دعوات لاستئناف تطبيق عقوبة الإعدام تثير جدالاً في روسيا

دعوات لاستئناف تطبيق عقوبة الإعدام تثير جدالاً في روسيا

26 أكتوبر 2019
78.5 % يؤيدون إعدام قتلة الأطفال (دميتري فيوكتيسكوف/ Getty)
+ الخط -
بعد واقعة قتل التلميذة في الصف الثالث ابتدائي يليزافيتا كيسيليوفا (9 أعوام)، في مدينة ساراتوف الروسية في 9 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وتوقيف المشتبه به، تعالت الأصوات المطالبة بالعودة إلى تطبيق عقوبة الإعدام، والتي علّقت منذ انضمام روسيا إلى مجلس أوروبا عام 1996. وأثارت واقعة قتل يليزافيتا على أيدي رجل سبقت إدانته وسجنه بتهم الاغتصاب والسرقة، غضب سكان ساراتوف الذين خرجوا في تظاهرة عفوية طالبوا خلالها بتسليم القاتل
إليهم لمعاقبته خارج إطار القانون، بينما استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريقهم.

وبالتزامن، أعلن نواب عن حزب "روسيا العادلة" نيّتهم إعداد مشروع قانون لتفعيل عقوبة الإعدام، كما أظهر استطلاع للرأي أعده مجلس الدوما (مجلس النواب) على شبكة "فكونتاكتي" للتواصل الاجتماعي، وشارك فيه أكثر من 150 ألف شخص، أن نحو 78.5 في المائة منهم يؤيدون إعدام قتلة الأطفال.

كما انطلقت حملات جمع توقيعات للعودة إلى تطبيق عقوبة الإعدام. وأيّد عدد من النواب في الدوما وبعض الشخصيات العامة، بمن فيهم المذيع فلاديمير سولوفيوف، وهو أحد أبرز الإعلاميين الموالين للكرملين في التلفزيون الروسي، استئناف عقوبة الإعدام. على الرغم من ذلك، أكد الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، أن مسألة استئناف تطبيق عقوبة الإعدام غير مطروحة للنقاش في الوقت الحالي.



وفي وقت حظيت الدعوات إلى استئناف تطبيق الإعدام باهتمام إعلامي واسع وانقسام بين مؤيد ومعارض، يقول المحامي دميتري دينزه إن هذه المسألة غير جوهرية بالنسبة إلى روسيا في ظل سوء ظروف المساجين التي تكاد تكون أسوأ حتى من الموت. ويقول دينزه لـ "العربي الجديد": "مسألة العودة إلى تطبيق الإعدام من عدمه غير جوهرية بالنسبة إلى روسيا في ظل تطبيق عقوبة السجن المؤبد في ظروف اعتقال أسوأ من الموت ولا مجال لمقارنتها بالسجون في الدول الغربية. وعلى الرغم من أن المحكوم عليهم بالمؤبد يحق لهم التقدم بطلبات الإفراج المشروط بعد استكمال السجن لمدة 25 عاماً، إلا أن مثل هذه الطلبات ترفض عملياً في مائة في المائة من الحالات".

وعن أسباب تأييد نسبة كبيرة من الروس عقوبة الإعدام، يوضح: "شعبنا متعطش للدماء. لكنه إذا كان يعلم كيف تعمل المنظومة القضائية والسهولة التي تصدر بها أحكاماً صارمة، لما فكروا هكذا". وتُعرف روسيا بإصدار أدنى نسبة أحكام بالبراءة، والتي لم تتجاوز 0.25 في المائة في العام الماضي، كما يؤدي المدانون بالسجن المؤبد العقوبة بظروف بالغة القسوة، بما في ذلك بسجن "الدلفين الأسود" شديد الحراسة والواقع في منطقة أورال والذي يؤوي مئات المدانين في قضايا القتل المتسلسل واغتصاب الأطفال والإرهاب وحتى آكلي لحم البشر، والذين لن يغادروه إلّا في التوابيت.

من جهتها، حذرت صحيفة "فيدوموستي" الروسية من خطورة العودة إلى تطبيق عقوبة الإعدام التي لا يمكن تدارك تداعياتها، على ضوء تردي أداء الجهات الأمنية والمحاكم الروسية.
وفي مقال بعنوان "لهذه الأسباب لا يجوز إلغاء تعليق عقوبة الإعدام في روسيا"، قللت الصحيفة من المزاعم المتعلقة بتعطش الروس للدماء، مشيرة إلى أن نسبة الأحكام بالبراءة الصادرة عن هيئات المحلفين تصل إلى نحو 16 في المائة في العام الحالي، وهو رقم أعلى بمئات الأضعاف من المحاكم العادية.

وحذرت "فيدوموستي" من أن العودة إلى تطبيق عقوبة الإعدام في القرن الـ21 ستشكل "استبدال العقوبة بالانتقام"، وستضع روسيا خلف الجمهوريات السوفييتية السابقة مثل أوزبكستان التي ألغت عقوبة الإعدام في بداية الألفية الجديدة، وطاجيكستان التي علقت تطبيقها.
وما زالت بيلاروسيا البلد الوحيد في أوروبا والجمهوريات السوفييتية السابقة الذي يطبق عقوبة الإعدام على أرض الواقع رمياً بالرصاص، وسط تعتيم كامل وعدم تسليم جثث المعدومين إلى ذويهم. كما أن بيلاروسيا والولايات المتحدة هما البلدان الوحيدان في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا اللذان ما زالا يطبقان الإعدام.



وكان الرئيس الروسي الراحل، بوريس يلتسين، قد علق في عام 1996 تطبيق عقوبة الإعدام، وهو قرار أكدته المحكمة الدستورية في عام 2009. وعلى الرغم من توقف روسيا عن إصدار أحكام الإعدام وتنفيذها، إلا أنه لم يتم استبعاده من القانون الجنائي، كما تتعالى الأصوات المطالبة بالعودة إلى تطبيقه بعد حوادث الإرهاب وقتل الأطفال وغيرها من الجرائم المروعة.

وتنص المادة 59 من القانون الجنائي الروسي على اعتبار عقوبة الإعدام كـ "إجراء استثنائي" ينطبق على "جرائم بالغة الخطورة تعتدي على الحياة"، كما لا يجوز تطبيقها على النساء والقصر والرجال فوق الـ 60 عاماً.