اللحم الحلال "حرام" في مدارس الدنمارك

اللحم الحلال "حرام" في مدارس الدنمارك

26 أكتوبر 2017
الأهل وحدهم من يقررون طبيعة الطعام المقدم للأطفال(العربي الجديد)
+ الخط -
الجدل حول الطعام المقدم في مؤسسات تربوية دنماركية للأطفال يتخذ وجهة الحلال والحرام، ويستغله الشعبويون

تحولت مرة أخرى وجبات طعام الأطفال في مؤسسات الرعاية النهارية في الدنمارك إلى جدل ضمن الحملات الانتخابية المحلية التي تشهدها البلاد. آخر الجدل وعود بـ"تحريم اللحم الحلال" بحسب ما ذهب إليه مرشح لعمدة بلدية هورسنس الثلاثاء الماضي.

ليس بعيداً عن بلديتي آرهوس وراندس وسط البلاد، حيث تثير منذ أشهر مسألة تقديم "الحلال" لأطفال من أصول مسلمة جدلاً واسعاً، تعهد مرشح عمدة مدينة هورسنس عن "حزب الشعب" المعادي للمهاجرين بجعل تقديم اللحم الحلال "حراماً" على دور رعاية الأطفال. قال مرشح الحزب كلاوس كفيست هانسن إنّ إطعام الأطفال لحماً مذبوحاً على الطريقة الإسلامية خاطئ. اعتبر هانسن أنّ هذه المسألة "تسبق في الأولوية مناقشة قضايا سياسية باعتبارها حالات ملموسة تتعلق بالمجتمعات المحلية". وتجري الدنمارك انتخابات محلية في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

بالرغم من الضجة التي يثيرها اليمين الدنماركي في مناسبات عديدة، سواء تعلق الأمر بانتخابات أم بجدل مجتمعي عام حول المهاجرين، فإنّ هذا الجدل بحسب ملاحظة مراقبين محليين "لا يقترب كثيراً من الكوشير اليهودي الذي يقدم أيضاً على أنّه حلال بعيداً عن لحم الخنزير" بحسب ما يذكر التربوي مارتن يورغنسون الذي يعمل مع أطفال مسلمين.

ولا يترك اليمين المتشدد في الدنمارك مناسبة للضغط على المؤسسات الدنماركية كي تقدم فقط "لحم الخنزير كما هو معتاد في البلاد ومنع أخذ الأطفال المسلمين بعين الاعتبار بشراء اللحم الحلال لهم" وفقاً لما ينشر حزب الشعب بشكل متكرر في أدبياته ودعايته السياسية في المجتمع الدنماركي. وبالرغم من أنّ حزب الشعب الدنماركي يتقدم في الاستطلاعات التي تسبق الانتخابات البلدية، وكذلك يتفوق في قوائم أكبر الأحزاب البرلمانية ليتجاوز كلّ الأحزاب المحافظة واليمين التقليدي ليحلّ ثانياً بعد يسار الوسط ممثلاً بـ"الاجتماعي الديمقراطي" بأكثر من 18 في المائة من الأصوات المتوقعة، إلا أنّ للدنماركيين العاديين رأياً مختلفاً.

في الدنمارك يجري تقديم الوجبات، خصوصاً وجبة الغداء، في سياق دفع الأهل تكليف رعاية الأطفال في المؤسسات النهارية البلدية، من رياض أطفال وحضانات. وينص القانون الذي يحكم العلاقة أن "تكون المؤسسات مسؤولة عما تقدمه من طعام بشكل مستقل ومن دون تدخل بلدي وسياسي".

يأتي هذا الجدل بعد أشهر من افتعال الحزب نفسه أزمة في مدينة راندس بعد تزايد الأطفال اللاجئين الملتحقين بمؤسسات الرعاية النهارية، وتزايد الطلب على اللحم الحلال المقدم فيها. وكان المجلس البلدي في تلك المدينة التي تقع على بعد 40 كيلومتراً من العاصمة الثقافية للبلاد آرهوس تبنى قراراً يقول بأنّ "ثقافة الطعام الدنماركي يجب أن تكون جزءاً من ثقافة مؤسسات البلدية" جاعلاً من وجبة لحم الخنزير "واجبة".

كذلك، قرر الحزب بناء نصب تذكاري في المدينة رفع فيه كتلة لحم "فراكديللا" وهي الوجبة الشعبية الوطنية الدنماركية، وتطهى من كرات لحم الخنزير المفروم مع البصل، وتقلى وتقدم مع البطاطا المسلوقة والصلصة، كتعبير عن التمسك بالوجبة الوطنية. وربطت صحف ومواقع عالمية عام 2016 بين هذا النصب و"كراهية الإسلام".



أثار هذا التصرف نقاشاً وجدلاً واتهامات سياسية وشعبية للمجلس البلدي في راندس اعتبر البعض فيها أنّه ينم عن "حملة تخويف" ومحاولة "جذب أصوات ناخبين". وبالفعل، نجح هذا الحزب في إقحام السياسيين، خصوصاً رئيسة البرلمان من الحزب نفسه بيا كيرسغوورد التي تخطت دورها البرلماني وأعلنت عن تأييدها تقديم الوجبة للأطفال بغض النظر عن ديانتهم، بالرغم من تأكيد المجلس البلدي أنّه "لن يجبر أحدا على تناول لحم الخنزير".

من جهتهم، اعتبر تربويون هذا القرار "غير صائب وغير تربوي إذ سيضع فئة من الأطفال تحت ضغوط نفسية ويدفع بهم نحو التهميش أثناء تناول وجبة الغداء". تقول التربوية بيرغيتا سورنسن لـ"العربي الجديد": "هذا الجدل يعبر عن عقول مريضة، فيمكنك طهي نفس الوجبة الشعبية من لحم العجل وشراء اللحم الحلال من المجازر المنتشرة. من غير المفهوم كيف يصر هؤلاء السياسيون على التدخل في ما لا يعنيهم، فالوجبة ليست من تخصصهم، وعليهم الالتفات إلى قضايا أكبر، وليس تنصيب أنفسهم حماة للتقاليد الدنماركية التي يحفظها المجتمع بكلّ تعدديته".

كذلك، أثار هذا الجدل الشارع الدنماركي الذي عبر في تعليقات على صفحات القناة الرسمية التلفزيونية "دي آر" عن رفضه تدخل السياسيين في ما تقدمه مؤسسات الرعاية من طعام. واعتبرت أغلبية المعلقين أنّ "الأهل وحدهم من يقررون طبيعة الطعام المقدم للأطفال".

وفي الاتجاه نفسه، رفضت كلّ من نقابة التربويين وجمعية أولياء الأمور كلّ هذا الجدل: "الأمر عائد للمؤسسات وإداراتها وليس لسياسيين لا يفقهون شيئاً في الأمور التربوية ولا يملكون قدرات مهنية حتى في كيفية الحفاظ على صحة الأطفال ومصالحهم" وفقاً للتربوي دانيال ميك نيلسن.

دلالات