الطلاق محرّم في شمال القوقاز... والمرأة ضحية

الطلاق محرّم في شمال القوقاز... والمرأة ضحية

17 يناير 2022
تُحمَّل المرأة مسؤولية "هدم العائلة" في شمال القوقاز (ييلينا أفونينا/ Getty)
+ الخط -

في الجمهوريات ذات الأغلبية المسلمة في شمال القوقاز جنوبي روسيا، ما زال الطلاق من التابوهات (المحرّمات) في المجتمعات المحلية، الأمر الذي يضطر نساء كثيرات إلى تحمّل العنف الأسري من قبل أزواجهنّ، خوفا من تنديد ذويهنّ بالانفصال ومنعهنّ من رؤية أطفالهنّ. ومع ذلك، بدأت في الآونة الأخيرة تتجلّى ملامح تحرّك تعمل له نساء قوقازيات من أجل حقوقهنّ ومواجهة التقاليد الراسخة في مناطقهنّ منذ قرون.
وعلى الرغم من الرفض المجتمعي قبل الديني للطلاق في شمال القوقاز، فإنّ دراسة حديثة أعدّتها شركة "فين إكسبيرتيزا" الدولية للاستشارات أظهرت أنّ عدد حالات الطلاق في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2021 ارتفع بمقدار 3.5 أضعاف في إنغوشيا و2.7 ضعف في الشيشان و2.1 ضعف في داغستان. وما زالت الشيشان في صدارة الأقاليم الروسية لجهة تفوّق عدد حالات الزواج على عدد حالات الطلاق بنسبة تصل إلى 207.7 في المائة، متخطّية بفارق هائل داغستان التي حلّت في المرتبة الثانية بنسبة 87.7 في المائة.
وبعد معاناتها من العنف الأسري وقرارها الانفصال عن زوجها، واجهت نينا تسيريتيلوفا، امرأة داغستانية من مدينة بويناكسك، مشكلات كثيرة بدءاً من تخلّي ذويها عنها وعدم تقديم المساعدة لها وصولاً إلى انحياز القضاء لزوجها السابق. وقد اضطرت تسيريتيلوفا إلى الانتقال إلى محج قلعة عاصمة جمهورية داغستان لبدء حياة جديدة.
وتخبر تسيريتيلوفا "العربي الجديد": "خُطبت عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري. وصار والدي يضغط عليّ حتى أتزوّج في أسرع وقت، فتمّ ذلك بعد أشهر من إتمامي عامي الثامن عشر. وأنجبت طفلي الأوّل بعد أقلّ من عام، ثمّ أنجبت الثاني". تضيف تسيريتيلوفا: "كنت أتعرّض إلى عنف أسري، لكنّ الجميع كان يحاول إقناعي بأنّ هذا الوضع طبيعي وأنّ أحداً لن يتزوّجني في حال الطلاق. وقيل لي: لن تفسدي الحياة على نفسك فحسب، إنّما على ابنَيكِ كذلك. لذلك استمرّ زواجي ستّة أعوام ونصف العام". وتتابع تسيريتيلوفا: "وبعدما صرت حاملاً للمرّة الثالثة، ازداد الوضع سوءاً، إذ لم يثنِ حملي زوجي عن ضربي بقسوة شديدة. على أثر ذلك، اضطررت إلى مغادرة المنزل، وسافرت إلى محج قلعة حيث استأجرت شقة وباشرت بإجراءات الطلاق لأبدأ حياتي الجديدة".
وحول موقف عائلتها من قرار الانفصال، تقول تسيريتيلوفا: "في أحيان كثيرة، يساعد الأهل ابنتهم المنفصلة عن زوجها في الفترة الأولى. ثمّ يعدّون وصف الحالة الاجتماعية الجديدة، مطلّقة، بمثابة وصمة عار، فيصرّون على مصالحتها مع زوجها، وهكذا تعود الأمور إلى ما كانت عليه لا بل تزداد سوءاً". وتشير تسيريتيلوفا إلى أنّه "عند رفعي دعوى الطلاق، لم يأخذ القاضي طرفي، بل كان يمارس ضغطاً عليّ، منحازاً إلى زوجي السابق ومتضامناً معه"، مؤكدة أنّ "الناس في القوقاز يندّدون بالمطلّقات مهما كان سبب الطلاق. بالنسبة إليهم، إذا طُلّقتِ فأنتِ المذنبة بجميع الكبائر. كذلك ثمّة حالة لامبالاة حيال المطلّقات".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وما فاقم متاعب تسيريتيلوفا هو أنّها انتقلت إلى مدينة أخرى برفقة طفلَين وحاملاً بثالث، بلا موارد مالية للعيش. وتوضح: "واجهت مشكلات مالية ولم أكن أعلم بحقوقي، ولم أحصل على النفقة على الرغم من مطالبتي بها. فلم يتبقَّ أمامي من خيار سوى الذهاب إلى العمل مصطحبة أطفالي الصغار، بمن فيهم الرضيع، وذلك لمدّة أربعة أشهر قبل أن أمرض بسبب الإجهاد الجسدي". ولا تخفي تسيريتيلوفا أنّ "زوجي السابق حاول خطف الأطفال ودهسي وكذلك كسري بشتّى الطرق الممكنة".
في سياق متصل، تشير الصحافية والباحثة المتخصصة في شؤون القوقاز ليديا ميخالتشينكو إلى "سوء الأوضاع المتعلقة بحقوق المرأة في الجمهوريات ذات الأغلبية المسلمة في شمال القوقاز، في مقدّمتها الشيشان وداغستان وإنغوشيا"، محمّلة "السلطات المحلية مسؤولية التساهل مع الانتهاكات التي تطاول المرأة".

