المؤتمر السابع والمصالحة

المؤتمر السابع والمصالحة

18 ديسمبر 2016
القيادي "الحمساوي" أحمد الحاج علي بالمؤتمر (عباس مومني/فرانس برس)
+ الخط -

قد يظن من تابع المؤتمر السابع واستمع لكلمة الرئيس محمود عباس وتفحص لغة جسده المنتشية بالظفر، والتقط بعض الأجواء المصاحبة، أن المؤتمر بوابة مفتوحة للمصالحة الفلسطينية، ومن لاحظ في المقابل مشاركة حماس ورسالة خالد مشعل الوحدوية في مجملها، وقبل ذلك لقاء عباس وقيادة حماس في قطر، وما نتج عنه من صور تجمع القادة المتخاصمين في حالات ود وتفاهم، قد يذهب إلى أن الانقسام الفلسطيني أضحى من الماضي.
فلا شك أن وجود حركة حماس ضمن الوفود المهنئة والمشاركة في المؤتمر السابع مثيرة للاهتمام، وطرحت مجموعة تساؤلات حول مستقبل العلاقة الفتحاوية الحمساوية، ومستقبل المصالحة وترتيب البيت الفلسطيني. وكان لحضور نخبة من نواب الحركة وقياداتها في الضفة، مع رسالة مشعل المليئة بالمضامين التصالحية مؤشر هام على دعم الحركة لتوجه الرئيس محمود عباس في ترتيب بيته الداخلي، وعامل إنجاح ولو شكلي لخطوات عباس، ومؤشر على اقتراب وجهات نظر القيادتين.

وقد يختلط الأمر أكثر على بعض المراقبين إذا ما أضيفت حفاوة استقبال الرئيس عباس للوفد الحمساوي، وإشادته بكلمة السيد مشعل وتقديره لها، والتراجع عن كون ما حدث في صيف 2007 انقلاباً على الشرعية وتجاهل ذكر ذلك رغم تذكيره بها، وامتناعه عن استخدام مصطلحات هجومية معتاد عليها تجاه واقع غزة، ومحاولة عباس تلطيف الأجواء مع حماس بشكل ملموس وواضح، وبدعوتها أصلاً لحضور المؤتمر كسابقة إيجابية بعد حالة جفاء استمرت سنوات.
إلا أن المتابع الحصيف والقارئ المتمعن في تعقيدات المعادلة الفلسطينية يدرك أن حقيقة الأمر لا كما تلتقطه العين المجردة عبر المناسبات الاستثنائية، ولا كما يخرج في المجاملات المتبادلة الاضطرارية أو البروتوكولية، وإنما وفق معادلة معقدة فلسطينية من جهة وإقليمية من جهة ثانية، ودولية وإسرائيلية من جهة ثالثة، فلا مصالحة قبل تجاوز هذه التعقيدات المختلفة والمركبة، وأي نوايا حسنة، وتوجهات جادة إن وجدت من أحد الطرفين أو كلاهما لا تكفي وحدها لبدء انطلاق حقيقي لقطار المصالحة المتعثر، طالما لم تُحل المسائل المختلفة، ولم تُجتز العقبات المتراكمة والوعرة ذات الأبعاد المختلفة.

فمن الواضح مثلا، أن الخطاب الإيجابي لا يعبر عن موقف حقيقي من قبل الرئيس عباس بقدر ما أنه ظهور بمظهر فلسطيني جامع، محاط بالقوى الوطنية الفلسطينية المختلفة وعلى رأسهم حركة حماس والجهاد، ولإبقاء الحركة قريبة منه لكي لا تجنح بعيدا نحو خصمه القابع في القاهرة، فالرئيس يدرك مدى امتلاك حماس من أوراق قوة حساسة ومؤثرة في المعادلة الفتحاوية الفتحاوية، وربما جاء حرصه على الالتقاء بقيادة حماس في قطر ضمن سياسة ليطمئن قلبي من موقف وعلاقة ونوايا حماس تجاه محمد دحلان.
كذلك حرص الرئيس على وجود حماس وتعزيزها في المؤتمر السابع كحالة تعويض عن الشرعية المنقوضة، بعدما لوحت له الرباعية العربية، خصوصا النظام المصري، بضرورة رحيلة واستبداله بقيادة جديدة. ليفتح باب التحدي بأوراق جديدة مستعرضا خيارات تصعيدية في وجه الرباعية العربية.
أما مشاركة حركة حماس فجاءت كفرصة لتخفيف احتقان الأجواء في الضفة الغربية، وإظهار تمسكها بالشراكة السياسية، ولاستثمار مساحة تعزز من خلالها حضورها أمام بعض القوى العربية المخاصمة، بالإضافة إلى الظهور بمظهر المرونة السياسية في الدائرة الوطنية، ولكسر حالة الواقع الأمني المعقد في الضفة الغربية، والبحث عن انفراجة عمل للحركة في ظل حالة التأزم إثر سياسة التنسيق الأمني، وتعتبر حماس إيصال صوتها عبر منصة الرئيس عباس ومؤتمر فتح السابع يعد اختراقا يمكن استثماره والبناء عليه.
وحقيقة أيضا أن حركة حماس لا تستطيع رفض دعوة كهذه، حتى ولو اضطرت لمشاركة شكلية، إلا أن اهتمامها بالحضور عبر وفد رفيع، مع رسالة رئيس مكتبها عزّز وعظّم من أثر مشاركتها، ومنحها بعدا استفادت منه الحركة كما استفاد منه عباس.

