الأشجار المثمرة مهرب السوريين من برد الشتاء

الأشجار المثمرة مهرب السوريين من برد الشتاء

05 يناير 2015
الحطب يحتاج لجهد كبير بقطعه ونقله(عبد دوماني/ فرانس برس)
+ الخط -
في مدينة دوما، أكبر مدن محافظة ريف دمشق، اضطر قاسم، مع بدء فصل الشتاء، إلى فك الأبواب الخشبية الداخلية لمنزله، واستبدالها بستائر بسيطة، فيما استخدم الأبواب في تدفئة أطفاله الثلاثة. هو عاطل عن العمل منذ أكثر من ستة أشهر، فقد بترت ساقه بشظايا صاروخ سقط على مكان عمله. واليوم، يعتمد على زوجته التي تعمل في حياكة الملابس الصوفية، وتبيعها بأسعار رمزية داخل مناطق الغوطة.

يقول الرجل الأربعيني، لـ"العربي الجديد": "ازداد الوضع صعوبة بعد تركي لعملي، ويوماً بعد يوم نشهد ارتفاعاً في أسعار المواد المختلفة داخل الغوطة، حتى الحطب لم يسلم من ذلك. فقد وصل سعره إلى ما يقارب 60 ليرة (0.33 دولار) للكيلوغرام الواحد. ونحن أسرة تحتاج شهرياً إلى طنين من الحطب تقريباً. لذلك لم نجد أمامنا سوى أبواب منزلنا لترد عنا القليل من البرد". ويتابع: "إذا استمر الوضع كذلك، سنتدفأ بأثاث المنزل، كما كثيرين غيرنا".

عام 2012، خرجت القوات النظامية من مدينة دوما، وسحبت معها جميع مقوّمات الحياة والخدمات الأساسية من كهرباء وماء ومحروقات، فاعتمد أهالي الغوطة، بدايةً، على الديزل للتدفئة بسبب رخص ثمنه (دولاران للصفيحة). وكان يدخل عن طريق المعابر الرئيسية. لكن، مع ازدياد الحصار في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، منع النظام دخول سيارات الحمولة الكبيرة التي كانت المصدر الرئيسي للوقود. عندها، بدأ السكان الأشد فقراً الاعتماد على الحطب للتدفئة والطبخ، بخاصة مع ارتفاع أسعار الديزل إلى 12 دولاراً للصفيحة منتصف عام 2014.

هذا الأمر أدى إلى انتشار أسواق الحطب في الغوطة، وتحولها لتجارة. وفيما يأتي قسم من الحطب من الأشجار المثمرة التي يبيعها الفلاحون، يؤمّن قسم آخر عن طريق سرقة أثاث المنازل التي تعرضت للقصف، فيما يأتي قسم ثالث من ورش البناء المتوقفة بسبب الحرب. بينما عمد آخرون إلى قطع أعمدة الهاتف الخشبية بعد توقف خدمات الشبكة.

من جهته، يقول المسؤول في المركز الطبي في دوما، الطبيب ماجد أبو علي: "لا يمكن تصنيف تجارة الحطب في الغوطة على أنها تجارة حرب كما تجارة المواد الغذائية. هي تجارة عصابات مصغرة".

يضيف: "الحطب يحتاج إلى جهد كبير في قطعه ونقله، حتى مع ارتفاع سعره بشكل كبير. فالتاجر حين يبيع 100 طن مثلاً، سيكون مردوده سبعة ملايين ليرة سورية (39 ألف دولار تقريباً) أو أقل. ومع حساب كلفة الشجر المباع، والنقل وأجور العمال، لا يربح التاجر الكثير. لكن، يجب ألاّ ننسى أنّها أشجار مثمرة وغالباً تابعة لأراضي فلاحين، والفلاح لن يبيع شجره المثمر لو كان باستطاعته سقايته. الأمر مؤلم جداً".

وتختلف أسعار الأشجار بحسب النوعية، فالمشمش هو الأعلى سعراً، والحور هو الأرخص. يقول الناشط من الغوطة، إياد سويري: "قطع ما يصل إلى 60 بالمئة من أشجار الغوطة العام الماضي. هناك كارثة مع استمرار الوضع على هذا النحو. فالأشجار الخضراء لا تعوّض بزراعة غيرها، بخاصة مع استمرار الحصار".

