مواسم التصفية

مواسم التصفية

25 نوفمبر 2017
+ الخط -
يتزايد الحديث عن الصفقة التي تعمل الأطراف العربية والدولية على تقديمها تحت مسمى "حل القضية الفلسطينية". لكن ما تسرب حتى الآن عن هذه الخطة لا يوحي أن الأمر هو حل بقدر ما هو تصفية للقضية وإغلاق ملفها للتفرغ لأمور أخرى، في مقدمتها إيران التي تراها إسرائيل والسعودية باعتبارها الخطر الأساسي على المنطقة والعالم، وهو أيضاً ما يتناغم مع الرؤية التي يضعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب للعالم.
غير أن كل هذا الحديث لا يعني أن النجاح سيكون حليف هذه المساعي المشبوهة بالنسبة إلى فلسطين التي عاشت الكثير من مواسم محاولات التصفية، غير أنها سقطت واحدة تلو أخرى، بدءاً من قرارات الأمم المتحدة، وصولاً إلى مخطط الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، واليوم مع ترامب.
لكن اللافت أن في هذه المواسم، على كثرتها، كان هناك بصمة سعودية في ثلاثة منها على الأقل. الأولى كانت في عام 1981، عندما قدم ولي العهد السعودي آنذاك، الأمير فهد بن عبد العزيز، والذي صار ملكاً في وقت لاحق، مسودة خطة مكونة من ثمانية مبادئ هي: انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلت في العام 1967 بما فيها القدس العربية، إزالة المستعمرات التي أقامتها إسرائيل في الأراضي العربية بعد العام 1967، ضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان في الأماكن المقدسة، تأكيد حق الشعب الفلسطيني في العودة وتعويض من لا يرغب في العودة، تخضع الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية تحت أشراف الأمم المتحدة ولمدة لا تزيد عن بضعة أشهر، قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس، تأكيد حق دول المنطقة في العيش بسلام، وتقوم الأمم المتحدة أو بعض الدول الأعضاء فيها بضمان تنفيذ تلك المبادئ.
المبادرة سقطت في مهدها بعد الخلاف العربي حولها، وخصوصاً من مصر التي كانت مصرة على مبادئ كامب ديفيد، غير أنها عادت لتطل برأسها في عهد الملك فهد، عبر ولي عهده الأمير عبد الله بن عبد العزيز، والذي تمكن من الترويج للمبادرة عربياً ودولياً، ودفع قمة بيروت العربية عام ٢٠٠٢ إلى تبنيها لتصبح المبادرة العربية للسلام، والتي لا تختلف كثيراً عما كان قدمه فهد إلا ببعض التفاصيل، وخصوصاً المتعلقة بالتطبيع مع الاحتلال، وشموليتها لتكون عربية وليس فقط فلسطينية. إذ نصت المبادرة على أنه بعد تطبيق إسرائيل انسحاباتها إلى حدود عام 1967، يقوم العرب باعتبار "النزاع العربي الإسرائيلي منتهيا، والدخول في اتفاقية سلام بينهم وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة، وإنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل".
غير أن هذه المبادرة أيضاً لم تجد فرصة للنجاح، بفعل الرفض الإسرائيلي لها بداية، وهو ما أوصل اليوم إلى تخل سعودي عنها، وهذا ما يتضح من حراك القيادة الجديدة في الرياض التي ما عادت تأتي على ذكرها، في ظل الصفقة الجديدة التي يعمل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على بلورتها مع الرئيس الأميركي والقيادة الإسرائيلية، والتي استبقها بخطوات تطبيعية كان من المفترض أن تكون لاحقة، في حال نجاحة المخطط الجديد.
ضجيج مشروع التصفية الجديد يتوافق مع كل المشاريع التي سبقت، غير أن خطواته عملية أكثر، وخصوصاً في ظل التغول السعودي على دول المنطقة، بالتعاون مع الحليف الإماراتي، من دون أن يعني ذلك أن المخطط سيمضي إلى نهايته، ولنا أمثلة كثيرة في مواسم التصفية السابقة.