مياه السودان... محاربة العطش باستراتيجية جديدة

مياه السودان... محاربة العطش باستراتيجية جديدة

18 أكتوبر 2021
تعبئة المياه مهمة يومية للأطفال كذلك (أشرف الشاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

 

أطلق السودان أخيراً الاستراتيجية الوطنية الأولى لإدارة الموارد المائية في البلاد وإنهاء بؤرالعطش والقضاء على الجوع والفقر وتعزيز الأمن الغذائي ورفع مستوى المعيشة، على أن تمتدّ لعشرة أعوام.

في العقود الماضية، أدّى عدم إدارة الموارد المائية بطريقة مثلى في السودان إلى نزاعات وصدامات مستمرّة بين المجتمعات المحلية، وإلى موجات من الجفاف ضربت مناطق عدّة، وخصوصاً عند أطراف البلاد. كذلك زاد من نسب الفقر وتدني الخدمات الأساسية ونزوح ملايين من مناطق الإنتاج إلى المدن الكبرى، تُضاف إلى ذلك الهجرة إلى خارج البلاد. لذا، تبدو الحاجة ملحّة إلى استراتيجية وطنية لإدارة تلك الموارد. وتفيد إحصاءات رسمية بأنّ 40 في المائة من ربّات البيوت في السودان لا يحصلنَ على مياه مأمونة يستطعنَ الاعتماد عليها، ويُلقي نقص خدمات إمداد المياه بظلال سالبة على الصحة العامة، ويؤثّر بنمو رأس المال البشري. وكلّ ذلك يمثّل عوامل قادت إلى نتائج كارثية على المستوى المجتمعي وكذلك الاقتصادي والأمني.

ويتطلع السودانيون إلى نجاح الاستراتيجية الجديدة للدولة، بهدف الاستفادة القصوى من المياه التي تتعدّد مصادرها وتتنوّع في البلاد ما بين أنهر، أهمّها نهر النيل الذي يحصل السودان منه على 18.5 مليار متر مكعّب سنوياً. كذلك فإنّ الأمطار الموسمية في البلاد توفّر نحو 400 مليار متر مكعّب، أمّا المياه الجوفية فيصل مخزونها إلى 4.2 مليارات متر مكعّب.

وقد صرّح وزير الري والموارد المائية ياسر عباس في خلال إطلاق الاستراتيجية الوطنية الأولى لإدارة الموارد المائية في البلاد، بأنّ الاستفادة القصوى من تلك الموارد تمثّل تحدياً كبيراً وصراعاً يجب خوضهما والانتصار فيهما من أجل تحقيق جملة أهداف، أوّلها خفض نسب الفقر ورفع المستوى المعيشي وخلق فرص وظيفية تحفظ كرامة الإنسان، خصوصاً بالنسبة إلى الشباب في الريف والمرأة، بالإضافة إلى تحقيق السلام والطمأنينة في المجتمعات، وضمان التوزيع العادل للمياه، وتحسين مستوى معيشة السودانيين في المناطق الريفية والحضرية والرعاة، وضمان الحصول على مياه صالحة للشرب وبأسعارفي متناول الناس. وأوضح عباس أنّه في حال نجاح الاستراتيجية، سيتمتّع سبعة ملايين سوداني يعملون في الزراعة والرعي بالأمن الغذائي وبمعيشة كريمة، وسيجد مليونا شاب وامرأة فرص عمل.

الصورة
تعبئة مياه في السودان (ياسويوشي تشيبا/ فرانس برس)
40 في المائة من ربّات البيوت لا يحصلنَ على مياه مأمونة (ياسويوشي تشيبا/ فرانس برس)

