الشارع المصري بين العنصرية وتحقير الذات

الشارع المصري بين العنصرية وتحقير الذات

14 ابريل 2014
+ الخط -

 عندما تخرج من البيت وتدخل في حوارات مع المصريين، في الشارع، في المقهى، في الباص، المترو، في العمل، وترى ما يُكتب على حوائط المدارس والعمارات، على أبواب الحمامات العمومية، ستجد نظرة الناس مزدوجة لأنفسهم ولشعب مصر،عموما، وليس فقط من شخص لآخر بل للشخص نفسه.

هناك مراوحة رجراجة، ففي لحظة تجده عنصريا، يفتخر ببلده افتخارا مبالغا فيه، وفي موقف تالٍ تجده يحقـِّر شعب مصر، وفي موقف ينعت الشعب بأفظع النعوت، وفي اللحظة التالية تجده يمدح شعبها: شعب طيب عظيم متحضر، وليست هناك فروق كبيرة بين النخبة والعوام، بين المتعلم والجاهل، الرؤية المشوهة التي يمكن تقسيمها إلى:

1- تحقير الذات وجلدها، والتقليل من شأنها، والإحساس الدوني تجاه الدول والشعوب الأخرى، وتتبدى مظاهر ذلك في سك عبارات وجمل تستعمل في الشارع، فعندما يخطىء أحد ولا يعتذر، صلفاً أو غرورا، تجد الآخر الذي أسيء إليه لا يوجه كلامه تجاه الشخص المسيء، بل يوجهه إلى عموم شعب مصر: هكذا الشعب المصري، شعب غبي ومتخلف ولن يتقدم أبدا.

وإذا تخلف صانع عن موعد، أو أهمل موظف في وظيفته، يردد المضار: هكذا هم المصريون، شعب مهمل ولن يتقدم أو يتغير أبدا، وإذا استخدمت المعارضة السياسية شكلا من الاحتجاج جديدا ومختلفا ضد السلطة، مثل تعطيل المرور أو الإضراب عن العمل، تتناثر عبارات ممتعضة: نحن أساسا شعب لا نستحق الديمقراطية، نريد دكتاتورا، نريد الضرب بالأحذية، شعب لا يريد حرية، نستمتع بحكم الديكتاتور، شعب لا يمشي إلا بالكرباج، نريد الديكتاتور العادل. وفي حلقة من برنامج "القاهرة اليوم"، قال عمرو أديب: "نريد رئيساً يخلي المصريين بني آدميين، نحن شعب نريد الكرباج، رأيتم دبي، سويسرا، إسرائيل".

وفي القسم الثاني، وهو العنصرية والتمركز حول الذات، تتبدى مظاهره في الأغاني "الوطنية"، خاصة في عهد مبارك والذي                                                                                                                                                                            رصد فيه أكثر من 100 أغنية "وطنية". يستحيل على أية دولة في العالم أن تكتب لها أغان ٍ كما يُكتـَبُ لمصر. وهناك نماذج مثل "المصريين أهم" ياسمين الخيام، إيهاب توفيق "هما دولا المصريين"، "يبقى أنت أكيد المصري" لطيفة من فيلم ليوسف شاهين، محمد رحيم "خير الأجناد"، رامي صبري "دايما يارب احميها"، شيرين "مشربتش من نيلها"، نانسي عجرم "أنت مصري"، حسين الجسمي "اسألوا كل الناس"، شريف ناصر "هتفضل حرة"، محمد حماقي "أم الدنيا"، مشاري راشد "شكرا يا مصر"، غير الأغاني الكلاسيكية، مثل: أم الدنيا- مصريتنا- يا بوي يا مصر- بلادي وحشتيني يا مصر- قولوا لمصر- وحياتك عندي يا بلدي- ثورتنا المصرية - مصر أول نور في الدنيا- بالأحضان- الله اكبر بسم الله- عظيمة يا مصر- عاشت بلادنا- يا أغلى اسم في الوجود - حلوة بلادي السمرا- الوطن الأكبر- فرحة مصر- ادخلوها سالمين- مصر باقية- رايحين شايلين- صباح الخير على بلادي - سلمولي على مصر - احلف بسماها وبترابها - ادعوا لمصر - أنا م البلد دي- مصر هي أمي- صوت بلادي - مصر في عيوني.

وقليل من هذه الأغاني تخاطب روح الإنسان، عقله، لكن بكلمات إنشائية سقيمة لا تمت إلى الواقع بصلة، تخاطف عواطف دونية، وظيفية، ويتم بث جُمل في حوارات الأفلام مثل: احنا أعظم شعب في الدنيا ـ احنا بناة حضارة 3000 سنة قبل الميلاد، وتسأل: أنتم من؟ "مصر عايزك، دي مصر، أنت عارف يعني إيه مصر، اللي يشرب من مياه النيل لازم يرجع لها تاني، مصر مستهدفة، العالم كله يتآمر على مصر".

