"نويل"...أعياد الميلاد وعرب الغرب... مبادرات عربية

"نويل"...أعياد الميلاد وعرب الغرب... مبادرات عربية

24 ديسمبر 2016
من أجواء أعياد الميلاد في أوروبا(العربي الجديد)
+ الخط -


يتساءل جمال من مالمو في جنوب السويد:" حين نقضي شهر رمضان ونبدأ بعيد الفطر يقول لي زملاء وأصدقاء: عيد مبارك. حتى في الصحافة تقدم لنا تهنئة. في عيد الأضحى الماضي كانت سيدة مسلمة قد وضعت مولودها في الطريق السريع، فكتبت إحدى الصحف نفس الجملة: عيد مبارك... ما لا أفهمه هو كيف يعقل أن لا أقول لزملائي وأصدقائي في شهر ديسمبر/كانون الأول عيد ميلاد مجيد ورأس سنة سعيدة؟... أنا بصراحة سألت كثيراً من العرب والمسلمين ولم يعطني أحد جوابا شافيا".

جمال، الشاب الذي ولد وكبر وتعلم في السويد يفتخر بأصله وثقافة أهله العربية الإسلامية. لكنه يعترف ببعض "التشويش الذي يصيبني... حين تتابع القنوات العربية عبر اللواقط والأجهزة، ترى البهرجة والاحتفالات برأس السنة، وهنا يريد البعض منك أن تنزوي وتعيش عزلة. لا أفهم هذا التناقض بكل صراحة. لا أريد أن أزعج أحداً، لكنني لم أعد أحتمل هذا التشويش الذي يعطي أمر العيد في كل سنة أكثر مما يستحق من نقاش يصل بالبعض إلى حد تكفير من يهنئ جاره في مجتمع لم يجبرنا لنأتي إليه، فمثلما اختار أهلي القدوم اختار مئات الآلاف الهجرة واللجوء إلى هذه المجتمعات التي لديها تقاليدها وثقافتها".

جدل الميلاد في مجتمعات الهجرة والاغتراب، ومع تزايد الأعداد بعد لجوء مستمر منذ 3 سنوات، تصاعد مؤخراً في أوساط المهاجرين العرب. وفي كل مرة يقفز السؤال:" ماذا تفعل شابة عربية مسلمة محجبة تعمل في مول كبير وفي موسم الميلاد تغلف للزبائن الهدايا وبتلقائية يودع الزبائن بائعتهم بما هي العادات والتقاليد بجملة "غود يوول" (ميلاد سعيد)، سيكون من غير الصائب أن تشيح الشابة بوجهها".

هكذا شرحت "سوزان" موقفها لـ "العربي الجديد" في بلد ولدت وكبرت فيه وأصبحت في منتصف العشرينات بعد أن ارتادت مدارسه وتعلمت ثقافته. تشير سوزان "لا أحد من الزبائن يعلق على حجابي البتة. هم يقيمون طريقة خدمتك لهم فقط لا غير، وقد تجادلت كثيرًا مع صديقاتي وأصدقائي العرب حول المسألة".

من جهته، يطرح خالد السؤال التالي: "حين يقومون في الدول الاسكندنافية بحملة تشارك فيها القنوات التلفزيونية لدعم اللاجئين في سورية ودول الجوار، وإرسال قوافل عبر الطائرات، لماذا لم يخرج أحد ليقول بأن ذلك حرام؟".

برأي خالد المسألة ليست دينية وإلا لما رأينا فرداً يدفع قرشاً للتبرع لمسلمين، وغير مسلمين، في سورية ومخيمات لبنان والأردن. تماماً مثلما تفعل منظمات إنسانية حتى مسيحية بمساعدة فلسطينيين في بناء مدرسة أو مستوصف داخل فلسطين المحتلة".


