لاجئ هندي يشتري منزلاً احتضنه عند وصوله إلى النمسا

لاجئ هندي يشتري منزلاً احتضنه عند وصوله إلى النمسا ويخصصه لمساعدة المهاجرين

05 مارس 2021
تدخّل سينغ لإنقاذ المنزل من أيدي المطوّرين العقاريين (ألكس هلادا/فرانس برس)
+ الخط -

لم يجفّ الطلاء بعد، لكن سوكديب سينغ، صاحب المنزل، بدأ يتخيّل عائلات اللاجئين تعيش في هذا النزل السابق في مدينة بادن النمساوية، حيث أمضى هو نفسه سنوات حياته الأولى في أوروبا. هذا هو المكان الذي عاش فيه بعدما غادر إقليم البنجاب في الهند، عندما كان مراهقاً لبدء حياة جديدة في أوروبا.

وعندما أعلنت المنظمة غير الحكومية، التي كانت تدير المكان في السابق كملجأ للأولاد المهاجرين غير المصحوبين بذويهم، أنها لن تتمكن من الاستمرار في إدارته، تدخّل سينغ لإنقاذه من أيدي المطوّرين العقاريين. ويقول سينغ، وهو لأب لثلاثة أطفال صغار: "لم أرغب في أن يشتري العقار أي شخص لا علاقة له به أو بتاريخه".

بدأت قصة سينغ برحلته الشاقة عبر روسيا وأوروبا الشرقية قبل وصوله إلى النمسا وإلى منزل "لورا غاتنر"، وهو ملجأ يضمّ حوالى 50 شاباً غير مصحوبين بذويهم. ويروي سينغ: "صراحة، كان انطباعي الأول مروعاً". في الطابق العلوي من المنزل المكوّن من ثلاث طبقات، يشير إلى زاوية في غرفة مساحتها 12 متراً مربعاً ويقول: "هنا كان سريري، وهنا كان السرير الثاني" الذي كان ينام عليه شريكه في الغرفة، وهو مراهق أفغاني.

وخلال السنوات الستّ التي أمضاها هنا، تعلّم اللغة المحلية وكوّن صداقات ولعب مع أصدقائه كرة القدم، وقد تحوّل المنزل الرهيب الواقع في منطقة صناعية، إلى رمز للمثابرة والإحسان بالنسبة إلى سينغ.

ثقافة ولغة

وفي هذا المكان أيضاً، التقى سينغ الممثّل والكاتب اليهودي أوتو تاوزيغ، الذي هرب من النازيين إلى لندن. إذ كرّس تاوزيغ النصف الأخير من حياته للأعمال الخيرية. ساعد مئات الأطفال الذين يعملون في المناجم في الهند وكذلك اللاجئين في النمسا. وبعد جمع الأموال لشراء المنزل، أهداه الكاتب لجمعية "دياكوني" الخيرية البروتستانتية لاستخدامه كمأوى للشباب الذين تركوا أوطانهم مثله. وتمّت تسمية المنزل باسم جدة تاوزيغ، لورا غاتنر، التي توفيت في معسكر اعتقال نازي.

في هذا المكان، ساعد المتخصّصون الاجتماعيون والأساتذة وعلماء النفس سينغ على فهم الثقافة المحلية وإتقان لغة البلاد. يقول إنه عومل باحترام وتخرّج من أحد المعاهد التقنية. وأصبح تاوزيغ بمثابة المرشد بالنسبة إليه، وقدّم له الأموال اللازمة للحصول على شهادته الجامعية.

وعلم سينغ، وهو مدير مشروع في شركة سيمنز متعددة الجنسية، من صديق قديم أنّ المبنى الذي كان يُطلق عليه اسم منزله، معروض للبيع. وتقول جمعية "دياكوني" إنّ القرار اتخذ بسبب "الإحالات غير الكافية" من السلطات الإقليمية للسكّان القادمين من النمسا السفلى. ومع قيام الاتحاد الأوروبي بتعزيز الضوابط على حدوده في السنوات الأخيرة، انخفض معدل الوافدين الجدد. وانخفض عدد "طالبي اللجوء القصّر غير المصحوبين بذويهم" من 8300 في العام 2015 إلى 390 بعد ثلاث سنوات فقط. في الوقت نفسه، جاهر المستشار سيباستيان كورتس بمواقفه المتشدّدة المناهضة للهجرة، ما أكسبه أصوات العديد من الناخبين من "حزب الحرية" اليميني المتطرف. يقول سينغ: "لم يعد الترحيب الذي لقيته كما كان". ورغم أنه سيتعيّن عليه تأجير معظم الشقق البالغ عددها 16، مقابل مبلغ مالي لتسديد الرهن العقاري، سيترك أربع شقق على الأقل لتكون في خدمة عائلات طالبي اللجوء بشكل مجاني. وستكون أم شابة وابنتها، تعيشان حالياً في مركز لجوء تديره الحكومة، من بين السكان الأوائل في المنزل. ومن المتوقع أن تنتقل ثلاث عائلات لاجئة إلى المكان عند الانتهاء من عمليات تجديد المبنى في مارس/آذار الحالي، وهو الشهر نفسه الذي وصل فيه سينغ إلى هنا عام 2003.

ويشعر سينغ بالفخر بالإنجازات التي حقّقها واستمراره في حمل إرث تاوزيغ، ويقول: "إذا كنت تبحث عن مثال يحتذى به، فلا تنظر إلى الأغنياء الذين لديهم الكثير من المال، انظر إلى الذين يملكون قلباً كبيراً".

(فرانس برس)