مصر في 2019.. السلطة تحارب الأمل وثقوب بجدار الاستبداد

مصر في 2019.. السلطة تحارب الأمل وثقوب في جدار الاستبداد

04 يناير 2020
قمع سلطوي بلا سقف في مصر (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -



قال تقرير حقوقي مصري إن الملابسات والظروف السياسية التي أتت بالرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم، عقب انقلاب الجيش على الحقبة الديمقراطية القصيرة التي أعقبت ثورة يناير، ثم الانقلاب على رغبة قطاع واسع من المصريين في تصحيح مسار الثورة في 30 يونيو/حزيران 2013، جعلته يبني سلطوية جديدة مستمرة حتى اليوم.
وصدر التقرير عن مركز القاهرة لحقوق الإنسان الذي يعمل من فرنسا نظرًا للتضييقات الأمنية في مصر، ورصد مؤشرات حقوق الإنسان في العالم العربي، والربيع العربي من بين خطوط الصراعات المسلحة الجديدة، وحمل الفصل الخاص بمصر عنوان "محاربة الأمل وثقوب في جدار الاستبداد".
وقال مركز القاهرة إن "السيسي يعتمد على ثلاث آليات، الأولى منها هي آلية الاستغراق في صناعة العدو الداخلي والخارجي، وتوظيف الخطاب السياسي والإعلامي للدولة لبناء أكاذيب حول هذا العدو، ويقوم هذا الخطاب على الخلط المتعمد بين المعارضة السلمية للحكم، وبين نوايا هدم الدولة والتحالف مع الإرهاب وقوى خارجية معادية".
وأضاف التقرير "هذه الدعاية في صناعة العدو ترتبط بالآلية الثانية لتبرير نظام عبد الفتاح السيسي، وهي خطاب تخويف المصريين من سيناريوهات هدم الدولة أو انتصار الإرهاب، أو سيادة الفوضى، كما تم استخدام خطاب صناعة العدو وتخويف المصريين غطاء سياسيا لتبرير الآلية الثالثة المتمثلة في التوسع في سياسات القمع والبطش التي لجأت إليها السلطات بشكل غير مسبوق، وصولا إلى تصفية أي صوت معارض، أو مساحة مستقلة في الحياة العامة، أو السياسية، والمضي في الإجراءات التي تحول دون ظهور أي خصم محتمل، أو حراك سياسي وشعبي جديد".

تحالف الأمل

وضرب التقرير مثالاً بـ"اعتقال، وفبركة اتهامات ضد مجموعة من القيادات السياسية والمدنية في يونيو/حزيران الماضي، كانت تسعى إلى تأسيس تحالف، عُرف باسم (تحالف الأمل)، لخوض الانتخابات البرلمانية القادمة، وشملت قائمة المقبوض عليهم نائب البرلمان السابق، عضو الهيئة العليا للحزب المصري الديمقراطي، زياد العليمي، والصحافي حسام مؤنس، منسق حملة المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، والصحافي الناشط في مجال الدفاع عن الصحافيين والحريات، هشام فؤاد، والناشط العمالي أحمد تمام، والخبير الاقتصادي عمر الشنيطي، إضافة إلى رجلي الأعمال أسامة العقباوي، ومصطفى عبد المعز".
وأوضح التقرير الحقوقي: "هذه الحملة ضد الأحزاب السياسية وقياداتها سبقتها حملة مشابهة تزامنًا مع التعديلات الدستورية، التي تم تمريرها في إبريل/نيسان الماضي، إذ تم القبض على بعض القيادات الوسطى بأحزاب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والدستور، والحركة الوطنية، ومصر القوية، وحزب العيش والحرية تحت التأسيس".
وتابع تقرير مركز القاهرة: "خلال عامي 2018 و2019، استمرت ممارسات الأجهزة الأمنية من تعذيب، وسوء معاملة للمعتقلين والمحتجزين، وإهمال طبي متعمد في السجون، وهو ما ذهب ضحيته، ضمن آخرين، الرئيس الأسبق المنتخب محمد مرسي، فضلا عن استمرار الاختفاء القسري للنشطاء السياسيين، والاعتقالات طويلة الأمد من دون محاكمات، وعمدت السلطات إلى توظيف ما يُعرف في النظام الجنائي المصري بالإجراءات الاحترازية التي تفرض على من أُخلي سبيلهم، أو العقوبات التكميلية ضد من أمضى عقوبة السجن، إمعانًا في إذلال الناشطين وتقييد حريتهم في التنقل".