هناك عنصرية من المصري للمصري، ومن المصري للآخر، هذا أسود عبد، بواب، إن كان مسلماً، هذا قبطي 3 ريشة، للمسيحيّ "ما ينفعش حد ياكل عند مسيحيين أو يشتري أكل منهم". عنصريّ ضد العرب "بدو رحّل، برميل بترول"، اما السخرية من السودانيين والنوبيين فمثل الخبز اليومي وأمر شبه عادي تغلل في شوارع قاهرة المعز! كما علقت الناشطة الامازيغية، مها جويني، وقد كانت تسير مع مواطن سوداني فقال مواطن مصري: والله خسارة فيك. وتؤكد أن العنصرية والتميز ليستا حالتين فرديتين، بل حالة جماعية، لدرجة ان صديقي قال لي: "شوفي بيبصوا علينا إزاي، يا نهار إسود، هم الرجالة البيض انقطعوا؟ عبارات قرأتها في أعين النساء والبنات اللاتي كن يسترقن النظر لي. وهناك من أشارت بإصبعها إلينا وهي تتحدث مع صديقتها ونحن نمشي قائلة: "بصي عاملين إزاي مسكت بيد صديقي بكل روح مرحة وغنيت معه نعناع الجنينة المسقي في حيطان لمحمد منير".

وقد شاع في بعض وسائل الإعلام عن الفنان عمرو واكد أنه  فلسطيني الجنسية فنفي وعلق بأن الجهل والعنصرية وقود التطرف. وفي بداية تجربة طوني خليفة في فضائية قال: أنا مرعوب من هذه التجربة وطوال عمري أعشق العنصرية المصرية وأخاف منها في الوقت نفسه. وان كان جامعيا فهو دبلوم تجارة، سائق شاحنة: هذا قصير وأحول، هذه مسلوعة، هذا ليس له عائلة، هذا أمه تبيع خضار، هذا جاهل، هذا فلاح، أنت ما تعرفش أنا ابن مين؟ هذا منوفي، هذا فيومي، هذا صعيدي قحف. تحقير للآخر وحط من شأنه لصالح تمركز ذاتي ليس له قيمة، كله يوحل كله، كله يحقر ويحذف الآخر لصالح ذات مريضة.
تحقير الفرد للمجتمع هو نوع من استثناء الذات وترفعها وإعفائها من الأمراض الاجتماعية، من تخلف وفساد وجهل وعدم تحضر إلخ، مع إلقاء تبعات ما وصلنا إليه على للمجتمع، وعدم تحميل الدولة المسؤولية خوفا من عسف السلطة، مع أنها الأساس لأن الدولة صانعة الحضارة والتقدم، وما دامت لم تستطع أن ترتقي بالوطن والمواطن فهي فاشلة وتتحمل الجزء الأكبر في القضية، ويمكن إجمال الأسباب في الآتي:

1 – المستوى التعليمي المتخلف، والذي يهتم بالتلقين ويغيب الفهم والبحث والمناقشة والحرية.

2 – التفاوت في الدخول بين المصريين وخلق طبقات ذات دخول مرتفعة، تحصل عليها من الرشوة والفساد واستغلال النفوذ والواسطة، وطبقات تعيش على الحافة.

3 – عدم الثقة بالنفس وغياب الثقافة نتيجة عدم اهتمام الدولة بالجانب الثقافي، والذي جعل الفرد غير قادر على التعبير عن ذاته أو التعامل الصحي مع المشاكل التي تقابله في الشارع، أو الارتقاء بأفكاره وروحه عن العنصرية والتمييز.

4 – غياب القانون وتوحش البلطجة والعنف وإحساس المواطن بعدم الأمان.

5 ـ وسائل الإعلام المرئية والمسموعة التي تروج مقولات فاسدة وغير صحيحة عن شعب مصر المختار، العظيم، إلخ.

وستظل برأيي هذه الحالة من "المازوشية" الأخلاقية، والتشوه والعنف اللفظي والبدني تجاه الغرباء والآخر، والعناصر الضعيفة في المجتمع ما دام هناك غياب للعدالة وسيادة القانون والحرية السياسية والمجتمعية، وإعادة تنظيم الإعلام ووضع ميثاق شرف يكفل للمواطن الحصول على معلومة صحيحة وبرامج هادفة ترقى بذوق المواطن.

 

 

المساهمون