هدايا من مسلمين في الدنمارك
على الرغم من التشدد الذي اتبعته وزيرة الهجرة، إنغا ستويبرغ، ودخول صحافة اليمين باعتبار أن "المهاجرين من أصل مسلم في أوروبا وكوبنهاغن تحديدا لا يمكنهم أن يكونوا جزءًا من هذه المجتمعات"، ذهبت مبادرة بعض مسلمي كوبنهاغن لتقلب الطاولة على رأس ستويبرغ واليمين الشعبوي. فمع اندلاع الجدل السنوي حول المسلمين وأعياد الميلاد في المجتمعات الغربية قرر مبادرون في الرابع من ديسمبر/كانون الأول الحالي إطلاق حملتهم "مساعدة العائلات الدنماركية التي لديها أطفال صغار للاحتفال بالميلاد وإدخال الفرح لدى هؤلاء".

مبادرة بدأت بمسيرة مشاعل من المسلمين بادرت إليها منظمة مسجلة في كوبنهاغن تسمى "منهاج القرآن"، بالتزامن مع عيد المولد النبوي، معلنة أنها ستساهم في مساعدة أكثر من 15 ألف طلب مساعدة من قبل دنماركيين يعانون اقتصادياً بنتيجة تشديد قوانين الإعانة وتخفيض قيمتها منذ أشهر. التقليد السنوي هو أن عدة آلاف يتقدمون للحصول على مساعدة الكريسماس لشراء هدايا لأطفالهم الصغار إلى منظمات خيرية، وعلى رأسها "منظمة العون الشعبي"، التي تغربل الطلبات بحسب الأولويات.


قيصر نجيب في كوبنهاغن قال للتلفزيون الدنماركي عن مبادرة مساعدة مسلمين للدنماركيين: "جوهر القيم التي ننطلق منها لمساعدة المحتاجين في الميلاد هو التعايش والمحبة والتكامل بمساعدة الفقراء، وهي قيم زرعها فينا نبينا محمد. قيمنا المشتركة كبشر، عندما نحتفل نحن بمولد نبينا، لا نرى ما يضير أن نساعد أيضا من يحتفل بمولد النبي عيسى". 

 وجدت المبادرة أصداء إعلامية وشعبية واسعة، بل ودفعت بمنظمات إسلامية أخرى إلى تبني ذات الفكرة بالقيام بجمع تبرعات لتوزيعها على العائلات.


يبرر هؤلاء مبادرتهم، التي لقيت استحسان بعض الشبان والشابات من المسلمين في الدنمارك والسويد، وانتقادات من جهات وأطراف أخرى، على أنها مبادرة "مساعدة الفقراء أيا كان دينهم ومعتقدهم. المحتاج لا تسأله عن دينه بل تلبي حاجته إن كنت تستطيع ذلك"، بحسب ما قال قيصر نجيب. فمن بين العوائل التي تحتاج لمساعدة الاحتفال بالميلاد يوجد ما يقارب 11500 طفل.


في الشهر الماضي قام الحلاق المهاجر، ربيع البحيري، بمبادرة أخرى عنوانها "علينا جميعا أن نساعد بعضنا" أشارت إليها وسائل الإعلام بكثير من الإيجابية. فقد خصص الشاب وحتى يوم 20 ديسمبر/كانون الأول نصف دخل الصالون من الحلاقة في مدينة فايلي وسط الدنمارك لتقديمها كمساعدة لعائلات بأطفال صغار تحتاج إلى شراء هدية الميلاد. وقال البحيري: "أنا لا أخفي كمسلم بأني لا أقيم حفلة الميلاد، لكني مؤمن بأنه للجميع الحق بقضاء ميلاد سعيد، وخصوصاً غير القادرين على شراء هدايا للأطفال، فالعيد بالنسبة لهم يتعلق بالهدية وليس بشيء آخر".
وكانت مبادرة من طلبة مسلمين في الدنمارك عام 2011 قد جمعت 109 آلاف كرونة كمساعدات لعائلات محتاجة في موسم الميلاد.