أحكام الإعدام

ولم يغفل التقرير استمرار القضاء المصري في "الإفراط في إصدار أحكام بالإعدام، وتنفيذ بعضها في قضايا ومحاكمات واتهامات تحوم حولها الشبهات، ويغلب عليها الطابع الانتقامي، وذلك رغم وجود أدلة وقرائن قوية على ممارسة أجهزة الأمن التعذيب بحق المتهمين لإجبارهم على الاعتراف، وبعض هذه الأحكام صدرت عن محاكم عسكرية، إذ صدرت أحكام بالإعدام ضد أكثر من 500 شخص، ونفذتها السلطات ضد 66 شخصا على الأقل، بينما يظل مصير النائب البرلماني السابق مصطفى النجار مجهولًا منذ انقطاع الاتصال معه في 28 سبتمبر/أيلول 2018، أثناء وجوده في أسوان".
وأضاف: "في إطار مساعي السلطات المصرية لإقناع الرأي العام بسجلها في محاربة الإرهاب، وبشكل خاص في إطار العملية العسكرية الشاملة التي بدأت في شبه جزيرة سيناء في إبريل/نيسان 2018، ارتكبت جرائم جسيمة شملت قصف مناطق المدنيين، وتهجير السكان في سيناء بشكل جماعي، والقتل خارج نطاق القانون لأشخاص كانوا رهن الاعتقال، وتتكرر هذه الأعمال بشكل ملحوظ في أعقاب أي عمل إرهابي تشهده سيناء أو البلاد بشكل عام".
ورصد المركز "فشل الدولة في حماية حقوق المواطنين المسيحيين في بناء دور العبادة، أو حمايتهم من الاعتداءات الطائفية، إذ أغلقت الأجهزة الأمنية كنيسة في محافظة سوهاج نتيجة احتجاجات الأهالي المسلمين، لتضاف إلى سلسلة الكنائس التي تم إغلاقها منذ إقرار قانون بناء الكنائس عام 2016".



كما أكد التقرير أن الحكومة المصرية تعمل بدأب على حصار المنظمات الحقوقية المستقلة، وشل قدرتها على العمل، وملاحقة العاملين فيها قضائيًا، كما يستمر فرض منع السفر على 31 حقوقيًا، بعضهم ممنوع من السفر منذ عام 2014، فضلًا عن منع 10 مدافعين عن حقوق الإنسان من التصرف في أموالهم وممتلكاتهم، وتجميد حسابات 7 منظمات حقوقية، كما دأبت وسائل الإعلام القريبة من السلطة على شن حملات تحريض ضد الحقوقيين، وصلت إلى حد التهديد بالقتل والخطف، كما تعرض بعض المحامين والباحثين والعاملين في المنظمات الحقوقية للاعتقال والاختفاء القسري".
ولفت التقرير إلى مصادقة السيسي على قانون جديد للجمعيات الأهلية في أغسطس/آب 2019 بديلا للقانون رقم 70 لسنة 2017، الذي لاقى اعتراضات داخلية ودولية واسعة. وعلق "ولا يزال القانون الجديد يحمل الفلسفة العدائية ذاتها لمنظمات المجتمع المدني؛ بهدف إخضاعها للأجهزة الأمنية، وتقييد تأسيسها، والتدخل في إدارتها الداخلية أو تلقيها التمويل الداخلي والأجنبي. ورغم أن القانون الجديد ألغى العقوبات السالبة للحريات إلا أنه استحدث غرامات مالية باهظة. كما أن العديد من التشريعات الأخرى ومنها قوانين مكافحة الإرهاب، والتظاهر، والتجمهر تكفي لمحاكمة واعتقال النشطاء الحقوقيين".

وانتهى التقرير إلى استمرار الرئيس في توسيع صلاحيات الأجهزة الأمنية والمخابراتية في هندسة مؤسسات الدولة النيابية والإعلامية والقضائية. "وفي إطار سعيه إلى الاستمرار في الحكم لأطول فترة ممكنة، أجرى في النصف الأول من عام 2018 انتخابات رئاسية هزلية بلا مرشحين أو مراقبين، بعد إقصاء وقمع أي صوت معارض أو خصم انتخابي محتمل، وصولًا إلى طرح تعديلات دستورية تشرعن بقاءه في الحكم، وتقضي على ما تبقى من هامش استقلال محدود للسلطة القضائية، فضلًا عن تمكين المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية من التحكم في مؤسسات نظام الحكم بشكل دستوري، والتحكم في مخرجات أي عملية انتخابية مستقبلية".