الاغتصاب سلاح النظام السوري لـ"سحق المعارضة"

"ليبراسيون": الاغتصاب سلاح النظام السوري لـ"سحق المعارضة"

20 مارس 2018
قوات النظام السوري اغتصبت مدنيين من الجنسين(فرانس برس)
+ الخط -
لم يَدَع النظام السوري أي وسيلة لسحق المعارضة والمدنيين إلا واستخدمها، ومن بينها اللجوء إلى اغتصاب النساء، سواء كنّ مُعارِضات أو مجرد قريبات من معارضين، من أجل معاقبة المعارضة وخنقها. 

سلاح الاغتصاب، استخدمه النظام السوري بشكل منتظم ومقصود، بحسب ما تكشفه ماري فوريستيي، المبعوثة الخاصة لصحيفة "ليبراسيون". كما روى العديد من كوادر وعملاء النظام السوري السابقين كيف لجأ النظام إلى استخدام الاغتصاب كسلاح حرب، من أجل سحق المعارضة وإرهابها.


تقول "ليبراسيون" الفرنسيّة إنّه "بعد سبع سنوات من اندلاع الثورة السورية يبدو الأسد في وضعية مريحة. سبع سنوات من معارك مميتة، بدعم روسي وإيراني، ومن هجمات شرسة ضد المدنيين، دفعت ما يقرب نصف سكان سورية لمغادرة منازلهم. وقد أثبتت استراتيجية النظام أنها رابحة.

تضيف الصحيفة أنه في قلب هذه الاستراتيجية يوجد تكتيكٌ فعّالٌ وسرّيّ في آن واحد، وهو الاغتصاب. وقد مارس أعضاء الأمن السوريون، بإصرار، الاعتداء الجنسي على مُعارِضات أو على قريبات من المعارضة". ويتذكر ملازم سابق في الجيش السوري في إدلب: "اعترف لي ضابط مخابرات عسكرية، بأن هؤلاء الناس (الموقوفين) يجب أن يُعدَموا. ويجب علينا أن نغتصب النساء. كما يجب علينا أن نفعل كل شيء لإيقافهم".  

وقد بدأ النظام يخشى، في خريف 2011، على بقائه فعزّز من القمع، كما تؤكد على ذلك شهادات موظفين وعسكريين سابقين استطاعت الصحيفة الفرنسية الحصول عليها. ومن بين هؤلاء محمود، موظف سام سابق في حمص، سنة 2011-2012، شارك بشكل منتظم في اجتماعات مع ضباط ومسؤولي أجهزة الاستخبارات، قبل أن يلجأ إلى تركيا. وقد شاهَد قِوى الأمن وهي تستخدم عنفا غير مسبوق ضد المعارضة. ويتذكّر: "قال لي أحد رجال المخابرات: لقد تلقينا أوامر من قائدنا بفعل أي شيء نرغب فيه. وهذا يعني أن الفتيات أصبحن، الآن، في خَطر".

ويروي أيضا كيف أن مدير جهاز الاستخبارات الجوية صاح بضابط آخر: "هيّا اغتصبوا نساء عائلاتهم. افعلوا ما بدا لكم. لن يُحاسَب أي واحد منكم".

"افعلوا ما بدا لكم"، لازمة ضمنية بقدر ما هي ضارة، تزيل كل مُحرَّم وتشجع قوى الأمن على ممارسة العنف الموغل في الوحشية. وقد كانت التهديداتُ الموجهة ضد المعتَقَلات صدى لهذه السياسة القمعية.

صفاء، وهي مصوّرة فوتوغرافية في الرابعة والثلاثين من عمرها، وهي، الآن، لاجئة في تركيا، اتُّهِمَت بالمشاركة في التظاهرات، فاعتقلت في مركز استخبارات تابع للقوى الجوية في بداية 2012. وتروي للصحيفة: "كان الحراس يلجون زنزانتي ويهددونني: أنتِ ابنة الساحل، حيث هناك بدأ الناس الثورة. سوف نغتصبك". وكانوا يقومون بتمثيل مختلف الأفعال الجنسية.

