التحرش في مصر: لا نهاية للكابوس

التحرش في مصر: لا نهاية للكابوس

09 يناير 2020
لا للتحرش (أحمد اسماعيل/ الأناضول)
+ الخط -
شهدت محافظة المنصورة في دلتا مصر تحرّشاً جنسياً جماعياً بفتاتين، تزامناً مع صدور أغنية حديثة لفنان مصري يدعى تميم يونس عنوانها "عشان تبقي تقولي لأ"، ما اعتبره البعض تحريضاً على مزيد من العنف ضد المرأة. ووقعت الجريمة ليلة رأس السنة، وقد انتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر تحرشاً جماعياً بفتاتين في الشارع خلال احتفالات رأس السنة. ومع الانتشار الكبير للفيديو، شكّل فريق بحث من مجموعة ضباط تحفّظوا على كاميرات المراقبة الموجودة في المنطقة وحدّدوا هوية الفتاتين، وألقوا القبض على مجموعة من المتحرشين.

وخلال الأيام القليلة الماضية، تناقل ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي ما حدث، وأعرب كثيرون عن رفضهم العنف الموجه في أغنية "عشان تبقي تقولي لأ"، معتبرين أن مثل هذا النوع من الفن يساهم في أحداث مماثلة. وفي ما يتعلق بفتاتي المنصورة، تنازلت إحدى الفتاتين عن رفع دعوى ضد المتحرشين بعد مفاوضات مع أهاليهم، وأخلت نيابة المنصورة سبيل 7 من الشبان المتحرشين. أما الفتاة التي رفضت التنازل، فأعلنت أن المتهمين أطفال، فيما المتهمون الحقيقيون في واقعة التحرش ما زالوا خارج السجن.

من جهته، أصدر تميم يونس توضيحاً على حساباته الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، يؤكد فيها أن الأغنية تدور حول السخرية من رد فعل بعض الشباب على رفض المرأة لهم، وليس فيها أي تحريض على العنف ضد النساء.



هدأت ثورة مواقع التواصل الاجتماعي ضد تميم يونس بعد التوضيح، وخفت الحديث عن واقعة التحرش الجنسي بفتاتي المنصورة، وإن كان الواقع في البلاد يشهد على عشرات وربما مئات من جرائم التحرش الجنسي يومياً بحق فتيات ونساء وأطفال. ويبقي السؤال: "لماذا لم يتم إيقاف سوى ثلاثة شبان فقط للدفاع عن فتاتي المنصورة، بحسب شهادتيهما، في وقت بقي المئات متفرّجين أمام هذه الجريمة من دون أدنى محاولة لمنع حدوثها؟".

قبل أقل من ثلاثة أشهر في محافظة المنوفية التي تبعد عن المنصورة نحو 65 كيلومتراً، دافع شاب يدعى محمود البنا (18 عاماً) عن فتاة تحرش بها عدد من الشبان في أحد شوارع مدينة تلا في محافظة المنوفية، فنصب المتحرشون فخّاً لمحمود البنا للانتقام منه، وقتلوه بسلاح أبيض أثناء سيره في الشارع، وأسرعوا ناحيته وسددوا له طعنات عدة وتركوه ينزف وفرّوا هاربين.

ووجهت النيابة العامة إلى كلّ من محمد أشرف راجح، وإسلام عاطف عواد، ومصطفى محمد الميهي، وإسلام إبراهيم البخ، تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، بعدما أصابوا البنا بجرح في الفخذ الأيسر، وآخر أسفل عينه اليسرى. وفي 22 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أصدرت محكمة جنايات الطفل المنعقدة في مدينة شبين الكوم في محافظة المنوفية حكماً بمعاقبة المتهم محمد أشرف راجح بالسجن مدة 15 عاماً، لإدانته بقتل المجني عليه محمود البنا المعروف إعلامياً بـ"ضحية الشهامة" يوم 9 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وشمل الحكم معاقبة متهمين آخرين بالسجن المدة نفسها، لإدانتهما بالاشتراك في تلك الواقعة، ومعاقبة متهم رابع بالسجن خمس سنوات. وأصبح التحرّش الجنسي جزءاً من حياة كل فتاة وامرأة مصرية. وأعلنت هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة أن نحو 99 في المائة من النساء المصريات تعرضن لشكل من أشكال التحرش الجنسي، بحسب دراسة أجرتها عام 2018. ولا تكُفّ التقارير المحلية والعالمية عن الإشارة إلى المعدلات المخيفة للقضايا المجتمعية في مصر، وكان آخرها الصادر عن مؤسسة "تومسون رويترز"، وجاء فيه أن القاهرة من أكثر المدن خطورة على النساء، بل وتحتل مصر المركز الأول عالمياً في ظاهرة التحرش الجنسي، بحسب دراسات وأبحاث عدة داخل مصر وخارجها.

واقعة "ضحية الشهامة" لاقت تفاعلاً كبيراً جداً على مواقع التواصل الاجتماعي، وانتشر وسما "راجح قاتل" و"الاعتدا لراجل" على منصات التواصل الاجتماعي منذ واقعة قتل محمود البنا إلى ما بعد صدور الحكم.

وأشادت دراسة حديثة صادرة في إبريل/ نيسان عام 2019، عن مؤسسة المرأة الجديدة "متون"، بمساهمة حركة التدوين وشبكات التواصل في رصد وتحليل دور التكنولوجيا وتحديداً المدونات وشبكات التواصل الاجتماعي في تمكين الشباب من الجنسين في مناهضة العنف ضد النساء.



وتشير الدراسة إلى دور شبكات التواصل الاجتماعي في كشف وتوثيق شهادات العنف الجنسي. وتحتلّ مصر المركز الثاني عالمياً في ظاهرة التحرش الجنسي، بحسب دراسات وأبحاث. وعلى الرغم من بعض التعديلات التشريعية في 5 يونيو/ حزيران عام 2014، المتعلقة ببعض أحكام قانون العقوبات لتوسيع تعريف جريمة التحرش وتشديد العقوبة على من تثبت إدانته بها، إلا أن تلك الاحترازات لم ولن تمنع ظاهرة التحرش الجنسي في الشوارع والميادين والمنتزهات، وإن كانت تتصدى لبعضها بحكم القانون.

وتنص المادة 306 مكرر (أ) من قانون العقوبات على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية".