التوظيف الصهيوني الراهن للوعد

التوظيف الصهيوني الراهن للوعد

01 نوفمبر 2017
+ الخط -
كلما يمرّ الوقت تتضّح أكثر فأكثر الأهمية التي انطوى عليها وعد بلفور في تاريخ الصهيونية عمومًا، وإقامة دولة الاحتلال خصوصًا. ولعلّ أشدّ ما تؤكد عليه الأدبيات الإسرائيلية في الوقت الراهن، أنه لأول مرة أحرزت الحركة الصهيونية من خلال هذا الوعد الدعم السياسي للهدف الذي تمت صياغته في مؤتمرها الأول الذي عُقد في بازل عام 1897، وهو إقامة "وطن قومي للشعب اليهودي" في فلسطين.
وضمن هذا السياق يُشار إلى أنه على مدى أعوام النشاط الدولي المُكثّف الذي قام به مؤسس هذه الحركة ثيودور هرتسل، سعى أكثر من أي شيء آخر إلى تحصيل هذا الدعم إنما على شكل امتياز من الدولة العثمانية ولم ينجح. وحتى اندلاع الحرب العالمية الأولى لم تتمكن الهستدروت الصهيونية من الدفع قدمًا بهذا الهدف.
ومع أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ما فتئ يكرّر أن وعد بلفور كان بمثابة المُحرّك للتحركات الدولية التي أدت إلى إقامة إسرائيل، فإنه في ذات الوقت يؤكد أنها ما كانت لتقوم "من دون الاستيطان والتضحية والاستعداد للكفاح من أجلها"!
بيد أن ما ينبغي الانتباه إليه هو أن الرواية التي يتداولها نتنياهو وأقطاب دولة الاحتلال الآن، مفادها بأن وعد بلفور اعترف بـ"أرض إسرائيل [فلسطين] بصفتها البيت القومي للشعب اليهودي"، في حين أن ما ورد في النصّ الأصليّ هو ما يلي "إنّ حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية".
من دون التقليل من إثم النصّ الثاني، يشي الفارق بين النصّين أعلاه بماهية التوظيف الصهيوني الحالي لذلك الوعد، ولا سيما ضمن المسعى الذي لا يكلّ لتحقيق غاية إضفاء شرعية دولية على الرواية التاريخية الصهيونية بشأن القضية الفلسطينية، منذ بدايتها وصولًا إلى نكبة 1948.
وبالتركيز على الفترة الأخيرة، نلاحظ أن هذه الغاية نفسها هي المُتوخاة من تواتر مطلب الاعتراف بـ"يهودية" إسرائيل خلال الأعوام الفائتة، وتحديدًا منذ عام 2003.
ويندرج ضمن السياق ذاته المسار المتعلّق بما يُسمّى "جوهر الحق اليهودي" في فلسطين، وخصوصًا من ناحية كونه المبرّر الرئيسي لشرعية إقامة دولة الاحتلال، ومن ناحية أولويته غير القابلة للتأويل على أي ظروف أخرى وقفت وراء إقامتها، وتُعدّ مواتية ومساندة من وجهة النظر السياسية التاريخية، وفي مقدمها قرار التقسيم الأممي من عام 1947، وما ساهمت المحرقة النازية فيه من تأثير في الاصطفاف الدولي المؤيد لذلك القرار.
ما يزال كثير من القراء يذكرون أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما ألمح في خطابه في جامعة القاهرة (يونيو 2009) إلى أن قيام إسرائيل هو "أحد استحقاقات العذابات اليهودية، التي بلغت ذروتها في المحرقة النازية". وسرعان ما ردّ عليه نتنياهو قائلًا: "إنَّ المآسي الناتجة عن عجز الشعب اليهودي توضح سبب احتياج هذا الشعب إلى قوة سيادية تتبع له، غير أنَّ حقّنا في إقامة دولتنا هنا في أرض إسرائيل مردّه حقيقة واحدة بسيطة: إنَّ هذه الأرض هي وطن الشعب اليهودي وهنا نشأت هويتنا"!
وعليه فالمعركة على فلسطين ليست منحصرة في معركتي القانون أو الحدود فقط.