في هذه الحقبة كان فاضل طلاس يشتغل في حمص، باعتباره عميل استخبارات، أي من هؤلاء المكلفين بإيقاف واحتجاز السجناء السياسيين. وفي أحد أيام خريف 2011، قام مديره، العقيد عقاب عباس، باستدعائه مع زملائه، وخاطبهم: "القائد الأكبر، (في إشارة للرئيس الأسد) يشكركم على مجهوداتكم. ويريد منكم أن تبذلوا كل الوسائل الضرورية لضمان قوة النظام ومقاومة الثورة. إذن، فأنتم تستطيعون أن تفعلوا كل ما تشاؤون. تستطيعون إيقاف سكان باب عمر والخالدية". يقاطعه عميل استخبارات: "وماذا نفعل إذا أوقفنا امرأة؟"، يجيب عقاب عباس، دونما تردد: "خذها، وضاجعها".

وكان عقاب عباس وأقرب مساعديه، الذين تم اختيارهم لأنهم علويون، هم من يتولون التحقيقات السرية مع المعارضين أو أعضاء عائلاتهم.

يتذكر فاضل طلاس: "ذات يوم، أوقفوا طالبة في السابعة عشرة من عمرها من أجل التحقيق معها حول أخيها الذي انضم للمعارضة. لمحتها في قاعة الاستنطاق. كانت عارية تماما وكانت تبكي. ثم نقلت بعد ذلك إلى مكتب عقاب عباس واغتصبها، كما قال لي أحد أقربائها". وبعدها بفترة قصيرة، صاح أحد المقرَّبين من عقاب عباس في وجه فاضل طلاس، قبل أن يقرر هذا الأخير اللجوء إلى تركيا: "هل تعتقد أننا سندع النظام يسقط؟ سوف نغتصب كل النساء من أجل معاقبتهن".

ويشير محمود إلى أن "النظام السوري يستخدم الاغتصاب كعقاب، لأنه أقصى ما يوجد. إذ لا يوجد ما هو أسوأ منه في ثقافتنا". وقد استخدمت السلطات، عن عمد، العنف الجنسي كتكتيك حرب رهيب من أجل إهانة ومعاقبة السوريات، ومن خلالهنّ إرهاب السوريين، الذين تجرأوا على التمرد ضد النظام. وهذه الحالات من الاغتصاب أتاحت الوصول إلى أهداف السلطات السورية السياسية. وهو ما يفسره فاضل طلاس بالقول: "إن النظام يريد ترويع الناس حتى يتوقفوا عن الالتحاق بالتظاهرات ويتخلوا عن الثورة". ولا يخفي أن مقترفي هذه الجرائم "كانوا يتبجحون بأفعالهم، ويشعرون بالاعتزاز".

هذه الحالات من الاغتصاب بعيدة جداً عن أن تكون مجرد حالات يصعب السيطرة عليها في مراكز اعتقال معزولة، بحسب الصحيفة. وتتفق عشرات من شهادات الضحايا على أن القوات الموالية للأسد اغتصبت نساءً، ورجالاً، في معظم المحافَظَات، طيلة فترة الصراع. ويعدّد المرصد السوري لحقوق الإنسان، 7700 حالة من ضحايا العنف الجنسي أو التحرش بين أيدي القوات الموالية للنظام، من بينها أكثر من 800 حالة في السجن.

وتضيف "ليبراسيون": "الفضيحةُ التي تشعر بها النساء حين يتعلق الأمر بكشف هذه الجرائم وصعوبةُ الوصول إلى الضحايا يدفعان للاعتقاد بأن الرقم الحقيقي أعلى بكثير. وتتحدث أغلبية المعتقلات السابقات عن رؤيتهن أو حديثهنّ مع نساء تعرضن للاغتصاب أثناء اعتقالهن. ومن المستحيل تخيّل جهل كبار رجالات النظام بهذه الممارسات، علما أن الجهاز الأمني السوري هرميّ ومنظَّمٌ حول سلسلة قيادة صارمة.

وتستنتج الصحيفة أن مثل هذه الجرائم المنتشرة لا يمكن ألا تكون محل تساهُل، على الأقل، في هرم السلطة. ورزمة من العلامات تشير إلى أن الأمر يتعلق بممارسة منتظمة ومنظَّمَة ومُتعمَّدَة. وهو ما يشير إليه تقرير للجنة الدولية للتحقيق حول سورية، نشر في 15 مارس/آذار: "الاغتصاب وأعمال العنف الجنسي الأخرى تشكل قسماً من اعتداء منتشر ومنتظم يستهدف السكان المدنيين ويتوافق مع جرائم ضد الإنسانية".

