الفلسفة للأطفال... حقاً؟!

الفلسفة للأطفال... حقاً؟!

28 يناير 2017
الأبناء فضوليون بطبعهم فلا داعي لردع تساؤلاتهم (Getty)
+ الخط -





"أبي، لما نحن هنا؟"،

"هل يمكن أن نكون في حلم؟"،

"ما الذي يعود علينا من كل هذا؟"،

"لم الكذب خطأ؟"،

"لماذا يجب عليّ أن أساعد الآخرين؟!".

 

هناك الكثير من الأسئلة التي يمكن لطفل في السادسة من عمره أن يمطرك بها والتي تتعلق دائما بأشياء غاية في التجريد والغموض والعمق، كالصداقة، الكذب، العدل، المنفعة، وجودنا ذاته، وصفات الخالق، هل من الممكن أن يساعد تعليم الفلسفة للأطفال في توجيههم لمحاولات جوهرية للإجابة عن أسئلة بذلك الثقل؟

الأطفال فضوليون بطبعهم، يحاولون بكل شكل إيجاد إجابات ممكنة الفهم لها علاقة بمعنى وجودهم، بما تعنيه الحياة بالنسبة لهم، في كل مرة تجيبهم عن شيء ما سوف يعاودونك بالسؤال "لماذا؟!" حتى تنتهي منك الإجابات عند خانة "لا أعرف"، لذلك حينما نتساءل عن: هل يمكن أن يتعلم الأطفال الفلسفة؟، فإن إجابة جون باجيه صاحب النظرية الشهيرة القائلة إن الأطفال حتى سن 12 لم يمتلكوا بعد الخبرة الإدراكية الكافية لفهم ما يعنيه "التفكير في التفكير" قد تترنح بالفعل أمام تساؤلات الأطفال اليومية والتي تدعنا – نحن الكبار – في حيرة – ربما – بالغة.

بالفعل يجادل جاريث ماثيوز، الفيلسوف الأميركي المتخصص في تدريس الفلسفة للأطفال، أن نتائج العديد من الدراسات تؤكد أن الطفل في سن صغيرة قادر على بناء حجج جيدة، وصياغة تساؤلات مهمة عن القيم، واللغة، والميتافيزيقا، وحتى نظرية المعرفة. تلك إذن بداية جيدة للغاية، لكن هنا يجب أن نسأل: أليست مناهج الأطفال الدراسية مزدحمة بالفعل؟ لم يجب علينا تدريسهم الفلسفة؟


بعيداً عن قدرتها على تحسين أداء الأطفال في العديد من المواد الدراسية كاللغة والرياضيات والعلوم، هناك العديد من الأسباب الأكثر أهمية والتي تدعونا لتفضيل تدريس الفلسفة للأطفال، أولها هو قدرتها على دعمهم بقدر جيد من التفكير النقدي، وأهمية التساؤل الدائم عن جدوى الأشياء في حياتنا، وحاجتنا لأسباب موضوعية للاقتناع بحجة ما.

بذلك تتمكن الفلسفة من دعم قدرة الطفل على قول "لا" حينما لا يتفق مع رأي أو آخر، وألا ينصاع لرأي ما لمجرد أن قائله صاحب سلطة أعلى، هنا يمكن القول أن سر أهمية الفلسفة للأطفال ينبع من قدرتها على تقوية ثقتهم في ذواتهم، في أسئلتهم التي يخفونها خشية أن تكون "عيب" أو "لا معنى لها"، فهم مع الوقت يدركون بالفعل أن تلك أسئلة ممكنة وقد سألها غيرهم من قبل، بذلك تفتح الفلسفة عقولهم، تعطيها فرصة للاستمرار بنفس الدرجة من النضارة.