ولهذا ففي المحصلة النهائية لن يتأثر مسار المصالحة عمليا وبشكل إيجابي على أرض الواقع، فموانع المصالحة أكبر وأعقد من دوافعها وتجاذباتها، فأسباب الانقسام ما زالت على حالها كالتباين الواسع في البرامج السياسية، وتطلع الرئيس لاستمرار احتكاره التمثيل الفلسطيني والسيطرة على منظمة التحرير، ومنع أي تغيير في قواعد هيكلة اللجنة التنفيذية، وإصرار حماس على رفض شروط الرباعية وعدم الالتزام بالاتفاقيات التي وقعها الرئيس عباس وعدم الدخول بعملية التسوية، بالإضافة لخشية حماس من قدوم سياسة التنسيق الأمني لغزة، وإعاقة مشروعها العسكري المتنامي، واضطرارها للتنازل عن نقاط قوة السيطرة والتحكم في القطاع.


كذلك أنتج الانقسام واقعاً جديداً، إن كان في الضفة أو غزة، فهناك سلطتان وهياكل إدارية وجهازا أمن وعقيدة أمنية مختلفة، وقيادات وكوادر وسياسات وتمويل متعدد، وهذه التعقيدات الميدانية تقف في كل مرة ضد أي اتفاق ولا تستقبله بقبول حسن، وحتى الآن الإرادة السياسة أضعف من الواقع الميداني القلق.
ولا ننسى أهمية موقف سلطة الاحتلال وقدرتها على إعاقة المصالحة عبر استغلالها الانقسام الجغرافي والاتفاقيات المكبلة للسلطة، مع وجود منظومة أمنية وسعت علاقتها مع الاحتلال وتستخدم الأداة الأمنية في حسم الخلافات السياسية. وربما يستغل الاحتلال الانقسام الفتحاوي الداخلي كفزاعة وتلويح لدعم طرف آخر، في حال أراد الرئيس عباس فعلياً التوجه للمصالحة وترتيب أوراقه مع حماس.
ولا شك أن غياب قوة إقليمية وعربية معنية في المصالحة، وقادرة على إلزام الطرفين، بالإضافة لانعدام قوة فلسطينية ثالثة قادرة على فرض بعض وقائعها وبرامجها أو بروزها كطرف ثالث بديل، يمنح حركتي حماس وفتح مساحة أوسع للمناورة وإدارة الحالة بعيداً عن القلق من أي عنصر ضغط وهاجس تغيير.
حركة فتح بلجنتها المركزية الجديدة باعتقادي لن تشكل إضافة نوعية تجاه المصالحة، فلم يحدث تغيير جوهري، وستتعزز سياسة الرئيس عباس وربما تشهد الفترة المقبلة بعض التلطيف الإعلامي غير المدعم بخطوات عملية على الأرض.

وفي ظل إنهاء الرئيس عباس مؤتمره السابع تستعد حركة حماس لدورة انتخابية جديدة تختار من خلالها قيادة سياسية، أعتقد أنها أيضا لن تغير من واقع معادلة الانقسام شيئاً يذكر، خصوصاً إذا ما اعتبرنا أن القيادة الحالية حريصة جداً على المصالحة، والسيد خالد مشعل بذل مجهوداً مضنياً لفرض وقائع ومعادلات لترتيب البيت مع الرئيس عباس.

ومع ذلك أعتقد أن خيار المصالحة سيبقى الأنسب والأصلح لحماس، فالحركة تجد أن إنهاء الانقسام ودخولها منظمة التحرير هو بوابة قيادتها أو المشاركة في قيادة المشروع الوطني، وتمثيل الفلسطينيين في المحافل الإقليمية والدولية. إلا أن هذه الرؤية تحتم على حماس ثمناً سياسياً غير مستعدة لدفعه في المدى المنظور، كما يخيف هذا التوجه الرئيس عباس ويمنعه من اتخاذ خطوات عملية نحو المصالحة.
(باحث فلسطيني/غزة)

المساهمون