الضريح الملكي الموريتاني... قصة حب خالدة في الجزائر

الضريح الملكي الموريتاني... قصة حب خالدة في الجزائر

06 اغسطس 2022
بناء الضريح ما زال لغزاً (العربي الجديد)
+ الخط -

تختزن ولاية تيبازة الجزائرية على ساحل البحر الأبيض المتوسط غرب الجزائر العاصمة العديد من الآثار التي تعود إلى العهد الروماني والكنوز التي تحكي تاريخ البشرية في منطقة البحر الأبيض المتوسط والحضارات المتعاقبة، والتي تحولت على مدار السنوات الطويلة إلى مزار للمؤرخين والباحثين في مجال الآثار لإجراء أبحاث حولها وحول الأساطير التي تحكي عنها، ومن أهم الأماكن الأثرية الضريح الملكي الموريتاني أو ما يعرف محلياً بقبر الرومية.
وعلى جانبي الطريق السريع الذي يربط بين محافظتي الجزائر وتيبازة وأعالي مدينة سيدي راشد يظهر للعيان الضريح الملكي الموريتاني، وهو معلم بحجم الأهرام المصرية بُني على قمّة تلة، ما يجعله مرئياً على بعد عشرات الكيلومترات. وما زال بعد أكثر من ألفي سنة على بنائه شامخاً ويختصر مرحلة مهمة في تاريخ البشرية وهي حضارة البحر الأبيض المتوسط، على الرغم من أن البناء لم يكشف عن حقائقه وأسراره كاملة إلى اليوم. وما زالت الألغاز قائمة حول طريقة بنائه والدافع الرئيسي لذلك والعناصر التاريخية المرتبطة بهذا الإنجاز الهندسي العجيب الذي فاق في هندسته روعة وذكاء الفراعنة في التصميم بتقنيات وإمكانات مادية شبه منعدمة في ذلك الوقت. كما يبقى هذا البناء مثار جدل وبحث داخل المجتمع العلمي، وخصوصاً بين الباحثين في علم الآثار والتاريخ القديم.

