباعها مع الطالب".

الشدة أسلوب عقاب
يوضح العلوا أن الأسلوب المتبع في تلقين الدروس غالباً ما يقتصر على الأنشطة الفردية ويخلو من الأنشطة الجماعية، ويوجه للطلاب على اختلاف قدراتهم الذهنية واحتياجاتهم، وعند ارتكاب الطالب للأخطاء أو تراجع مستواه الدراسي نتيجة لظروف مختلفة، فإنه يعاقب بأسلوب الشدة والضرب والاستهزاء منه ومن قدراته، أسلوب وإن كان متبعاً بكثرة من قبل المعلمين إلا أنه يعتبر فاشل تربوياً، فهو يزرع الخوف في نفوس الطلاب من ارتكاب الأخطاء عوضاً عن توجيههم لتقبل أخطائهم والتعلم منها، كما يؤثر سلباً على نظرة الطالب لنفسه ولقدراته ويدفعه لكره المدرسة والهرب منها.

وبدورها، تؤكد مريم حلاق أستاذة علم الأحياء، أن إدخال الوسائل التكنولوجية الحديثة لا يتناسب مع المناهج المقرر على المعلم إنهاؤها خلال العام الدراسي، فالمناهج الدراسية كثيفة وتحتوي على كم كبير من المعلومات التي لا يسمح الوقت للمدرس بشرحها جميعها بالتفصيل وبأساليب مختلفة، ويوجب ذلك على الطالب حفظ تلك المعلومات لاجتياز الامتحان والنجاح فيه وإن لم يفهمها بالكامل. فالحفظ من أجل التعلم مفهوم قديم راسخ في ذهن الطالب السوري فرضته معطيات العملية التعليمية.

وتؤكد الحلاق أن لهذا المفهوم سلبيات كثيرة أشهرها انتشار ظاهرة النسيان بين الطلاب، فالطالب يضطر لتخزين كم كبير من المعلومات التي يحصل عليها من المعلم أو من الكتاب المفروض عليه مذاكرته في وقت قصير من أجل اجتياز الامتحان، ولكنه لا يكاد يحفظها حتى ينساها بعد اجتيازه الامتحان، والسبب في ذلك يعود لأسلوب التعليم الخاطئ الذي يغفل دور الطالب في البحث عن المعلومة ويحصر دوره في تلقي المعلومات وتخزينها مؤقتاً في ذاكرته".

غياب حصص الترفيه
أغفلت المناهج التعليمية السورية كذلك حاجات الطلاب الترفيهية والفنية من موسيقى ورسم ورياضة، وما لها من دور في الترفيه عن الطلاب وتنشيطهم وتحفيز الإبداع لديهم، فالحصص الترفيهية والفنية وإن كانت موجودة في البرنامج الدراسي، إلا أنها عبارة عن حصص فراغ لا يشرف عليها أساتذة مختصون بل يكمل بها المدرسون نصابهم التعليمي.

سمر ذات السنوات العشر تصف حصص الفنون في مدرستها بالمملة، ينشغل فيها المدرسون بتدريب عدد محدد من الطلاب وتطوير مواهبهم لخوض مسابقات طلائع البعث والفوز بها، أما باقي الطلبة فلا يخضعون لأي تعليم أو رعاية، وتقول: "أشعر بالغيرة من صديقتي سارة فهي موهوبة في الرسم والعمل على الخزف، تنشغل المدرسة في حصص الرسم بتحضيرها وتعليمها الرسم بالألوان المختلفة كي تنافس بها طالبات المدارس الأخرى، بينما تطلب منا في كل مرة رسم الأشجار والورود".

مناهج تبث التطرف الديني
أما في المناطق السورية التي تخضع لسيطرة المعارضة، فالوضع التعليمي أسوأ بكثير، فقلة من المدارس ما زالت تعمل وضمن إمكانيات ضعيفة وغياب للمدرسين المختصين وغياب للمؤسسات التعليمية، نتج عنه تغير منهجية التعامل مع الطلاب، وتعدد وسائل وطرق التعليم وفقاً للمتغيرات، حتى المناهج التي تدرس فهي غير موحدة، وتعكس توجهات الجهات الداعمة ورؤيتها للعملية التعليمية.

فوضى تعليمية تشهدها كذلك المناطق ذات الغالبية الكردية والتي تدرس مناهج خاصة تطبع في العراق تدرس بأساليب تقليدية قديمة، أما الطلاب السوريون في مناطق سيطرة داعش، فيجبرون على الذهاب إلى المدارس الداعشية التي تبث في عقولهم التطرف الديني من خلال تدريسها لمواد شرعية تعكس توجهات الحركة، وذلك بعد حذفها للمواد الاجتماعية والقومية والفنون والرياضة، وفرض الأفكار الجهادية على الأطفال وإجبارهم على رؤية مشاهد التعذيب وقطع الرؤوس. فالعلم بالنسبة للطالب السوري يلخص باجتياز الامتحان والتأهل لمرحلة دراسية جديدة.