تزوير سندات العقارات بإدلب

تزوير سندات العقارات بإدلب

28 أكتوبر 2021
تزوير سندات الملكية في سورية (بكير قاسم/الأناضول)
+ الخط -

شهدت محافظة إدلب الواقعة شمال غربي سورية، والخارجة عن سيطرة النظام، حركة تجارية غير مسبوقة، خاصة على مستوى الأراضي والعقارات، وزاد من هذا النشاط التجاري توالي حركات النزوح والتهجير من المحافظات الجنوبية إلى المدينة الخاضعة لسيطرة حكومة الإنقاذ، التي تشكّل الواجهة السياسية لهيئة تحرير الشام، وهي تستغلّ هذا الجانب لرفد خزينتها بالمزيد من الضرائب والإتاوات.
ومن أبرز المشاكل التي تواجه حركة تجارة الأراضي والعقارات، مشكلة تزوير سندات الملكية، بحسب عدنان النافلة، وهو صاحب مكتب عقاري في بلدة بليون، في منطقة جبل الزاوية، جنوبي إدلب. إذ يقول النافلة، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يمرّ أسبوع إلا ونسمع فيه عن أشخاص زوّروا سندات ملكية لأراضٍ قتل ملاكها خلال سنوات الحرب أو هجّروا، وهناك أشخاص يزوّرون وكالات لبيع أراض، دون علم أقاربهم ومن ثم يهربون خارج إدلب بعد بيعها".
ويضيف أنّ هذه المعاملات تتمّ في الخفاء، من خلال شهود يأخذون مبالغ مالية بالتعاون مع صاحب المكتب العقاري، وموظف مرتشٍ، لأنّ عملية فراغ العقار لا يمكن إلا أن تتم بهذه الطريقة. والمشتري، هو ضحية هذه الحالات بحسب النافلة،  ولا تطول عملية الكشف عنها، بسبب محاولة الأخير التصرّف بالعقار، وهنا يتنبّه الملاك الحقيقيون للأمر.
ويشير إلى أنّ أصحاب المكاتب العقارية، لديهم صحيفة عقارية لكلّ عقارات المنطقة، وقبل إتمام أيّ معاملة بيع أو شراء يعودون إليها للتأكد من وجود العقار المراد بيعه أصلاً، ومن عدم وجود علامات رهن عليه وأنّ المالك الحقيقي هو من يرغب ببيعه، إضافة إلى التأكد من عدم وجود ملاك آخرين له وورثة.
وعن أسباب مثل هذه الحوادث، يقول النافلة، إنّ "معظم الأوراق يتمّ تزويرها في مناطق النظام، عبر محامين وأقارب لأصحاب الأراضي والعقارات، وهذه القضية لا تُعتبر صعبة إن ادعى الشخص أنّ صاحب الأرض قد توفي خلال الحرب. في هذه الحالة، يسهل استخراج شهادة وفاة". ويشير إلى أنّ التزوير قد لا يطاول شخص مالك الأرض فقط، بل قد يتعدى ذلك إلى المواصفات والمساحة.

أحمد موسى، طبيب من محافظة حمص، يقيم في إحدى دول الخليج العربي، يقول لـ"العربي الجديد": "اشتريت منزلاً في حي الضبّيط بمدينة إدلب، وأرسلت أقارب لي للسكن فيه، لكنهم ووجهوا حينها برفض عدد من الأشخاص، الذين قالوا إنهم ورثة ولهم حق في المنزل ولم يطلعهم أحد على عملية البيع".
يضيف موسى أنه راجع صاحب مكتب العقارات الذي سهّل عملية شراء المنزل، وسأله عن الموضوع وعند البحث عن البائع، فوجئوا أنه قد سافر إلى إحدى الدول الأوروبية، ما اضطّر الطبيب إلى تقديم شكوى في محكمة إدلب، التابعة لحكومة الإنقاذ.

سالم اسماعيل، نزح من مدينة حلب، بعد سيطرة قوات النظام عليها بشكل كامل أواخر عام 2016، واشترى قطعة أرض قرب مدينة الدانا شمالي إدلب. يقول اسماعيل: "فوجئت أنّ مساحة الأرض التي اشتريتها تقلّصت إلى الثلث وذلك بسبب افتتاح البلدية طريقاً فيها، وعندها لم تعد صالحة للإعمار". وهو يؤكّد أنّ البلدية أخبرته أنّ قرار شقّ الطريق قديم، وأنّ المالك القديم على علم به. يوضح أنّه راجع البائع، لكنّه لم يجده. وعندما حاول الإتصال به، اكتشف أنه هرب إلى ريف حلب الشمالي الخاضع لسيطرة فصائل الجيش الوطني السوري المعارض المدعوم من تركيا.

تزوير سندات العقارات في سورية (أندري غريازنوف/Getty)
تزوير سندات العقارات في سورية (أندري غريازنوف/ Getty)

من جهته، يعتبر رئيس تجمّع المحامين السوريين، غزوان قرنفل، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "جميع عمليات بيع العقارات التي تتمّ في إدلب لاغية قانوناً، لأنها تتم عبر حكومة ودوائر غير معترف بها رسمياً، وهدف هذه الحكومة هو جني الأموال فقط، عبر الضرائب التي تتقاضاها من خلال إبرام العقود، ومن ثم أثناء تثبيتها".
ويشير إلى أنّه "هناك العديد من المشاكل القانونية التي ستنتج عن سنوات الحرب، هذا إذا ما استبعدنا عمليات التزوير، ووضع اليد على أملاك من تصفهم هيئة تحرير الشام بـ"الشبيحة" (مؤيدين للنظام السوري)، ومن سكّان إدلب من غير المسلمين، الذين هجّر معظمهم من المحافظة، وباتت الهيئة المسؤول الوحيدة عن أملاكهم".
وفي هذا الصدد، يؤكّد قرنفل أنّ التجمّع بدأ قبل سنتين بمشروع لتوثيق ملكية العقارات داخل المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، بهدف استخراج شهادات ملكية بعد التثبّت والتحقّق، لكن الهيئة أوقفت عمله ومنعتهم من إكمال هذه المهمة، ووصفتهم بـ"الكفّار"، على حد قوله.

وبعد توقّف عمل التجمع في الداخل، أُطلق بحسب قرنفل، منصة إلكترونية ومشروع تحت اسم "ردّ المساكن والممتلكات"، يهدف إلى تمكين السوريين الذين تركوا مساكنهم وممتلكاتهم العقارية في مناطق سيطرة قوات النظام أو أي قوى أخرى، من توثيقها وإمكانية استردادها مستقبلاً، لكن رئيس التجمّع أشار إلى أنّ الإقبال على المنصة، التي نسّقت هذا المشروع مع الأمم المتحدة، لم يكن بالشكل المرجو، وأعاد ذلك إلى ضياع وفقدان الوثائق العقارية لدى الكثير من السوريين بسبب القصف والسرقة وحركات النزوح والتهجير.
وأوضحت دراسة نشرها موقع "نشرة الهجرة القسرية" عام 2018، تحت عنوان "التعويض في ما يخصّ الممتلكات في سورية ما بعد النّزاع" أنه "بغض النظر عمّا ستؤول إليه الأمور في سورية ما بعد النّزاع، ستكون هناك تحديات هائلة لتثبيت حقوق الممتلكات". وأشارت إلى أنّ "75 بالمائة من المجتمعات المستهدفة، وهي 4006، فقدت سندات التمليك ودخلت في نزاع على الملكية، وأنّ 57 بالمائة من المجتمعات لديها تخوفات إزاء حقوق السكن والأرض والملكية".

المساهمون