نساء في الشيشان (ييلينا أفونينا/ Getty)
السلطات المحلية تتستّر على الانتهاكات بحقّ المرأة في شمالي القوقاز (ييلينا أفونينا/ Getty)

وتقول ميخالتشينكو لـ"العربي الجديد" إنّ "ثمّة مشكلتَين رئيسيّتَين تواجهان نساء شمالي القوقاز، أولاهما الحصول على الطلاق الذي لا يوافق عليه الأئمّة في حالة رفض الزوج. صحيح أنّه من الممكن رفع دعوى الطلاق عبر المحكمة أو إدارة الأحوال المدنية، لكنّ النساء المؤمنات يردنَ إتمام الإجراءات الدينية كذلك، يُضاف إلى ذلك مفهوم خاص للعلاقات الأسرية يفرض على المرأة تحمّل الضرب وعدم مغادرة المنزل الزوجي".
وتتابع ميخالتشينكو: "أمّا المشكلة الثانية والتي تمّ السكوت عنها على مدى أجيال كاملة، فتتعلّق بمنع المطلّقات من رؤية أطفالهنّ. صحيح أنّ المحاكم الروسية، حتى في الشيشان، تنحاز للمرأة في مسألة الأطفال (حضانتهم)، لكنّها لا تستطيع ممارسة حقوقها على أرض الواقع، ويُعزَل الطفل عن أمّه في أحيان كثيرة". وتلفت ميخالتشينكو إلى أنّه "حتى في حال قضت المحكمة ببقاء الطفل مع الأمّ، ويأتي حاجب المحكمة إلى منزل الأب لتنفيذه، فإنّه سرعان ما يتراجع بعد رؤيته صاحب المنزل احتكاماً بحقّ القويّ الذي يعلو هنا فوق القانون".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وترى ميخالتشينكو أنّ "الانتهاكات بحقّ المرأة في شمال القوقاز تجري مع تستر السلطات المحلية عليها"، مضيفة أنّ "حاكم الشيشان رمضان قديروف يروّج صراحة لتعدّد الزوجات ويتساهل مع زواج القاصرات وحتى مع ضرب النساء، وقد دعا إلى إبقاء الأطفال مع الآباء"، مشيرة إلى أنّ "الحال وصلت إلى حدّ قيام رجال روس غير مسلمين بنقل محال إقامتهم إلى جمهوريات القوقاز لإتمام إجراءات الانفصال فيها".
ويُعرف قديروف بتصريحاته ومواقفه المثيرة للجدال، من قبيل انحيازه للزوج في حوادث العنف الأسري، واضعاً مسؤولية "التمسّك بالزواج" على عاتق المرأة، بالإضافة إلى ترويجه المستمرّ لتعدّد الزوجات على الرغم من تعارض ذلك مع القانون الفيدرالي الروسي. أمّا في إنغوشيا، فقد اصطدمت محاولة تقنين تعدّد الزوجات في نهاية تسعينيات القرن الماضي، بإصدار المحكمة العليا الروسية حكماً ببطلانه، مستندة إلى بعض القوانين الفيدرالية، بما فيها قانون الأسرة وانعدام المسوّغات لتقنين تعدّد الزوجات في إقليم بعينه.

المساهمون