ويضيف: "حاولت بعض الجهات، كالمجالس المحلية والقضاء، ضبط المسألة، لكن من الصعب ذلك دون توفير البديل، كما لا يمكن محاسبة صاحب الأرض إن أراد بيع شجره أو حرقه".
أما مدافئ الحطب فتصنع بطرق بسيطة داخل الغوطة، وتباع الواحدة بأربعين دولاراً. لكنّها قلما تكون آمنة أو ذات جودة، وتسبب الاختناق، بخاصة للأطفال، ويراجع الكثيرون المراكز الطبية بسببها، وحالتهم تراوح بين الحساسية والربو، كما تتسبب بالعديد من حالات الحرق المختلف الدرجات.

ويعبّر أبو علي عن الأزمة بأبسط الكلمات في قوله: "في الغوطة يضطر الشخص الواحد للعمل نصف ساعة في تكسير الحطب ليستحم بقليل من الماء الدافئ، أو أن يكسر 2 كيلوغرام من الحطب ليعدّ فنجان قهوة فقط".

إدلب لم تعد خضراء
كان السوريون يطلقون على مدينة إدلب اسم إدلب الخضراء. واليوم، اختلف الوضع مع فصل الشتاء، والحرب التي تكاد تختتم عامها الرابع. فالخضرة التي كانت تغطيها باتت في معظمها حطباً يحترق في مدافئ أهلها.

وفي ريف إدلب، لا يختلف الوضع عن باقي المناطق السورية. فقد انقطع المازوت قبل عامين، عن أهالي مدينة كفر نبل وغيرها، بسبب حواجز قوات النظام وحصارها. كما يرتفع سعر المادة إلى الضعف في حالة التهريب، إذ وصل سعر الليتر الواحد والمكرر بطريقة يدوية إلى 135 ليرة (0.75 دولار)، وقسم قليل يأتي عن طريق المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" الذي يفرض مبلغ 200 ليرة على التجار "زكاة" عن كل برميل مازوت، ليراوح سعره عندها بين 18 ألفاً (102 دولار) و26 ألف ليرة (146 دولاراً).

وبذلك، تحولت العائلات في كفر نبل لاستخدام الحطب وسيلة بديلة للتدفئة، لرخص أسعاره وتوافره، في غابات جبل الزاوية. ويؤكد الناشط يوسف الأحمد، لـ"العربي الجديد"، أنّ "ما اقتطع من جبل كفر نبل، العام الماضي، وصل إلى 52 بالمئة من أشجاره. وتحول بيع الحطب إلى تجارة، بسبب زيادة الطلب عليه مع نقص مادة المازوت، ما أدى إلى ارتفاع أسعاره فبلغ سعر الطن الواحد 100 دولار تقريباً".

ومع ذلك، يعاني الكثيرون من غياب الحطب اليوم، بسبب حواجز كتائب المعارضة التي تحاول منع الظاهرة، إذ تصادر كميات الخشب من تجاره، وتبيعه للأهالي بأسعار رخيصة. ويقول الأحمد: "الحجة في المصادرة تكمن في حماية الأحراج. فالتجار يقتلعون الأشجار من الأرض، من دون أن ينزعج الأهالي. فالأولوية لديهم للتدفئة".

في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام الوضع مشابه. واقتطع أخيراً جزء كبير من أشجار الغوطة. ووصل سعر الطن الواحد إلى 80 ألف ليرة (450 دولاراً). وكثير من السكان استبدلوا مهنهم الأساسية ببيع الحطب. وأنشئت محلات خاصة ببيع الحطب في المناطق الشعبية كجرمانا ودويلعة.

أما في ريف طرطوس، فيستعمل الأهالي "التمز" للتدفئة، وهو بقايا الزيتون بعد عصره. كما عمد الأهالي إلى قطع الكثير من أشجار الزيتون والسنديان المطلوبة بكثرة لجفافها وثقل وزنها.