من إسبانيا حتى أميركا
بدأت هذه المبادرات جميعها قبيل الحادث الدموي في سوق الميلاد ببرلين، وتكبر الخشية من أن تكون لذلك انعكاسات كبيرة على الجاليات مستقبلا. ولهذا يرى الكثير من الشباب بأن "قلب الصورة السلبية يتطلب التفاعل والإبداع في اندماج لا ينتقص شيئاً لا من هوية ولا من ثقافة من يقيم في هذه المجتمعات".

وذلك ما يذهب إليه عبد الرؤوف في برلين لـ "جاليات" مشيراً إلى أنه "ليس في مصلحتنا أن نجر أنفسنا نحو العزلة، وعدم التفاعل مع المحيط".
في إسبانيا هناك عرب تزوجوا من إسبانيات وأصبح لديهم أبناء وأحفاد ينتمون لعائلات إسبانية ويحتفلون معهم بأعياد الميلاد كأفراد من هذه الأسر، ضمن أجواء عائلية حميمة تعتبر الأبرز في المجتمع الإسباني.

أما الأنشطة المشتركة للجاليات في فترات الأعياد، ففي غالبيتها تعقد قبل يوم الـ 24 من ديسمبر/ كانون الأول أي قبل ليلة الميلاد، كالمشاركة في المعارض والأسواق الخاصة بالمناسبة.


الجالية الفلسطينية، على سبيل المثال، احتفلت مبكراً بعيد الميلاد يوم السبت الماضي 17 كانون الأول، من خلال ترتيب مأدبة عشاء ضمت معظم أبناء الجالية وعائلاتهم، كما استغلوا المناسبة لتكريم إحدى الناشطات الإسبانيات التي شاركت في "زيتونة"، سفينة النساء التي أبحرت إلى غزة شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي في تحدٍّ للحصار الإسرائيلي.

وفي إيطاليا للميلاد نكهته الخاصة، رغم أن دستور إيطاليا واضح وصريح بخصوص "علمانية الدولة وحرية الاعتقاد والدين". وتتحول العديد من الكنائس والأديرة إلى أماكن لأنشطة مجتمعية. وتبقى مظاهر الابتهاج والاحتفال بعيد الميلاد من غالبية المواطنين واضحة. فحبال الزينة وأشجار الميلاد تزين مداخل البيوت والشرفات وسانتاكلوز أو ما يسمونه "باببو ناتالية" يزور في كل عام المدارس ويقدم الهدايا للأطفال، حيث يشكل أبناء الجاليات العربية والمسلمة عدداً كبيراً منهم .

وفي هذا السياق ينقسم البعض في المشاركة في هذه الحفلات، كونها تعتبر انخراطا في المجتمع وتعلم أطفالهم الاندماج بالثقافات والأديان الأخرى، بينما ينأى البعض عن المشاركة لأسباب يعتبرها دينية.

وتقدم الجمعيات الإسلامية ومنظمات الجالية بشكل علني وواضح تهانيها وتبريكاتها للإيطاليين بعيد الميلاد. وفي جانب آخر ظهرت من بعض تيارات اليمين الإيطالي مناداة متعصبة تدعو إلى الحفاظ على هذه التقاليد الدينية بشكلها المتزمت. فمثلا في ما يسمى ( البريسيبة) أو تماثيل مشهد ميلاد المسيح، دعا حزب رابطة الشمال إلى وضع البريسيبة في كل المدارس في إشارة واضحة لتحدي باقي المعتقدات مما دفع لمعارضته حتى من بعض الإيطاليين العلمانيين .




