الأطفال أيضاً يقعون في الحب

الأطفال أيضاً يقعون في الحب

15 فبراير 2017
الإعجاب بين الجنسين يعود إلى التقليد أو الميل الإنساني(Getty)
+ الخط -

رغم أن مشاعر الحب بين الجنسين بدأت مع بداية الانسانية، ورغم كل ما كتبه عنه علماء النفس والتربويون والشعراء والأدباء، إلا أننا لا نستطيع أن نجزم أننا حقا فهمنا الحب فهما دقيقا وتأكدنا من دوافعه وأسبابه وكيفية التعامل معه...  ويزداد الأمر صعوبة عندما يتعلق بالحب بين الجنسين عند الأطفال، ذلك عندما نجد طفلة في مرحلة الحضانة تحب زميلها، أو طفلا في العاشرة معجب بجارته!! ثم يأتي السؤال: هل هذا حب حقيقي؟ أم أنه شيء يشبه الحب؟ وكيف يجب أن يتعامل معه المربون؟

بالحديث عن الحب بين الأطفال فنحن نقصد الكلام عن مشاعر الإعجاب الأكثر براءة والتي تشعر بها طفلة تجاه طفل أو العكس، والتي نستطيع تقسيمها إلى مرحلتين: مرحلة من سن الخامسة إلى التاسعة، ومرحلة من التاسعة إلى البلوغ: 
المرحلة الأولى (من سن الخامسة إلى التاسعة): حيث قد يحدث إعجاب بين الجنسين في هذه المرحلة، ويكون لأحد هذه الأسباب: 

1. التقليد، وهذا يسمى في علم النفس التعلم الاجتماعي أو التعلم بالنمذجة، حيث يميل الطفل – بشكل لاإرادي - لتقليد ما يراه حوله في الأعمال الدرامية التليفزيونية أو الأفلام أو حتى ما يسمعه من قصص عن الحب من أخوته الكبار أو حكايات الأهل.

2. الميل الإنساني الطبيعي، فمشاعر الحب الإنساني قد تحدث بين أي شخص وآخر سواء كان من نفس الجنس أو من الجنس الآخر، حيث تجد شخصا يستريح لشخص لتوافق نفسي بينهما.

3. الاثنين معا (الميل الإنساني الطبيعي الذي يتطور إلى تقليد الأداء العاطفي)، وهنا يحدث ميل طبيعي بين طفل وطفلة، ثم يأخذ هذا الميل منحنى عاطفيا بدافع من التقليد، وكأنهما يتصوران أن الإعجاب بين الذكر والأنثى لا يأخذ إلا هذه الصورة، فيتجهان نحوها، فيأخذ الحب شكلا رومانسيا ظاهريا بينما هو في حقيقته ليس كذلك.

وفي هذه المرحلة، يجب أن ينتبه المربي إلى نقطتين أساسيتين، وهما:
أولا: التعامل مع الطفل بهدوء شديد، فلا نبدي انزعاجا أو رعبا تجاه سلوكه، لأن هذا يثير فضوله أكثر. وعلى العكس أيضا لا نتعامل مع الموقف بروح الدعابة الزائدة أو الإشارة إلى "أنك كبرت وأصبحت تحب" لأن هذا سيسبب ما يسمى "تعزيز السلوك"، أي أن هذا السلوك سيرتبط عند الطفل بمكافأة وهي "لفت الانتباه"، وبالتالي سيتعمد تكراره للحصول على المزيد من النجومية ولفت الانتباه.

الثاني: هو بدء الحوار عن العلاقة بين الجنسين، والاتفاق على حدود تلك العلاقة. ولا أقصد هنا أن يكون الحوار وعظيا آمرا ناهيا، ولكنه ـ كأي حوار- هادئ متعاطف ودود، يطرح الأسئلة ويساعد الطفل على الوصول للإجابات. ويدور الحوار حول: حدود الصداقة بين الولد والبنت، وأن العلاقات العامة مفتوحة ومقبولة طالما أنها وسط المجموعة وفي حدود الأنشطة الطبيعية العامة، وأن هناك صورا أخرى من العلاقة ليس وقتها الآن. يتم هذا بذكاء، وبشكل يختلف من حالة لأخرى حسب المرحلة التي وصلت إليها العلاقة.

المرحلة الثانية (من التاسعة إلى البلوغ): والإعجاب بين الجنسين في هذه المرحلة قد يرجع إلى نفس الأسباب السابقة، وهي مجرد التقليد أو الإعجاب الإنساني أو كلاهما معا كما وضحنا، ويكون دورنا هنا هو ما ذكرناه سابقا، مع تطور لغة الحوار لتتناسب مع السن الأكبر.

