أتوبيسات المستقبل وميكروباصات الموت

أتوبيسات المستقبل وميكروباصات الموت

17 ديسمبر 2016
في أوروبا والولايات المتحدة رحلة باص المدرسة متعة(غيتي)
+ الخط -
عندما تشاهد أتوبيس مدرسة في دولة متقدمة تشعر بالبهجة وبجمال المستقبل، فهذه الدول تولي عناية فائقة للحافلات المدرسية وتضع لها مقاييس محددة، وتسعى لتحديثها بكل جديد من أجل أمان الطلاب وسلامة رحلتهم. في عام 1939عقد مؤتمر دولي في جامعة مانهاتن الأميركية، تم من خلاله وضع معايير جودة لأتوبيسات المدارس، كما تم اعتماد 44 معياراً تتعلق بالشكل والتصميم الداخلي والخارجي، من بينها اختيار اللون الأصفر فقد أثبتت الدراسات أنه أكثر الألوان جذباً للعين، خصوصاً في ساعات الصباح الباكر، ثم تتابعت التطورات على الحافلات المدرسية.


الأتوبيس الأميركي
في الولايات المتحدة الأميركية يعتبر الأتوبيس المدرسي وسيلة نقل أساسية جداً لنقل التلاميذ البالغ عددهم 25 مليوناً، ويستخدم في نقل أكثر من نصف عدد التلاميذ بنسبة تزيد عن 54% منهم، ينقلهم أسطول من الأتوبيسات على أعلى مقاييس الجودة، يقدر عددها بـ 440 ألف باص. وجميع الأتوبيسات لها تصميم محدد يناسب أعمار الأطفال من مقاعد ومقابض وسلالم وأبواب.



هذا بالإضافة إلى توفير المقاعد الوقائية لمنع الصدمات، والإطارات التي تمنع انزلاق الأتوبيس على الطريق في حال وجود أمطار، وتوفير جميع وسائل الأمان من كاميرات مراقبة ذات ساعات تسجيل مطولة داخل الأتوبيس وفي جوانبه وأمامه وخلفه، يبلغ عددها 8 كاميرات تمكن السائق والمشرف من متابعة كل تفاصيل الرحلة. كما يتم استخدام أجهزة الاستشعار أمام الحافلة وخلفها وذلك بتركيب جهاز NDVER بداخلها مرتبط مع جهاز GPS لرصد مسار الحافلة، ويحفظ الجهاز كل البيانات الواردة من جميع كاميرات المراقبة، وأي أجهزة أمنية أخرى، وبث كل ذلك مباشرة إلي الأجهزة المتصلة بها داخل المدرسة عن طريق الإنترنت، مما يمكن المدرسة من متابعة سير الرحلة المدرسية وطريقها ثانية بثانية.

وفي نفس الوقت تعتمد الولايات المتحدة قواعد صارمة حيث تحظر على السائقين للسيارات الاقتراب من 
أتوبيس المدرسة على الأقل بمسافة 30 متراً وعدم تخطيه، وتحظر زيادة السرعة على الطريق في حال وجود باص مدرسي عن 10 كيلومترات لمنع أي اصطدام.



متعة وأمـــــــــــان
أما في اليابان، فالأتوبيس المدرسي يتسم بمواصفات المتعة والتكنولوجيا والأمان فكل ما سبق ذكره من معايير قياسية للجودة يتم تطبيقها بالإضافة للمسات اليابان التكنولوجية والترفيهية والتي تجعل من أسطول الحافلات الياباني عالماً يشبه عالم ديزني، فجميع وسائل الترفيه والتعليم والتثقيف متوافرة داخل الأتوبيس.

وتخضع اليابان سائقي أتوبيسات المدارس لاختبارات دائمة في كل النواحي النفسية والصحية والأخلاقية، وتشترط في مشرف الأتوبيس حصوله على كافة الدورات التعليمية التي تتعلق بالإسعافات الأولية والقدرة على مواجهة الطوارىء وإجلاء التلاميذ وأعمال الدفاع المدني، وتشترط وجود كافة وسائل الإسعافات الأولية داخل الحافلة.

وتفرض اليابان على سائقي السيارات العادية عدم زيادة السرعة عن 20 كلم في الساعة عند مرور باص مدرسي، وتعرضه للسجن أكثر من 3 أشهر وغرامة 50 ألف ين ياباني في حال مخالفة القوانين.

وفي ألمانيا، تطبق نفس التقنيات والمعايير السابقة بمنتهى الدقة، وتفرض القوانين هناك على سائق الأتوبيس المدرسي عدم تجاوز سرعة 50 كيلو داخل الأحياء السكنية، ووضع لافتة باللون البرتقالي مكتوب عليها رمز للأطفال، وتبلغ قيمة اشتراك المدرسة 10 يورو فقط. ولا يحتاج التلاميذ هناك لاستخدام الأتوبيس المدرسي إلا بعد إتمام المرحلة الابتدائية نظراً لقرب المدارس بشدة من البيوت.



رحلة الموت بالدول العربية
بالرغم من أن بعض الدول الخليجية بدأت تطبيق نفس المعايير الدولية في تصميم الحافلة المدرسية، ومنها الإمارات وسلطنة عمان والسعودية، إلا أن بعض الدول الأخرى مثل مصر تحتل المركز الأول عالمياً في حوادث الطرق، تشهد أيضاً نسبة مرتفعة جداً في حوادث الحافلات المدرسية، حتى باتت ظاهرة مرتبطة بكل عام دراسي يشكو منها المجتمع ويعانيها أولياء الأمور.

