نكبة جديدة في رفح

نكبة جديدة في رفح

04 يناير 2015
العائلات على جانبي رفح كانت تتواصل من خلف السياج(الأناضول)
+ الخط -
بالكاد يستطيع أبو منذر برهوم الذي يسكن في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، التواصل عبر الهاتف مع شقيقه المقيم في رفح المصرية، علماً أنه يفصل بينهما سياج حدودي. يحمل أبو منذر الجنسية الفلسطينية، لكن شقيقه عاصم مصري الجنسية بحكم الجغرافيا والسياسة والواقع المعقّد في تلك البقعة. منزله داخل الأراضي المصرية كان يقع على بعد أمتار فقط من بيت شقيقه في غزة.

قبل فترة قصيرة، بدأ الجيش المصري إقامة منطقة عازلة بين المدينتين. بموجب ذلك، تم هدم وجرف مئات المنازل. أجبر القاطنون بالقرب من الحدود على الرحيل، من بينهم عاصم. أيضاً، تم تدمير شبكات الهاتف داخل رفح المصرية، فلم يعد التواصل ممكناً بين الأقارب على جانبي الحدود، كما يقول أبو منذر لـ"العربي الجديد". يؤكد أنه قليلاً ما كان يتمكن من سماع صوت شقيقه قبل أن ينقطع الاتصال.

يجهل الرجل الخمسيني ما حل بشقيقه وأسرته. يقول إنه في آخر مكالمة جمعتهما، علم أنه رحل كغيره إلى منطقة الشيخ زويّد البعيدة عن السياج الحدودي. استقر مؤقتاً عند أحد الأقارب، بانتظار العثور على منزل مناسب لاستئجاره. فبيته لم يعد موجوداً. يتساءل: "كيف يمكن ترحيل سكان مدينة بأكملها، بعد هدم منازلهم عنوة، من دون أي مبرر أو سبب مقنع؟".

التجول على طول الشريط الحدودي الفاصل يظهر حجم الكارثة التي حلّت بالشق المصري الذي لطالما كان آمناً بالمقارنة مع رفح الفلسطينية، التي تتعرض للقصف من حين إلى آخر. إلا أن الصورة تغيرت الآن تماماً. انتقلت المعاناة إلى الجزء المصري. يمكن رؤية آليات عسكرية تزيل المنازل وتجرفها، فيما تحمل العائلات التي أجبرت على ترك منازلها حاجياتها الأساسية، وتتجه نحو مناطق بعيدة.

في أماكن أخرى، صارت الأرض جرداء. يمكن القول إن معالم الحياة اختفت تماماً، على الرغم من أنها كانت قبل فترة وجيزة فقط عامرة بالسكان. كان يمكن للفلسطينيين القاطنين في غزة رؤية تفاصيلها، وإن كان السياج الحديدي يحرمهم من اللقاء، خاصة بعدما تم تدمير الأنفاق التي تربط بين الجانبين.

لا تختلف قصة سالم قشطة عن أبو منذر. هو أيضاً يسكن في الجانب الفلسطيني، فيما يقيم أقاربه في الجانب المصري. وبطبيعة الحال، يحملون الجنسية المصرية. يقول إن التواصل لم ينقطع أبداً، على الرغم من السياج الحدودي المُحكم الإغلاق الذي قسّم المدينة بموجب اتفاقية "كامب ديفيد" الموقعة بين مصر وإسرائيل. يضيف لـ"العربي الجديد": "صحيح أننا أصبحنا فلسطينيين بينما أقاربنا هناك مصريون، لكن هذا لم يغير من واقع الحال. على مدى أكثر من 30 عاماً، كان التواصل موجوداً من خلال الأنفاق، أو حتى بالطرق الرسمية من خلال السفر عبر معبر رفح. وفي أسوأ الأحوال من خلال التخاطب عن بُعد من خلف السياج".

ما جرى ويجري للسكان في مدينة رفح المصرية لم يضايق أقاربهم ومحبيهم فقط، بل أدى إلى مشاكل أخرى وقع ضحيتها آخرون ممن لا أقارب لهم. محمد أبو الخير الذي يقطن في منطقة بوابة صلاح الدين، تضرر منزله جراء عمليات التفجير المستمرة للمنازل، وتشققت جدرانه حتى بات آيلاً للسقوط. يشرح المواطن الغزاوي لـ"العربي الجديد" معاناته قائلاً: "عمليات التفجير للمنازل داخل الأراضي المصرية لم تكن لتتوقف. ومع مرور الوقت، بدأت جدران منزلي في التشقق بسبب شدة الهزات التي تحدثها عمليات التفجير. كما أن الغبار والأتربة التي تنتج عن تلك العمليات زادت من معاناتنا، ودفعت بعض العائلات الفلسطينية إلى مغادرة المنطقة بشكل مؤقت إلى حين توقف عمليات التفجير". يبقى أن أكثر ما يضايق العائلات القاطنة على جانبي الحدود هو صعوبة التواصل.

أسلاك شائكة.. وشرخ
بعد الانسحاب الإسرائيلي من سيناء عام 1982 بموجب اتفاقية "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل، قسمت مدينة رفح وتم فصل جزأيها بالأسلاك الشائكة. وجد بعض الأهالي أنفسهم داخل الأراضي المصرية، وبعضهم الآخر داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. هذا التقسيم أحدث شرخاً كبيراً وألحق ضرراً معنوياً بالسكان، الذين سعوا جاهدين إلى عدم قطع التواصل.