المختبر المدرسي بين الواقع والخيال

المختبر المدرسي بين الواقع والخيال

10 ديسمبر 2017
ندرة استخدام المعامل في مدارس الوطن العربي(Getty)
+ الخط -
كنت أنظر لمبناه من بعيد، فقد تم اقصاؤه عن باقي الفصول في المدرسة، وكانت تحيط به أشجار السرو العجوزة من جميع الجهات وذلك لكي تتكاثف الطبيعة مع البشر في إضفاء المزيد من السحر والغموض على ذلك المبنى الذي تتحدث عنه معلمة العلوم بمهابة، وتحتفظ بمفاتيحه في حقيبتها الخاصة مع أدوات زينتها وحافظة نقودها، ولم تكن تسمح لأحد بدخوله دون وجودها، ولكنها كانت تمنحني المفتاح لكي أفتح بابه وأحمل لها بعض العدسات المكبرة بعد أن تصف لي موضعها جيدا، وأعود بها سريعا إلى فصلنا التقليدي لكي تشرح لنا درس العلوم في ذلك اليوم عن العدسات المقعرة والمحدبة.

 المختبر المدرسي لم ندخله إلا لمرات قليلة، وحين كنت أدخله وحيدة بعد أن تمن علي المعلمة بهذه المهمة، كنت أشعر برهبة وأنا اسمع صرير بابه الثقيل، وحين أدلف إلى الداخل أتخيل نخبة من العلماء القدامى يجلسون خلف الميكروسكوبات المتناثرة في المكان، وفي الحقيقة وللأسف كانت المعلمة وبالاتفاق مع الناظرة يرين هذه الأجهزة بمثابة العهدة من وزارة التربية والتعليم وكانتا تحافظان عليها لدرجة أننا لم نستخدمها سوى مرة أو مرتين طيلة العام الدراسي.

 وكنت أرى في نفسي عالمة أو مخترعة مثل علماء المسلمين الذين قرأنا عنهم، وحرصت على إلتقاط صورة لي وأنا أضع عيني على عدسة أحد التلسكوبات، وبقيت احتفظ بالصورة حتى يومنا هذا، ولكني لم أصبح عالمة أو مخترعة، وبقي ذلك المكان متحفا نزوره وتطلب منا المعلمة ألا نلمس محتوياته، وزياراتنا القليلة له كانت في وجود موجه العلوم من الوزارة والمعلمة تطلب منا وقتذاك أن نتصرف وكأننا نحفظ المكان جيدا، ونزوره في كل حصة علوم.


فقد المختبر المدرسي وجوده في حياتي كتلميذة، وكانت العلوم بالنسبة لي مجرد معلومات جافة أقوم بحفظها، ولذلك توجهت لحفظ الشعر ودراسة الأدب، ربما لأني لم أجد علما ملموسا بين يدي، ولم أخترع أو اكتشف جديدا كما كنت أتخيل.

للأسف أن المختبر المدرسي لا يجد مكاناً في مدارسنا، ويوضع في نهاية سلم الاهتمامات، وما زلنا نسير بنفس الطريقة التعليمية المتوارثة جيلا بعد جيل والتي تعتمد على الحفظ وضخ المعلومات في يوم الامتحان، فلا عجب أن يتوقف العرب عن النبوغ ويتقدم الغرب، رغم أن التجريب كان من اختصاص علماء العرب والمسلمين عبر التاريخ.

 

المختبر المدرسي يجب أن يأخذ دوره في المدرسة كوسيلة من وسائل تحقيق أهداف العلوم وتكوين المفاهيم العلمية لدى التلاميذ وترسيخ المعلومة النظرية الجافة والجامدة التي يتلقونها من الكتب، فلا يمكن أن ينسى التلميذ معلومة توصل لها عن طريق التجريب، وإلى جانب ذلك فإن ذلك من شأنه أن ينمي مهارة التفكير العلمي.

مادة العلوم على وجه الخصوص تحتوي على معلومات علمية أساسية يحفظها التلميذ ويتقدم بها للامتحان، ولكن ينقصه النشاط العلمي ودخول مختبر المدرسة وليس فقط متابعة المعلم وهو يجري التجربة، بل يجب أن يستخدم يديه ويشغل عقله ويكون له دوره داخل المختبر فيجري التجربة بنفسه ويتحقق منها.

وفي هذا الخصوص يخرج بعض المسؤولين في وزارة التعليم في أي بلد ليتحدثوا عن نقص الميزانية المخصصة للوزارة علما أن معظم التجارب في المرحلتين الابتدائية والإعدادية لا تحتاج لأدوات وأجهزة باهظة الثمن، بل يمكن توفير بعض الأدوات من البيئة المحيطة مثل توفر قطع المغناطيس في كل مكان، وكذلك العدسات والمنشورات الزجاجية التي يتم تطبيق ظاهرة ألوان الطيف بواسطتها.

 

كما أن الخروج إلى الطبيعة أثناء حصة المختبر المدرسي ويقصد بها حديقة المدرسة أو حديقة مجاورة يفيد الطالب في البحث عن أصناف معينة من أوراق الشجر مثلا، وإجراء تجربة بسيطة عن العمليات الحيوية التي يقوم بها النبات.

 إن إفساح المجال في الحصص المدرسية لحصة المختبر ضرورة تزداد يوما بعد يوم مع ظهور هذا الجيل من الفتية والفتيات الذين أصبح من الصعب إقناعهم بأي أمر دون أن تلمسه حواسهم، وبالتالي فالمختبر المدرسي يحول المعلومة إلى خبرة حسية تلائم نموهم وتطورهم العقلي والنفسي، وتنمي دقة الملاحظة، علاوة على تدريبهم على اتخاذ الاحتياطات الأمنية عند التصرف لوحدهم في غياب الكبار وتقليل الحوادث المنزلية بصورة كبيرة.

المساهمون