ولكنه أيضا قد يرجع إلى سبب آخر وهو وجود عاطفة حب حقيقية بين الجنسين، وذلك لأن النمو العاطفي والعقلي والاجتماعي والهرموني يكون قد بدأ بالفعل متجها نحو البلوغ. أي أن لحظة البلوغ (وهي نزول المني للفتى، والحيض للفتاة) ليست لحظة بداية رحلة هذا النوع من النمو في المشاعر، وإنما قد نرى علاماته من قبلها (على سبيل المثال كما يبدأ شكل الجسد يتغير قبيل البلوغ بعام أو عامين فإن المشاعر أيضا تنمو لأن السبب لكليهما واحد وهو بدء حدوث نمو نفسي وجسدي في اتجاه البلوغ)، وعادة يحدث هذا للبنات قبل الذكور (لأن سن البلوغ في الإناث قبل الذكور).

وهنا يكون لدينا تحد كبير، لأننا نجد أنفسنا أمام طفلة في العاشرة - مثلا – تحب فعلا!! والتحدي ناتج عن عدة أمور: 1) فكرة الزواج الآن بالتأكيد مستحيلة!! وبالتالي فإن هذه المشاعر محكوم عليها بالإعدام المؤكد، 2) السيطرة على المشاعر في هذه السن الصغيرة في منتهى الصعوبة، فالمشاعر جارفة ومهارات إدارة الذات والسيطرة على الرغبات لم تُكتسب بعد، 3) الابتعاد عن هذا الشخص يكون صعبا، لأنه قد يكون زميلا في الدراسة، وبالتالي فهما يلتقيان كل يوم بحكم الدراسة.

وهنا يجب أن يدرك المربي أنه يتعامل مع مشاعر حب مبكر... ربما تقف عند درجة الإعجاب فقط، أو ربما تتجاوزها إلى درجات أعلى من الألفة والتعلق، ولكن السمات المشتركة في هذه المراحل جميعها هي وجود انجذاب حقيقي يصعب الإفلات منه. وبالتالي فإن التعامل مع هذا الحب المبكر يدور حول خمسة ملامح:

1. إبداء مشاعر التعاطف تجاه الطفل (والتعاطف لا يعني "أنا موافق"، ولكنه يعني "أنا أفهم وأشعر بما تعيشه".

2. التأكيد على أنك مع الطفل في نفس المعسكر، فأنت لست جهة ضغط أو تكدير، وإنما جهة دعم ومساندة، وبالتالي حافظ على استمرار الحوار بينكما وأن يرجع إليك لتدعمه.

3. هذه الحوارات ستكون طويلة ومتكررة (ستجد نفسك تناقش نفس الأفكار رغم أنك ناقشتها من قبل مائة مرة)، حوارات حول: أن هذه المشاعر طبيعبة في هذا السن، ولكنّ هناك فرقاً بين المشاعر والعلاقة (المشاعر لاإرادية في القلب، ولكن العلاقة إرادية بالجوارح والنظرة والابتسامة واللقاء)، وأن العلاقات في هذه المرحلة مبكرة جدا، وخسائرها أكبر من مكاسبها.

وأنه يمكن عدم الاستسلام لها (فهذا ليس مستحيلا)، وأن تعويد النفس على عدم الاستسلام وعلى السيطرة على الرغبات التي ليست في وقتها هو في الحقيقة يربي النفس على التحكم في رغباتها، وهذا هو الفرق بين الإنسان والحيوان (حيث يستطيع الإنسان أن يتحكم في رغباته بينما لا يستطيع الحيوان).

4. قطع سبل إتاحة العلاقة ـ قدر المستطاع، وإن كان ذلك مستحيلا أحيانا إن كان في نفس الفصل، ولكن أضعف الإيمان أن يكون التواصل في إطار الأنشطة العامة وفي وسط المجموعة.

5. عمل برنامج للدعم النفسي للطفل، من أنشطة محببة إليه، وأنشطة روحية، وأوقات للبهجة مع الأبوين، ومساعدته في اختيار الأصدقاء الأكثر دعما له ليكون أفضل. وذلك مع التأكيد على زيادة ثقته بنفسه وثقته في قدرته على النمو والنضج، وأنه بدأ رحلة الحياة المليئة بالرغبات وربما المشكلات، ولكنها مليئة أيضا بالسعادة والرضا، وأن هناك من يقررون الاندفاع وراء ضعفهم في هذه الرحلة، وهناك من يسيطرون على أنفسهم، وأنه هو الذي يختار أي الطريقين يريد، وأن التحديات البسيطة من بدايات المراهقة هي التي تحدد خط سير الحياة كلها.

وأخيرا.. ليس المطلوب منا أن نجعل من أبنائنا ملائكة، لأننا نحن أنفسنا لسنا كذلك، ولكن المطلوب أن نوضح الخط الفاصل بين الصواب والخطأ، وأن نعطيهم من المهارات والأخلاق والأفكار ما يساعدهم على الابتعاد عن الخطأ أو على العودة إذا ما وقعوا فيه. وكما نقول دائما: أهم أساسيات التعامل مع المراهقة ومقدماتها هو: إعطاء الفرصة دائما للعودة..


المساهمون