100 عام على "الوعد" المشؤوم

100 عام على "الوعد" المشؤوم

19 فبراير 2017
+ الخط -
كان الرقيع نتنياهو هنا (أي في لندن) قبل أشهر. مجرمو الحرب الصهاينة الراهنون، يخشون المجيء المتبجح إلى بريطانيا، وبضع عواصم أوروبية أخرى، كما يفعلون في أميركا التي يحلّون فيها أهل بيت ومطرح. على عكس 10 دواننغ ستريت، الذي زرع البذرة الشيطانية الأولى، في أرض فلسطين، فإن الصحافة البريطانية ليست مغرمة برئيس وزراء إسرائيل، المدعو "بيبي". هذه ليست شهادة مغمضة العينين للصحافة البريطانية التي لإسرائيل قلوب تنبض فيها، ولكن مقارنتها، حتى بجارتها الفرنسية، تبدو أقل صهينة. يعرف "بيبي" أنه مكروه في الصحافة، وأوساط من الرأي العام البريطاني، عند الأولى لأنه متبجّح وغير مريح، وتفوح منه رائحة مافيا ما، أما عند الثاني فلأنه على رأس كيان عنصري، بل آخر كيان عنصري في العالم. سقطت كل أشكال الفصل العنصري، كل احتلالات أراضي الآخرين والسيطرة عليهم بقوة السلاح إلا في فلسطين. هذه قضيتنا. نعم. ولكنها قضية العالم الذي عليه أن يتوقف أمام المحو اليومي للمقومات التي يمكن أن تجعل من الشعب شعباً بكل معنى الكلمة: ذو سيادة على مصيره وعناصر ديمومته. 

كنت أحدثكم عن بيبي؟ صحيح. لقد جاء الرقيع المتبجح في زيارة نصفها معلن ونصفها سري. وسرّية النصف الثاني ليست لأسباب أمنية. كلا. لكنَّ مضيفيه لا يريدون المزيد من التظاهرات التي ستتبعه في محطات زيارته. لا يريدون نكء الجرح. غير أن بيبي أصرّ على أن ينكأ الجرح. بل أن يخزه بمخرز. لذلك تحوّل النصف الثاني من الزيارة إلى ما يشبه تسلل اللصوص إلى مطرح سرقتهم، والمجرمين إلى مسرح الجريمة. لقد أراد بيبي أن يرى بعينيه الوثيقة الأخطر في تاريخ العالم في القرن العشرين: وعد بلفور، كما نسميه نحن، أو إعلان بلفور، بحسب الترجمة الحرفية لهذا القرار البريطاني الذي أعطى فيه، بجرَّة قلم، "من لا يملك إلى من لا يستحق".

لم يكن بيبي، على ما يبدو، قد رأى بعينيه تلك الوثيقة التي مكَّنته أن يصبح رئيس وزراء على بلد منهوب بكامل كان اسمه فلسطين فصار يدعى، إلى حين فقط، إسرائيل، كما همس لنا التاريخ خشيةً ( فحتى التاريخ يخاف).

ذهب نتنياهو إلى "المكتبة البريطانية" ورأى "الوعد". كم كانت الترجمة العربية لهذه الكلمة الإنكليزية Declaration غريبة في وقعها وما تضمره داخلها. فهو أكثر من "إعلان" سياسي. لقد بدا أخطر من ذلك على سمع العرب، فالتصريح يمكن إلغاؤه، تبديله، تعديله على ضوء تطورات معينة، غير أن ذلك لا يحسن بـ "الوعد". هل نحن من أعطينا تلك الكلمة هذه الترجمة الحصرية: وعد؟ أم أن هناك من تسلل إلى لغتنا وظلل الكلمة بما هو إلهي؟ الا تتطابق هذه الترجمة مع "الأرض الموعودة؟ الأرض التي وعد بها الله (أي واحد؟) شعب موسى، "المطرود" إلى التيه. أياً يكن من ترجم الإعلان السياسي البريطاني القاضي بمنح الحركة الصهيونية "وطناً" في فلسطين فقد ربطه بوعد بريطاني تحقق فعلا، ووعود بريطانية لم تتحقق. بل انقلبت تلك "الوعود" إلى خداع لا يفعله قطاع الطرق. خداع رخيص، لم تقم الحكومات المتعاقبة على 10 داوننغ ستريت بإصلاحه ناهيك عن الاعتذار عنه. لم يتسلل نتنياهو إلى المكتبة البريطانية سراً، وفي غير موكب رسمي، وبالتأكيد بلا موظفين أو رواد، ليرى "الوعد" الثاوي هناك، بلا سبب مباشر. فهذا العام تكون مئة سنة قد مرَّت على ذلك الوعد المشؤوم. مئة سنة. أي عمر رجل. لا تدعوا هذا الرجل يحتفل بأعياد ميلاد عديدة قادمة.