من تلك النقطة دعنا ننطلق لأهمية "الحوار" في أثناء محاولاتنا لتعليم الأطفال عن التفلسف، فلا يجب أن يكون حوارنا معهم أو حوارهم مع مجموعة من التلاميذ مبنياً على قيادة مفردة توجه الحوار وتعطي الإجابات، ذلك هو جلّ ما نتمنى الابتعاد عنه، سوف يحسن ذلك من قدرات الأطفال على الاستماع والتواصل معك ومع زملائهم، كل ما تحتاجه هو فقط الإلقاء بموضوعات مثيرة للانتباه إلى الطاولة، كالسؤال عن:

لما الموسيقى جميلة؟

هل نصبح أشخاصاً آخرين إذا قمنا بتغيير أسمائنا؟

لم بعض البشر سيئون؟ لما تقوم الحروب؟

عند سن العاشرة مثلاً، يحلو للأطفال السؤال عن معاني الأشياء بشكل أكثر عمقاً، كالسؤال عن معنى الأرقام، أو عن سبب امتدادها إلى مالا نهاية، وما يعنيه ذلك.

أحد أهم الطرق لتعليم الأطفال الفلسفة هو الألعاب الفكرية، لنقل مثلاً أن هناك مصباحاً سحرياً يحقق كل الأمنيات، أو أن هناك تلك الطاقية من فيلم "سر طاقية الإخفاء" والتي عندما ترتديها لن يراك أحد، ماذا سوف تفعل حينما لن يراك أحد؟، كذلك يمكن لنا أن نسأل بعد الانتهاء من حكايات كـ"سيندريلا" و"آليس" و"بياض الثلج" عما يمكن لنا أن نقوم به إذا تعرضنا لمواقف مشابهة أو امتلكنا قدرات خارقة، بعد تجارب وحكايات كتلك سوف تظهر القضايا الأخلاقية عبر عدد من التساؤلات فيما بين الأطفال ومدرسيهم/أبويهم/زملائهم، هنا سوف يدرك الطفل – بعد فترة من التمرن - أن هناك دائماً بُعد أخلاقي للأمور.


في مستوى متقدم يمكن لك أن تبدأ بتحويل بعض الموضوعات الفلسفية لشكل قصص، كالتساؤل عن المفارقات الشهيرة في الفلسفة عبر تحويلها لحكاية، كمفارقة الكذاب الشهيرة والتي تقول أن رجلاً ما دخل مدينة كريت فقابل أحدهم وهو فيلسوف، قال الفيلسوف له: "كل أهل كريت كذابون"، هل هذا الفيلسوف صادق أم كاذب؟، فإن كان صادقاً فهو مثل باقي أهل كريت "كاذب"، تفتح المفارقات في عقل الطفل باباً للحيرة التي تدفع للتأمل، للكثير من التأمل فيما بعد، والسؤال عن الكثير من الأشياء.

مفارقات أخرى شهيرة كالسؤال عن: ما الذي يحدث إن قال بينوكيو أن أنفه ستطول الآن؟ كيف يمكن للحمار أن يتخذ القرار حينما يكون على نفس المسافة من كومتي برسيم؟.

أتذكر أن ابني الأكبر تساءل في شهر رمضان الفائت أثناء مراقبة المسحراتي عن: "مين اللي بيسحر المسحراتي؟"، وهي تشبه مفارقة راسل الشهيرة، الفكرة إذن أننا لا نعلم الأطفال عن كانط وأرسطو وبرتراند راسل، لكننا نفتح المجال لتلك الأسئلة أن تتخذ مجرىً طبيعياً في سبيل أن تنمو فيما بعد لتصبح تساؤلات جادة وأكثر موضوعية عن العالم من حولنا.

في كل الأحوال، لنبدأ مع الأطفال دائماً بتعليمهم عن أهمية العقل، فكما أن الأسد له مخالب، والغزالة لها أقدام سريعة، نحن نمتلك العقل وهو ما يجعلنا نفكر وننتج أفكاراً جديدة تساعدنا على حل الكثير من مشكلاتنا، لكن يجب علينا دائماً أن نتخطى أكبر حاجزين يمكن لهما تحطيم قدرات أطفالنا النضرة على التفلسف، وهما ممارسة السلطة المباشرة في السؤال والإجابة، والتقليل من شأن تساؤلاتهم أياً كانت، سوف يوسّع ذلك من أفقهم، ويعطيهم درجة عالية من الثقة في ذواتهم، لأن القدرة على التساؤل دون خوف هي قدرة على كل شيء آخر.

 

 

المساهمون