غزّة يتيمة

غزّة يتيمة

15 أكتوبر 2014
يوجد معهد واحد لرعاية الأيتام في غزة (العربي الجديد)
+ الخط -
لم يقضِ الاحتلال الإسرائيلي، خلال عدوانه الأخير على قطاع غزة، على الأخضر واليابس فقط. لم يشرّد الكثير من العائلات ويتركهم في العراء. فعل ما هو أكثر بشاعة. أفقد الكثير من الأطفال آباءهم وحتى أمهاتهم. صاروا أيتاماً بين ليلة وضحاها. لم يتّسع لهم الوقت للبكاء بعدما وجدوا أنفسهم أمام مسؤوليات تكبرهم بسنوات.

استشهد والد رنا الطني (11 عاماً) وآلاء (9 أعوام) وعائشة (6 أعوام) وأحمد (4 أعوام) في عدوان عام 2012. لم يتوقعوا ذلك. كانوا أنانيين حالهم حال جميع البشر. كانوا على يقين أن الموت لن يقترب من عائلتهم. لكنه اقترب أكثر من اللازم. خذلهم. لم تنته القصة هنا. الحياة كانت تُخبّئ لهم المزيد. قتل الاحتلال والدتهم خلال العدوان الأخير على القطاع. انتقلوا للعيش في منزل الجدة التي باتت مضطرة للعمل ليل نهار لتأمين مصاريفهم.

طرقت الجدة أبواب عدد من الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي عمدت بدورها إلى مساعدتهم من خلال تأمين بعض المواد التموينية والملابس. لكن حتى الآن، لم تعمد أي جهة إلى تبنيهم. تقول الجدة إصلاح الطنى (60 عاماً) لـ"العربي الجديد": "في الوقت الحالي لا يوجد أحد يرعى الأيتام في الجمعيات أو المؤسسات. حين كنت أطرق باب هذه الجهات، كنت أجد الكثير من الطلبات. جميعنا ننتظر الفرج، لكن لا أمل في الأفق".

عائلة أخرى ساهم الاحتلال الإسرائيلي في تفرقتها. تمكث ليلى جودة (10 أعوام) وشقيقها مؤمن (8 أعوام) في منزل عمهما، بعدما استشهد والدهما خلال العدوان الأخير، وأصيبت والدتهما بـ"شلل نصفي"، وباتت عاجزة عن رعايتهما.

تقول الأم لـ"العربي الجديد"، وهي ترقد على سريرها داخل منزلها المدمر بشكل جزئي: "لم أعد أستطيع الحراك لأطلب المساعدة لأطفالي الأيتام. لولا عمهما لما استطعت تدبّر الأمر". تضيف أن "باحثة اجتماعية أضافت اسمي طفليّ إلى لائحة الأطفال الأيتام الذين يحتاجون إلى كفالة، لكن لم تعطني أملاً بسبب العدد الكبير".

تتمنى ليلى أن تعيش كأي طفلة مع والدتها. ترفض العيش في الملاجئ المخصصة للأيتام. تقول لـ"العربي الجديد": "لا أريد العيش مع أحد غير أمي. لا أريد أن تأخذوني لأنام مع الأطفال الأيتام في المعهد. أتمنى لأمي أن تشفى وترجع كما كانت. تساعدنا على ارتداء ملابسنا وتأخذنا إلى المدرسة". لكن الأم لن تعود كما كانت. أقله في المدى المنظور. هي بحاجة إلى علاج مكثّف قد يستغرق عامين. لكنها لم تصارح طفليها بحقيقة وضعها.

الأمل
معهد الأمل للأيتام في غزة هو المكان الوحيد الذي يؤوي الأيتام ويتكفّل بمصاريفهم. لكنه في الوقت الحالي، يعاني أزمة كبيرة في ظل استمرار الحصار. وقد تفاقمت أزمته بعد العدوان الأخير على القطاع، بفعل زيادة طلبات الرعاية، بعدما فقد الكثير من الأطفال آباءهم خلال العدوان.

في السياق، يُؤكّد المدير التنفيذي للمعهد إياد المصري لـ"العربي الجديد" أن "المعهد يُعاني من أزمة ترجع إلى عشر سنوات خلت، وتتفاقم عاماً بعد عام، بسبب قلة كافلي الأيتام". يُضيف: "يضمّ المعهد 120 يتيماً، نؤمن لهم الرعاية الكاملة التي تشمل الإقامة والطعام والتعليم حتى سن البلوغ. كذلك، يتكفّل بمصاريف 400 يتيم خارج المعهد". ويحذر من "استمرار نقص التمويل إذ نعاني في الوقت الحالي لتأمين جميع مصاريف الأطفال. وهناك عشرات الطلبات التي يستقبلها المعهد بشكل يومي بعد العدوان. ومن المتوقع أن يزداد عددها حتى نهاية العام، مما يجعل مستقبل الكثيرين مجهولاً في حال استمرار الأزمة".

ويتابع المصري لـ"العربي الجديد": "لا نقدم الخدمات لمن هم دون الخمس سنوات بسبب قلة الإمكانات ونقص التبرعات الخارجية".

العدوان خلّف 2000 يتيم

شنت إسرائيل في السابع من يوليو/تموز الماضي حرباً على قطاع غزة استمرت 51 يوماً، وأسفرت عن مقتل 2159 فلسطينياً، وإصابة أكثر من 11 ألفاً آخرين، بحسب مصادر طبية فلسطينية. ويُؤكّد المدير التنفيذي لمعهد الأمل للأيتام إياد المصري أن "في قطاع غزة 20 ألف يتيم، وقد خلّف العدوان الأخير 2000 يتيم بحسب إحصائيات وزارة الشؤون الاجتماعية، ولا يزال كثيرون منهم ينتظرون الرعاية".