وعلى الرغم من الزيارات الكثيرة التي أعدّها باحثون في علم الآثار من خلال الحفر وتنظيم زيارات علمية لباحثين أوروبيين خبراء في هذا المجال، وخصوصاً الكشف عن الحقائق التاريخية للآثار القديمة، فإنهم لم يستقرّوا على فرضية واحدة لحل لغز البناء وتصميمه والتقنيات التي استخدمت آنذاك وموقع الحجارة التي بُنيت بها، وسبب اختيار الشكل الدائري في التصميم، بالإضافة إلى السبب الحقيقي الذي دفع يوبا الثاني؛ وهو ملك أمازيغي وابن يوبا الأول (ملك نوميديا)، إلى إنجاز هذا الصرح التاريخي.
ويقول المتخصص في علم الآثار في جامعة تيبازة يوسف سعيداني؛ وهو ابن مدينة سيدي راشد، إن العلماء أجمعوا على رواية قد تكون أقرب إلى الحقيقة، استناداً إلى أبحاثهم والروايات والكتب القديمة التي تطرقت إلى الموضوع، موضحاً أن "أقدم نص وصل إلينا عن هذا المبنى هو لمؤلف جغرافي لاتيني يدعى بومبونيوس ميلا في كتابه طعم فرعوني، والذي يعود تأليفه إلى حوالي أربعين عاماً ما قبل الميلاد، أي عهد استيلاء الرومان على المملكة الموريطنية وتحويلها إلى ولاية رومانية".
يتابع سعيداني أن المؤرخين ومنذ بداية القرن الـ 20 اختلفوا حول بعض الحقائق؛ فمنهم من يفضّل إلحاق الضريح بالملك يوبا الثاني، ومنهم من يرجح بنائه قبل ذلك بكثير. ويرى المؤرخ المشهور رومانيلي أن القبر بني في القرن الخامس أو السادس قبل الميلاد على منوال الضريح المستدير الذي بناه الإمبراطور هادريان في روما، أي على شكل مخروط مدرج محاط بـ 60 عموداً تنتهي بتيجان أيونية، ويحتوي الضريح على 4 أبواب وهمية يبلغ ارتفاعها 6 أمتار وعليها نقوش بارزة على شكل صليب، مما ساهم في تسميته قبر الرومية.
يضيف أن التنقيبات الأثرية الأهم تعود إلى عام 1555 حين أقدم الباشا صالح على تدمير الضريح بغية الحصول على الكنوز واستعان بمدفع، الأمر الذي ألحق أضراراً بالباب الوهمي الشرقي. أما الحفريات الأولى المنظمة، فقد أجريت ما بين عامي 1865-1866 بإشراف الباحث "باربارغر" والذي كان يشغل منصب مفتش عام للآثار بالجزائر على نفقة الإمبراطور نابليون الثالث، فقد حاول الأخير البحث عن غرفة الدفن واستخدم في ذلك مسبراً مثل الذي يُستعمل في حفر الآبار. وبعد جهود متواصلة لمدة 4 أشهر، سقط المسبر فجأة، فاستنتج هذا الأخير أن الضريح فارغ من الداخل، فقرر حفر نفق تحت الباب الوهمي الجنوبي ليكتشف لأول مرة دهليزاً دائرياً واسعاً يؤدي إلى غرفة مركزية.
يختزن هذا المعلم التاريخي قصة حب تاريخية وفريدة من نوعها، فإذا كان نبوخذ نصر الثاني (ثاني مُلوك الإمبراطورية البابلية الحديثة) قد بنى حدائق بابل المعلقة في العراق تكريماً لزوجته، أو الإمبراطور المغولي شاه جيهان قد بنى لزوجته ممتاز تاج محل في الهند، فقد فضّل الملك الأمازيغي يوبا الثاني أن يقدم لزوجته كليوباترا سيليني؛ ابنة ملكة مصر كليوباترا الفرعونية، هدية تبقى خالدة على مر العصور وشاهداً على مكانتها في قبله إلى الأبد. وكان يتمنّى أن يدفنا معاً حتى لا يبتعدا حتى خلال الموت. وهذه القصة خلّدت لعلاقة عائلية تاريخية جمعت بين الأمازيغ في الجزائر والفراعنة في مصر قبل الميلاد بـ 40 عاماً، كما يقول المؤرخون.
وخلال الأزمة الأمنية التي شهدتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، أقدمت السلطات الجزائرية على إغلاق الضريح الملكي الموريتاني خوفاً من أي عمل تخريبي من قبل الجماعات الإرهابية، وأعيد فتحه أمام الزوار بعد استتباب الأمن، وبات مقصداً للسياح المحليين والأجانب والعائلات التي ترغب في التعرف إلى الكنوز والاستماع إلى المعلومات التي يقدمها المتخصصون والتمتع بزرقة البحر والغابات المحيطة بالموقع والاستمتاع بنسمات الهواء المنعشة وتناول وجبة الفطور في أحضان الطبيعة. 

ويعاني هذا الموقع من قلة الاهتمام الرسمي به، على غرار الكثير من المناطق الأثرية في الجزائر، ويبدي كثير من الزوار الأسف بشأن الوضع الذي آل إليه هذا الموقع الأثري من بعض النواحي. ويقول فريد الذي قدم من فرنسا برفقة عائلته لقضاء عطلة الصيف في ولاية تيبازة الساحلية إن "مثل هذه المواقع في أوروبا تحظى باهتمام خاص وكلفة الدخول إليها تتراوح ما بين 10 و30 يورو، في وقت تملك الجزائر هذا الموقع الرائع الذي يتم الدخول إليه مجاناً. إلا أن الحكومة لا تحسن استغلاله لاستقطاب عدد كبير من السياح". 
من جهته، يقترح صديقه موسى تحويل المنطقة القريبة من الموقع إلى منطقة سياحية وإنجاز فندق جميل مطل على البحر مع ملاعب ومدينة ألعاب يمكن لها أن تتحول إلى مورد اقتصادي مهم للمنطقة.

المساهمون