من جهته، أكد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، أنّ المياه هي الآلية الأهم لتعزيز الاستقرارالمجتمعي، وأنّ الأمن المائي يضمن توافر ما يحتاجه المواطنون من مياه للاستخدام في القطاعات الإنتاجية، كالزراعة والطاقة والصناعة، مبيناً أنّ السودان يقع من ضمن الدول الأقلّ فقراً بالمياه، وخصوصاً في المناطق التي تعتمد على الزراعة المطرية والأنهر الموسمية. أضاف حمدوك أنّ بلاده في أسفل التصنيف العالمي للأمن الغذائي، وهي الدولة السابعة في قائمة الدول التي تأثّرت بصدمات التغيّر المناخي والدولة الرابعة العشرة في الجاهزية لتلك الصدمات. وتابع حمدوك أنّ الاستراتيجية الطموحة تلك تتضمن أربع أولويات، هي تحسين الأمن الغذائي من طريق التمدّد، واستغلال 1.6 مليون هكتار من الزراعة المروية، وخلق فرص توظيف في القطاع الزراعي، وخصوصاً بين شباب الريف ونسائه، وتوفير المياه وسهولة الحصول عليها لكلّ السودانيين، وتحسين إدارة موارد المياه للإسهام في التعايش السلمي بين كلّ الذين يتنافسون على الحصول على المياه. وأكمل حمدوك أنّ توترات سُجّلت بين المزارعين والرعاة، وجلّها بسبب الصراع على موارد المياه وإدارتها، ومن شأن الاستراتيجية الجديدة أن تحدّ كثيراً من تلك النزاعات المجتمعية.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وفي هذا الإطار، يقول عبد الرحمن آدم توب الحرير، من ولاية شمال دارفور، لـ"العربي الجديد" إنّ "إقليم دارفور من المناطق التي شهدت مثل تلك التوترات التي تحدّث عنها حمدوك، فهو شهد حرباً أهلية لسنوات. والنزاع على موارد المياه والزراعة كان جزءاً من أسبابها الجوهرية". يضيف أنّ "مشكلات العطش الناجم عن إهمال استغلال الموارد المائية همّ من هموم الناس في دارفور"، مشيراً إلى أنّ "الإنسان كما الحيوان لا يجدان في مناطق كثيرة في الإقليم مصدراً للمياه قريباً منهما، على الرغم من أنّ من الممكن حفر مئات من الآبار الجوفية بقليل من الجهد، إن كان ثمّة استراتيجية وعمل حقيقيان من قبل الحكومة في هذا الصدد". ويوضح توب الحرير أنّ "ثمّة ثلاثة مشاريع زراعية في كلّ من ساق النعام وأبو حمرة وأم بياضة، إذا توافرت لها المياه، فإنّها ستؤثّر إيجابياً بمعيشة الناس واستقرارهم وأمنهم فترفع مستوى معيشتهم وتخفض نسب الفقر وتحدّ من البطالة"، مشدداً على "أهمية استيعاب استراتيجية وزارة الري والموارد المائية تلك الحقائق، وكذلك حقيقة أنّ علاج جذورالحرب في الإقليم ينبغي أن يستند إلى حلّ أزمة المياه". ويتابع توب الحرير قائلاً إنّ "توفيرالمياه سيمنح المزارعين فرصة الزراعة الشتوية كما الزراعة الصيفية، وهو المدخل الرئيسي في الإقليم لإنهاء الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية والسلم الاجتماعي ووقف النزوح وتحقيق الأمن الغذائي لدارفور والسودان ككلّ".

الصورة
أطفال سودانيون ومياه في السودان (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
ثمّة إهمال في استغلال الموارد المائية في البلاد (أشرف الشاذلي/ فرانس برس)