تقول سماح محمدي، إحدى الأمهات "لم أعد أشعر بالأمان مطلقاً على أولادي، بسبب كثرة حوادث أتوبيسات المدارس، ولهذا السبب ألغيت الاشتراك في باص المدرسة، فالباص عبارة عن ميكروباص حالته سيئة يتم تكديس الأطفال فيه ولا توجد مشرفة بداخله، ويظل الأطفال بمفردهم مع السائق طوال الطريق، وللأسف معظم هؤلاء السائقين أخلاقياتهم متدنية".

بدورها، تقول نسرين قاسم، ظروفي لا تسمح لي باصطحاب أولادي للمدرسة بنفسي، ولذلك يعتبر أتوبيس المدرسة ضرورة بالنسبة لنا، وقد زادت قيمة الاشتراك لتصل إلى 800 جنيه للطفل الواحد، والحمد لله السائق رجل أمين ومحترم، ولكن مرور سيارات النقل المسرعة بشكل يومي في نفس ميعاد أتوبيس المدرسة، وما نراه من زحمة وسرعة جنونية لبعض السائقين يشعرني بالخوف الدائم.


اختيار الســـــائقين
وعن كيفية اختيار سائق الأتوبيس المدرسي والمشرفين عليه، تقول مديرة إحدى المدارس الخاصة المصرية، والتي رفضت ذكر اسمها "نحن نحاول بذل أقصى ما عندنا في حدود

إمكانيات المدرسة في تأمين رحلة الأولاد، فنحن نختار السائق الأمين، ونتأكد من تمتعه بسمعه طيبة وقدرة على القيادة. فاختيار السائق هو مسؤولية إدارة المدرسة وحدها، ولا تتدخل فيه أي جهة أخرى، ونحن كذلك نختار مشرفة الأتوبيس من السيدات العاملات بالمدرسة، والتي تتولى الإشراف على وصول الأطفال للأتوبيس ومصاحبتهم طوال الطريق، وحتى وصولهم وتسليمهم لأسرهم، وتضيف أن السبب وراء الحوادث ليس مسؤولية السائقين فقط وإنما يرجع لفوضى المرور ولمرور سيارات النقل في نفس مواعيد أتوبيسات المدارس.

كما تقول سيدة محمود مشرفة أتوبيس بإحدى المدارس الخاصة "أعمل في المدرسة منذ خمس سنوات، ووظيفتي اصطحاب الأولاد من باب المدرسة إلى داخل الأتوبيس ومساعدتهم على الجلوس في مقاعدهم، والاطمئنان على عددهم وأسمائهم من خلال كشف الأسماء، والتأكد من عدم وجود أي طفل داخل الفصل، والاتصال بأولياء الأمور لإبلاغهم بتحرك الأتوبيس، ويتولى السائق توصيل الأطفال بنفسه فدوري ينتهي عند باب المدرسة".

في المقابل، يقول العم محمود جمال، سائق الأتوبيس، أعمل مع المدرسة من سنوات طويلة، وفي كل صباح أتوجه إلى الأولاد في عناوينهم وعندي كشف بالأسماء والعناوين وأرقام هواتف أولياء أمورهم، وبالطبع هذه مسؤولية كبيرة وخصوصاً أن كل المدارس تقريباً تعتمد على السائق ولا تقوم بتعيين مشرفة داخل الأتوبيس مما يزيد الجهد على السائق ويشتت ذهنه بين القيادة، ومتابعة الطريق وبين متابعة شؤون الأطفال داخل الأتوبيس وتفقدهم، وخصوصاً أطفال الحضانة يحتاجون لوجود مشرفة، لكن للأسف هذا الأمر غير متوفر.  

أوضاع مخجــــــــــلة
وفي هذا السياق، يرى الخبير التربوي سعيد زيدان، أن حال الأتوبيس المدرسي في مصر لا يختلف عن حال المنظومة التعليمية كلها وما تشهده من فوضى وغياب للحلول الحقيقية، ففي كل عام نشهد هذه الحوادث المتكررة التي تزهق فيها أرواح طلابنا البريئة ولا نلمس جدية في وضع حلول لهذه الكوارث. وكل ما نراه مجرد تصريحات للإعلام بعد وقوع كل كارثة مع أن الحلول معروفة، وجميع دول العالم المتقدمة تطبقها، فلماذا لا يتم منع سيارات النقل الثقيل نهائياً من السير على الطرق المزدحمة في أوقات مرور أتوبيسات المدارس؟ ولماذا لا تشكل لجنة دائمة في وزارة الصحة لفحص السائقين بكل أنواع الفحص للتأكد من عدم تعاطيهم للمخدرات، وللتأكد من سلامتهم النفسية والعقلية؟ ولماذا يترك اختيار السائقين للمدرسة بهذا الشكل العشوائي؟ ولماذا لا تتولى لجان فنية متخصصة فحص الأتوبيسات للتأكد من صلاحيتها، فمعظم أتوبيسات المدارس لا تصلح نهائياً ومتهالكة من الناحية الفنية.

في حين تشير الخبيرة التربوية، نيفين صالح أن تلاميذ المدارس يقضون في الأتوبيس المدرسي ما لا يقل عن ثلاث ساعات يومياً وهي أوقات تبقى في ذاكرتهم مدى حياتهم، بل وتؤثر على بنائهم وسلامتهم البدنية والنفسية، ولذلك على كل المسؤولين أن يؤدوا واجباتهم.



المساهمون