النية المتعمَّدة ظهرت بشكل فاضح في نظر أم أحمد، 57 سنة، حارسة سجن في شرق البلاد، والتي تعرضت، هي الأخرى، للاغتصاب ثم السجن، لأنها فضحت ما شاهدته في السجن.

تعترف: "ما أن بدأت المظاهرات، في مارس/آذار 2011 حتى بدأ العملاء في توزيع حبوب منع الحمل على المعتقلات، كل يوم مع وجبات الطعام. وكنت أنا من يتلقى التموين. فكنت أتلقى، كل أسبوع، 12 علبة. وكان الحراس يرسلونني للتثبت من العادة الشهرية لدى المعتقلات". وتقول أم أحمد، التي لم تشتغل سوى في السجن، متذكرة: "لقد شاهدتُ أشياء فظيعة. لا أستطيع وصفها من شدة فظاعتها. ولقد شاب شعر رأسي، في ثلاثة أشهر".

وقد وزّع الحراس الأقراص على المعتَقلات في أربعة مراكز اعتقال في سورية، على الأقل، سنة 2012-2013، حسب عدة شهادات. ومن بين النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب واللواتي لم يتناولن الأقراص، من أصبحن حوامل. وهي حالة مايا. التي تعرضت للاغتصاب، ثلاث مرات، قبل أن يتم نقلها إلى المستشفى العسكري في المزة بعد نزيف حاد للمهبل. وكان الطبيب المكلف بعلاجها يقول لها: "أرجوك، إن كان عندك شيء تريدين البوح به، فافعلي. فالكثير من النسوة تسبّب الاغتصاب في موتهنّ. وأنتِ مهدَّدةٌ بأن تصبحي حاملا. إذن، فاكشفي عمّا تعرفينه". وبعد بضعة أسابيع اكتشفت مايا أنها حاملٌ فكشفت عن مخاوفها لأحد الحراس. قام أحد الأطباء بتحليل عيّنة من دمها وقال لها بأنها متعبةٌ لأنها فقدت كثيرا من دمها. وأعطاها بعض الأقراص من أجل "تقويتها". وبعد أن تناولت قرصين شعرت مايا بألم حاد في بطنها وفقدت كثيرا من دمها. حينها أدركت أن الدواء كان أقراصاً مُجهِضَة، وبأنها تعرضت لإجهاض قسري.

وتختم الصحيفة بالقول "إن ضلوع أطباء، وَاعينَ بالجرائم التي تتعرض لها المعتَقلات، وتوزيع أدوية، لا يدع مجالا كبيرا للشك فيما يتعلق بدرجة تنظيم السلطات للتغطية على جرائم الاغتصاب، أو على الأقل، التخفيف من نتائجها. وهي عناصر قاسية، ربما ستتصدى لها، ذاتَ يوم، العدالةُ الدولية".

وياتي تحقيق "ليبراسيون" بعد ثلاثة أشهر من بثّ القناة الفرنسية الثانية وثائقي "سورية الصرخة المخنوقة Syrie le cri étouffé" للمخرجة الفرنسية مانون لوازو، والذي روى في 70 دقيقة قصص معتقلات سابقات في سجون الأسد وتعرّضهنّ للاغتصاب.

ويوم الخميس الماضي، قال محققون تابعون للأمم المتحدة، إن قوات النظام السوري والقوات المتحالفة معها استخدمت الاغتصاب والاعتداء الجنسي على النساء والفتيات والرجال في حملة لمعاقبة مناطق المعارضة، وهي أفعال تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وصدر التقرير الذي أعدته لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، والذي يقع في 29 صفحة، في الوقت الذي دخلت فيه الثورة السورية عامها الثامن ويستند إلى 454 مقابلة مع ناجين وأقاربهم وشهود ومنشقين ومحامين وعاملين في القطاع الطبي.

وذكر التقرير أن قوات النظام اغتصبت مدنيين من الجنسين أثناء تفتيش منازلهم وأثناء عمليات برية في المراحل الأولى من الصراع، وبعد ذلك عند نقاط التفتيش وفي مراكز الاعتقال، لافتاً إلى أن أصغر ضحية لمثل هذه الجرائم فتاة تبلغ من العمر تسع سنوات.