أمّا حمزة عبد القادر، من ولاية القضارف شرقي السودان، فيقول من جهته لـ"العربي الجديد" إنّ "ثمّة شقّين لأزمات المياه في الولاية. الأوّل مرتبط ببؤرالعطش المتعددة في الولاية، وقد ترك أهالٍ قراهم ونزحوا إلى مناطق قريبة من مصادرالمياه، كذلك سبّب العطش انتشارالأمراض المستوطنة لعدم توافر المياه النقية. أمّا الشق الثاني، فمرتبط بتأثير شحّ المياه على الأمن الغذائي والعائد الاقتصادي، اذ تعتمد الولاية على مياه الأمطار بشكل رئيسي، ولم تعد المحاصيل المنتجة منها ذات جدوى. بالتالي تصير الحاجة ماسة إلى تنفيذ مشروعات ريّ تكميلي". يضيف عبد القادر أنّه يتطلع إلى أن تكون تلك المشروعات "جزءاً من الاستراتيجية الوطنية للمياه، وهو أمر إذا حدث سيكون له تأثير أكبر بسكان الولاية التي تضمّ طيفاً واسعاً من القبائل السودانية"، لافتاً إلى أنّه "عبر الري التكميلي يُمكن استحداث زراعة محاصيل أخرى غير تلك التقليدية ذات العائد المحدود". ويوضح عبد القادر أنّه "بناءً على إحصاءات غير رسمية، فإنّ كمية المياه المهدرة في خلال فصل الخريف بولاية القضارف تقارب ربّما حصة السودان من مياه النيل"، مشيراً إلى "غياب أيّ مشروع لتجميع تلك المياه وتخزينها واستغلالها في وقت الحاجة حتى تعمّ فائدتها الجميع". وعبّر عبد القادر عن تخوّف من "اعتماد الاستراتيجية الوطنية للمياه على تشييد مشاريع مؤقتة أو إجراء معالجات آنية كما كان يحدث في السابق".

الصورة
زراعة وأزمة مياه في السودان (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
توفير المياه للزراعة سيمنح المزارعين فرصة للإنتاج (أشرف الشاذلي/ فرانس برس)

من جهته، يتحدّث سيد إبراهيم أبو شعيبة، وهو مزارع في ولايتَي سنار والنيل الأزرق حيث تقوم نزاعات بين الرعاة والمزارعين، لـ"العربي الجديد" عن "مقترحات قديمة تعود إلى عام 1956 للاستفادة من كميات المياه الواردة من الهضبة الإثيوبية لمصلحة إنشاء مشاريع مروية في المنطقة، بهدف المساهمة في توطين الأهالي وتطوير الزراعة التقليدية إلى زراعة منتجات للتصدير، وبالتالي تطوير المجتمعات المحلية لجهة الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم. لكنّ تلك الخطط لم تُنفَّذ بعد، فيما تضرب موجات الجفاف أجزاءً من الولايتَين نظراً إلى قلة الأمطار المعتمد عليها، وهو الأمر الذي يؤثّر سلباً بالإنتاج من الزراعة ومن الثروة الحيوانية". ويطالب أبو شعيبة بأن "تضع استراتيجية المياه في قائمة أولوياتها المشاريع الخاصة بولايتَى سنار والنيل الأزرق، خصوصاً الأخيرة التي اكتوت بنيران الحرب لسنوات طويلة"، مبيّناً أنّ المشاريع تلك ستسهم إلى حدّ كبير في تخفيف الاحتقان المجتمعي وإنهاء نزاعات المزارعين والرعاة وتوطين مجموعات قبلية أخرى عادت من جنوب السودان بعد الانفصال في عام 2011، لكنّها لم تستقر بعد".

بيئة
التحديثات الحية

في سياق متصل، يرى المتخصص في دراسات السلام والمجتمع، عباس التجاني، أنّ "إعداد الاستراتيجية في حدّ ذاته يشكّل تقدّماً في مجال الحدّ من الصراعات حول الموارد المائية في الأطراف، كما حدث في شمال دارفور قبل أسابيع، ولا سيّما إذا شملت الاستراتيجية الأبعاد الاجتماعية وتقليل الفقر والسلم المجتمعي، على أن تتحوّل إلى برنامج يستوعب أهل المصلحة". ويعبّر التجاني لـ"العربي الجديد" عن "خشية من مواجهة عمليات التنفيذ مصاعب، أبرزها عدم توافر التمويل الكافي، فهذا أمر يحتاج الى دعم المجتمع الدولي المنفتح على السودان في هذه الفترة". ويشير التجاني إلى أنّ "نجاح الاستراتيجية يجب أن ينتهي بالقضاء على العطش  في كردفان ودارفور والنيل الأزرق ودارفور، وفي الخرطوم كذلك، حيث مناطق طرفية في العاصمة لا تصل إليها إمدادات المياه. كذلك، لا بدّ من أن تؤدّي الاستراتيجية إلى وقف الزحف الصحراوي واسترداد الفاقد من الثروات الطبيعية، على أن تكون الأولية لمناطق النزاعات الدامية".

المساهمون