ألمانيا تخشى آثار العنصرية جراء مقتل لاجئ إرتيري

ألمانيا تخشى آثار العنصرية جراء مقتل لاجئ إرتيري

16 يناير 2015
مظاهرة ضد حركة بيغيدا الألمانية (GETTY)
+ الخط -


لم يكن الشاب الإرتيري، خالد إدريس بحراي (20 سنة)،  يتخيل  أن تكون نهايته داخل بركة من الدماء في مدينة درسدن شرقي ألمانيا، بعد نجاته من ركوب البحر المتوسط لاجئا من بلاده.

خرج بحراي متجها إلى سوبرماركت يبعد عن مكان سكنه نحو دقيقتين سيرا على الأقدام، الإثنين ليلا، ليعثر على جثته يوم الثلاثاء الماضي، مضرجة بالدماء نتيجة طعنات عدة في رقبته وصدره.
وأشعل مقتل المهاجر الشاب النقاش حول العنصرية في ألمانيا، فمن جهتهم يبدو اللاجئون شبه متأكدين أنه قتل على أيدي عنصريين، بينما ينفي اليمين المتطرف التهمة.
ما يخشاه كثيرون هو أن تثبت صحة موقف هذا الطرف أو ذاك. فلو تبين أنه قتل بفعل عنصري فسيزيد الأمر التوتر كثيرا، بينما لو ثبت أنه قتل "نتيجة عنف لاجئين متبادل"، بحسب ما يدعيه اليمين، فإن ذلك سيجعل من حركة "بيغيدا" اليمينية ضحية لاتهامات ويقوّي من ادعاءاتها بأن "اللاجئين ليسوا سوى مجرمين".
ورغم أن من وجده قال في شهادته لموقع "موبو24": "كان المشهد فظيعا حين رأيته يغرق في الدماء"، إلا أن الغضب اشتعل حين قالت الشرطة عبر متحدثها لصحيفة "سوددوتشه زايتونغ" يوم الأربعاء: "في الموقع لم نجد أي شيء يدل على وقوع عنف".
الشرطة كانت تعتقد أن الشاب المطعون في قلبه وصدره ربما توفي "نتيجة مرض أو وقوع أو محاولة انتحار".

ولسبب ما ذهبت الشرطة الألمانية نحو استفزاز جالية إرتيرية يبلغ تعدادها حوالى 35 ألفا، إلى تعويم موت شاب سار من منزله إلى السوبر ماركت ليشتري حاجاته ويعود.
استخفاف الشرطة ساهم في إشعال الغضب، فالأمر أزعج ساسة محليين ووسائل إعلام وجاليات أخرى في ألمانيا، وهو غضب من أن تتزايد عمليات الاعتداء وموت المهاجرين مع تصاعد نبرة وتحريض اليمين.
لم يمض سوى يومين، حتى عاد مدير شرطة درسدن ليعترف بأن الحديث يجري عن "عملية قتل"، رغم أنه يقول أن الدوافع غير معروفة بعد ولا يعرف كيف تمت عملية القتل.
التصريح لم يخفف الغضب، بل يرى كثيرون أن مدير الشرطة "صب الزيت على النار"، خصوصا أن بعض رفاق خالد من جاليته الإرتيرية مع نشطاء ألمان يعتبرون القتل "بدافع عنصري".
اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي متهمة الشرطة بالتقصير ومحاولة التغطية على القضية، ربما لأنه "مجرد لاجئ ولأنها تخاف من إشعال نار العنصرية إن اعترفت بذلك"، حسبما يقول المنتقدون لارتباك الشرطة في درسدن.
يقول لطيف لـ"العربي الجديد" عبر الهاتف من درسدن: "الواضح أن الشاب ليست لديه مشكلة مع أحد، الجو العام مشحون ضدنا نحن الأفارقة والأجانب عموما. لقد أشعلت الشرطة وبرودة تعاطيها مع القضية غضب كثيرين".
ويربط لطيف بين قتل خالد والمظاهرة اليمينية التي شهدتها المدينة بدعوة حركة "بيغيدا"، الداعية لوقف أسلمة الغرب، ومشاركة أكثر من 25 ألف شخص فيها، مساء الإثنين، أي ليلة مقتل خالد. ويضيف: "تجنبنا الخروج وقت المظاهرة، لكن شيئا ما كان يشير إلى حدوث شيء مع وجود من يشبهون النازيين الجدد في تلك الليلة".

ما يفاقم الوضع في درسدن هو التعبيرات العنصرية التي تصدر عن معلقين على مقتل الشاب خالد، فقد ذهب بعض المعلقين على صفحة فيسبوك لموقع "موبو24" الإخباري إلى القول: خالد أصلا ليس أكثر من "بيمبو". وبيمبو هو وصف عنصري للاجئين من أصل أفريقي. وعلق البعض الآخر: بالتأكيد كان يتعاطى المخدرات فوقع من النافذة ومات. بينما كتب آخرون بفرح: لقد نقص اللاجئون واحدا.
مؤيدو حركة "بيغيدا" لم يعجبهم اتهام حركتهم بقتل الشاب الإرتيري فكتبوا: هل إذا دهس أحدهم قطة في الغد ستتحمل الحركة مسؤولية ذلك؟

تاريخ من العنصرية

تصرفات الشرطة تذكر كثيرين بما حصل في ألمانيا على مدى سنوات طويلة من العنف (2000 - 2011) الذي أدى إلى مقتل أكثر من 11 أجنبيا، جلهم من الأتراك، دون أن تتعامل الشرطة جديا مع إعدامهم بمسدسات بكواتم صوت، إلا حين تم إلقاء القبض على أحد القتلة في 2011 بمحض الصدفة إثر سطو مسلح فاشل على أحد البنوك.
حينها وقفت أنجيلا ميركل تعتذر في 2012 أمام 1200 مدعو في قاعة الموسيقى ببرلين، بعد أن كانت الشرطة الألمانية تتعامل مع هؤلاء الأهل كمشتبه فيهم دون ملاحقة عصابات اليمين المتطرف الذي استمر بالقتل على مدى 15 سنة قبل اكتشاف شبكتهم.
ما يخشاه الأجانب في ألمانيا أن يكون حادث مقتل الإرتيري خالد إدريس بحراي مقدمة لأعمال عنف.
بعض الألمان من معسكر اليسار ونشطاء حقوق الإنسان يأخذون تقدم اليمين بكل جدية خشية من انفلات الأمور في مجتمعهم وانجرار البعض نحو ردود أفعال ليست جيدة، ولهذا تجمع مساء الأربعاء نحو 200 شخص في مظاهرة في درسدن للتنديد بمقتل خالد، ودعوا إلى مظاهرة يوم السبت في المدينة لمعارضة حركة "بيغيدا".

دلالات