سياسة إفقار وتمييز عنصري

سياسة إفقار وتمييز عنصري

19 فبراير 2017
نفذ فلسطينيو 48 إضراباً احتجاجاً على الهدم(جاك غويز/فرانس برس)
+ الخط -
يحتل الفلسطينيون في الداخل، في كل عام وعند كل إصدار دوري أو سنوي لمعطيات عن الاقتصاد الإسرائيلي، وحالة الفقر، أو التهميش، مرتبة عليا باعتبارهم الشريحة الأضعف، والأفقر في الدولة، بما ينعكس أيضاً على مجالات أخرى مثل التشغيل والقدرة على الاندماج في الاقتصاد، ويؤثر سلباً بالتالي على مستوى التعليم الفوق ثانوي والجامعي والقدرة على الوصول إلى هذا التعليم وما يمنحه من فرص للحراك الاجتماعي والاقتصادي.

وفي هذا السياق، يرسم الدكتور في الاقتصاد، سامي ميعاري، في حديث خاص مع "العربي الجديد" صورة لإثنية الاقتصاد الإسرائيلي وعدم ليبراليته، ويجزم أن حالة الفقر في المجتمع الفلسطيني، هي نتاج سياسة ممنهجة ومبرمجة بعناية. ويقول "إن كثيراً من النواحي المتعلقة بالوضع الاقتصادي الاجتماعي المتدني للأقلية الفلسطينية في إسرائيل جاءت بفعل سياسة ممنهجة ومبرمجة استهدفت إقصاء من الاقتصاد الإسرائيلي، لعدم وجود ليبرالية في سوق العمل الإسرائيلي، بمعنى اقتصاد ليبرالي منفتح أمام جميع فئات المجتمع. وعندما نتحدث عن الاقتصاد الإسرائيلي فنحن نتحدث عن اقتصاد إثني ينشط أساساً في المدن الكبرى، حيث تقع وتنشط الشركات الكبرى، وبالتالي فإن المجتمع العربي يبقى مستثنى من هذه الدوائر الفاعلة لأنه اقتصاد مبني بالأساس من المصالح الصغيرة".

ويتابع ميعاري أنه "في حالات حدوث نمو اقتصادي، يتم استيعاب عمال عرب، لكنهم يكونون أول من يطرد من مواقع العمل الإسرائيلية مع ظهور مؤشرات وبوادر لتباطؤ". أما في ما يتعلق بمعطيات ونسب الفقر في المجتمع الفلسطيني في الداخل، فيلفت إلى أن "53.6% من العائلات العربية تعيش تحت خط الفقر، وهذا يعود لأسباب مختلفة، وتدعي أدبيات الاقتصاد الإسرائيلي أن هذا بسبب كثرة الأولاد في الأسر العربية، لكن هذا الادعاء غير صحيح، فمنذ عشرين عاماً انخفضت نسبة الولادة عند العرب من 8 إلى 3.5%، ومع ذلك لم تتراجع نسبة الفقر بما يلائم هذا الانخفاض".

السبب الآخر الذي يوضح سبب الفقر في المجتمع الفلسطيني، برأي ميعاري، هو أن "57% من العرب الذين يعملون في سوق العمل، يعملون في مهن وحرف صعبة وقاسية لكن مدخولها متدن، وفي قطاع النساء فإن نسبة مشاركة النساء العربيات متدنية هي الأخرى وتصل إلى 30% مقابل 60% هي نسبة النساء العاملات في المجتمع الإسرائيلي. ويساعد في هذا الأمر أيضاً حقيقة عدم وجود مناطق صناعية ومتطورة في القرى والبلدات العربية توفر أماكن عمل مربحة".

وبحسب ميعاري فإن عدم ليبرالية الاقتصاد الإسرائيلي تشكل سداً أمام تطور الاقتصاد العربي، إذ إنه خلافا للادعاءات الإسرائيلية، لو كان الاقتصاد الإسرائيلي ليبرالياً ومفتوحاً أمام الجميع، لما كان هناك فرق بين القرى والمدن العربية والإسرائيلية، لأن المفروض في هذه الحالة أن سوق العمل يقوم على مبدأ العرض والطلب، وفي مثل هذه القاعدة، لوجدنا أن الاقتصاد سيكون له طلب أكبر على قوى العمل الرخيصة (أي العرب) مقابل فائض عند العرب في هذه القوى، ونقص في هذا العرض عند المجتمع اليهودي، وبالتالي لو كان الاقتصاد ليبرالياً فعلاً لكان الطلب على قوة العمل الرخيصة يقود إلى تشغيل أكثر للعمال العرب، وليس إبقاء نسبة بطالة عالية رغم وجود عرض لقوة العمل العربية".

ويرى ميعاري أن السياسة الاقتصادية في إسرائيل تقوم بحجب ووقف جريان المعرفة والتطور التكنولوجي إلى سوق العمل العربي، مما يبقي هذا السوق وهذه المعرفة خارج متناول المجتمع الفلسطيني، وبالتالي ضرب فرصه في اقتحام سوق العمل، أو بناء اقتصاد متين.

ويلفت ميعاري إلى أن الحكومة الإسرائيلية ترفض في تخطيطها الاقتصادي التعامل مع العرب في الداخل كمجموعة، بل تواصل اعتماد سياسة فرّق تسد، وتغليب التعامل مع العربي كفرد خارج مجموعة قومية مع إعطاء الفتات لمن يثبت ولاء، وحتى الخطة الاقتصادية التي أعلنتها الحكومة وتحدثت عن رصد 15 مليار شيكل اتضح بعد التحليل العلمي لها أنها لم ترصد ميزانيات إضافية فعلاً سوى 2.5 مليار شيقل، وباقي المبلغ كان موجوداً في الميزانيات العادية أصلاً.

وإذا كان ميعاري يتحدث عن سياسة الاقتصاد الإسرائيلية وإثنيتها في تكريس حالة الفقر في المجتمع الفلسطيني، أيضاً بفعل حجب المعرفة والتكنولوجيا والمناطق الصناعية، فإن بعداً آخر في هذا المجال يتعلق عملياً في ضعف استيعاب أكاديميين ومهنيين عرب في مختلف نواحي وظائف الدولة والقطاع العام.

وفي هذا السياق، تقول سماح خطيب أيوب، مركزة مشروع التمثيل الملائم للعرب في القطاع العام في جمعية سيكوي لدعم المساواة المدنية، إنه وفق المعطيات المتوفرة فقد كانت نسبة العرب المنخرطين والمشغلين في القطاع العام سنة 2000 بدون السلطات المحلية العربية (التي تعتبر المشغل الأكبر لموظفي القطاع العام في الداخل، سوية مع وزارة التربية والتعليم) تقف عند 4.8% من مجمل العاملين في هذا القطاع وبعد 15 عاماً، ورغم تحديد هدف من الدولة لرفع نسبة العاملين في القطاع العام، فقد بلغت نسبة العرب في الدوائر والوظائف الحكومية الرسمية نحو 10 % فقط، علماً أن العرب يشكلون نحو 20 % من المواطنين في الدولة.

لكن هذه النسبة العامة، أي 10%، ليست نسبة دائمة أو ثابتة في مختلف الوزارات والدوائر الحكومية بل تتفاوت بين وزارة وأخرى، ففي وزارة الصحة مثلاً لم تتعد نسبة الموظفين العرب 3 بالمائة، وفي وزارة المالية كانت 3.45% بالمائة، ووزارة الإسكان كانت 4.30%، أما تمثيل العرب في الدرجات العليا مثل نائب مدير ومستشار قانوني فهي معدومة.
عائق مهم آخر، هو كون أغلب العمل في القطاع الحكومي في المدن الكبيرة (القدس، تل أبيب، حيفا)، بينما تقطن الغالبية العظمى من العرب في الجليل والمثلث والنقب. ومن جهة أخرى فإن الحكومة الاسرائيلية لا تفتح دوائر حكومية في البلدات العربية.

دلالات