ووجد سوريّون من يحتضنهم في ألمانيا

ووجد سوريّون من يحتضنهم في ألمانيا

01 يناير 2015
اضطروا لترك سورية والبحث عن بلد أكثر أماناً (Getty)
+ الخط -

تعبقُ رائحة الفطائر في المبنى الذي يقطنه شباب سوريون جاؤوا أخيراً إلى مدينة سالفيلد في ألمانيا. هؤلاء لا يحرصون فقط على صنع الفطائر، بل أيضاً الكنافة المحشوة بالجبنة، وغيرها من المأكولات السورية. لم يعتادوا صنعها في بلادهم. تعلموها هنا بمفردهم.

في المبنى نحو ثلاثين شاباً سورياً أتوا من مناطق مختلفة، جمعتهم رحلة وصفوها بـ "الشاقة". لا يفهم كثير من الألمان كيف يعيش هؤلاء، الذين ينتمون إلى مذاهب مختلفة، مع بعضهم البعض. كيف لا يتقاتلون؟ لماذا الحرب مندلعة في سورية إذاً؟ أقله، هذا ما يقرؤونه في الصحف عن أسباب الحرب.

يقول أحد المواطنين الألمان الذي غالباً ما يتردد على المبنى لـ "العربي الجديد": "نعلم أن الصحافة الألمانية حرة. لكن يمكننا أن نسأل عن النقاط التي تركز عليها أثناء تغطيتها الأحداث السورية. في هذا المبنى، يوجد شباب مثقفون وجامعيون يرغبون في العمل، ولا يكترثون لاختلاف الأديان". كأن هؤلاء الشباب المتواجدين في المبنى يخضعون بشكل أو بآخر لاختبار الوحدة، فتراهم يسعون إلى تغيير الصورة انطبعت عن بلادهم.

في المبنى مهندسون وأطباء، وآخرون كانوا يشقون حياتهم في مجال التجارة. جميعهم اضطروا إلى ترك سورية والبحث عن بلد أكثر أماناً. اختاروا ألمانيا. في البداية، لم يلقوا الترحيب الذي أرادوه. وتساءل بعض الألمان: لماذا أتوا من دون عائلاتهم؟ كم سيبقون هنا؟ هل سيستولون على امتيازاتنا؟ في المقابل، وجدوا من يحتضنهم. لا يمر يوم من دون أن يأتيهم زائر أو أكثر. أحياناً، وبخاصة في عطل نهاية الأسبوع، تأتي إليهم فرق موسيقية، يرتدي أفرادها الأبيض والأحمر بهدف الترفيه عنهم. ومع الوقت، صار لهؤلاء أصدقاء ألمان.

المؤيدون لاستقبال ألمانيا المزيد من السوريين، يقولون إنه يجب ألا ننسى ما تعرضنا إليه. الحرب العالمية الثانية شردت الألمان وأذلتهم وحولتهم إلى لاجئين أيضاً. يرون أيضاً أن عدم الترحيب بالسوريين هو أمر مخجل. فهل الألمان شعب مضياف إذا أم لا؟

وبادرت إحدى المدارس إلى استضافة طبيب قدم من إدلب، وأجرى معه التلاميذ حواراً مفتوحاً، تحدث خلاله عن أسباب اللجوء، ورؤيته لمستقبله في ألمانيا. الطبيب قال لـ "العربي الجديد" إن "المبادرة كانت جيدة للتواصل مع طلاب المدينة. في البداية، رأيت في عيونهم عدم الارتياح والشك. بعدها أخبرتهم عن أسباب لجوئي إلى بلادهم، ورغبتي في العمل في أحد المستشفيات في المستقبل كطبيب. حتى لو أنني أحصل على النقود من الدولة، إلا أنني سأدفع الضرائب بدوري". سعى إلى طمأنتهم، ويقول لهم إنه لن يكون عبئاً عليهم. يضيف إنه في نهاية اللقاء، لاحظ أن هناك تغييراً في نظرتهم إليه وإلى اللاجئين، حتى أن بعض الطلاب رافقوني إلى المبنى الذي أسكنه، وصار بعضهم أصدقاء لي.

من جهته، يقول أمير، وهو شاب سوري يسكن المبنى، إنه في أحد الأيام التي كان يقود فيها دراجته الهوائية، تعرض لمضايقات كثيرة، لكنه تجاهلها. يضيف أن كثيرين من الذين يتعرضون إلى مضايقات يختارون تجاهلها حتى لا يؤدي الأمر إلى نشوب مشاكل. يريحهم فقط أن بعض الألمان يساعدونهم ويستمعون إليهم، لا بل يتبنون قضيتهم.

تجدر الإشارة إلى أن إحدى الصحف المحلية كانت قد أجرت حواراً مع شاب يدعى أنس، وهو خريج كلية الفنون الجميلة. تحدث خلال الحوار عن رحلة العذاب من سورية إلى ألمانيا، وعن حياته في بلاده. في السياق، يقول مدير إذاعة "أس آر بي" المحلية يوغ سورغا لـ "العربي الجديد" إنه "طرح مشروعاً جديداً لاستضافة لاجئ سوري كل شهر في المحطة، ليتحدث عن مهنته أو هوايته أو مدينته السورية"، في محاولة للحصول على دعم المجتمع المحلي لقضية اللاجئين ونشر ثقافة الترحيب.

لا خلافات بيننا

يقول المشرف على المبنى مارتين شبيتزا لـ "العربي الجديد" إن "بعض الشباب يتولون مهمة التنظيف، فيما يسعى آخرون إلى تعلم اللغة الألمانية. آخرون ينامون كثيراً بسبب الملل. الملفت أنه حين أتناول الطعام معهم، يقولون لي إننا قادرون على العيش معاً من دون خلافات. نعد الطعام ونضحك سوياً. لا نعرف كيف حدث هذا في بلدنا".