وتبقى لمشاركة الجاليات العربية في الميلاد خصوصية في إيطاليا، لما فيها من فرصة للمسلمين لإبراز ملامح الصداقة والأخوة مع المسيحيين، من خلال زيارات رسمية وزيارات للكنائس في كل المدن الإيطالية، أو من خلال ممارسة المسيحيين العرب المتواجدين في إيطاليا شعائرهم المقدسة في الفاتيكان، أو في مدينة القديس فرانشسكو في أسسيزي، مقصد الحجاج الكاثوليك والمدينة التوأم مع مدينة بيت لحم مهد السيد المسيح.

وفي الولايات المتحدة الأميركية تشير إحصائيات بعض المراكز الأميركية إلى أن أغلب الأميركان من غير المسيحيين يحتفلون كذلك بأعياد الميلاد.

واحدة من هؤلاء، عائلة سامر حمود، التي تعيش في نيويورك. يقول حمود، وهو من أصول فلسطينية وسورية، لـ"العربي الجديد": "أولا أعياد الميلاد وولادة السيد المسيح ليست غريبة علينا كفلسطينيين مسلمين وخاصة إذا عاش الشخص في مدينة أو قرية مختلطة تتعايش فيها ديانات مختلفة. بالنسبة لي كشخص مسلم، تشكل هذه المناسبة، وخاصة أننا نعيش في الولايات المتحدة حيث نعمل كثيرا، فرصة لقضاء وقت أكبر مع العائلة ورؤية أصحاب وأقارب يعيشون في مناطق بعيدة".


فأغلب الأميركان، حوالى 94 بالمائة منهم، ينتمون إلى عائلات مسيحية. ولكن 70 بالمائة منهم فقط، يعرّفون أو يرون أنفسهم كمسيحيين. أما الأميركان، الذين ينحدرون من ديانات غير مسيحية، كالإسلام واليهودية والبوذية والهندوسية وغيرها فتصل نسبتهم جميعا إلى حوالى 6 بالمائة من الأميركان. وفي حين تقتصر احتفالات عيد الميلاد، في يوم العيد، غالباً على أفراد الأسرة من الدرجة الأولى، فإن الكثير من العائلات تحتفل كذلك مع أصدقائها بقية أيام العيد.


مغاربة هولندا... برنامج روتيني

تشكل عطلة نهاية العام في هولندا فرصة ينتظرها أبناء الجالية المغربية هناك، إن كان للاسترخاء أو لإنجاز أمور مؤجلة، أو السفر إلى المغرب، للقاء الأهل وزيارة البلد الذي يتمتع بدرجات حرارة معتدلة في مثل هذه الفترة من السنة. وبالنسبة للعاملين في تجارة التجزئة والمواد الغذائية، تشكل نهاية العام فرصة إضافية للعمل وللبيع، حيث تغلق محلات البيع بالتجزئة الكبرى، وتبقى المحلات الأصغر قادرة على خدمة الزبائن وتلبية احتياجاتهم. وتضاعف نسبة المبيعات والأرباح يعد حدثا سنويا ينتظر قدومه كثير من التجار وباعة الفاكهة والخضار في أسواق البلاد.


لكن عبد الحفيظ صاحب محل للبيع بالتجزئة قرر هذه العطلة أن يسافر بصحبة عائلته إلى المغرب، وهو أمر لم يتمكن لسنوات من فعله، حيث سافرت عائلته مرارا فيما كان عليه مواصلة العمل في محله. هذه المرة سيعتمد على قريبه المغربي وشاب سوري من أجل إدارة المحل، وسيتمكن من زيارة والده في أغادير بعد أن عاد إلى هناك حين تقاعد قبل ستة أعوام في هولندا.
وفي ما عدا ذلك، يقضي معظم مغاربة هولندا عطلتهم في هولندا بشكل روتيني، ما عدا فرص للزيارات واللقاء. لكن في الغالب لا يتغير برنامج حياتهم إلى حد كبير.


( كوبنهاغن- العربي الجديد، مدريد - ميساء حجاج، نيويورك - ابتسام عازم، لاهاي- محمود نصار، روما - إياد حافظ)


المساهمون