فشل كلوي... الموت يلاحق أطفال صعيد مصر

فشل كلوي... الموت يلاحق أطفال صعيد مصر

13 نوفمبر 2018
ربّما تكون هذه المياه ملوّثة وتتهدّد كلياتهم (آن هرمس/Getty)
+ الخط -

الفشل الكلوي ليس مرضاً مستجداً في مصر، غير أنّه يزداد يوماً بعد آخر لأسباب عدّة، من قبيل التلوّث البيئي. ويهدّد الصغار أكثر فأكثر، وسط إهمال لوحدات غسل الكلى في المستشفيات الحكومية خصوصاً

يبدو أنّ إصابات الأطفال المصريين بالفشل الكلوي، لا سيّما في القرى والأرياف المصرية، تتزايد في السنوات الأخيرة. وتمتلئ المستشفيات الحكومية، يومياً، بمئات من هؤلاء الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و14 عاما، خصوصاً لناحية انتظار دخولهم غرف غسل الكلى، كلّ بدوره. في أحيان كثيرة، لا يتمكّنون من تلقّي العلاج، إمّا بسبب تعطّل الأجهزة وإمّا لانتهاء دوام عمل الموظفين.

وغسل الكلى يجري عادة بمعدّل ثلاث مرّات أسبوعياً، للصغار والكبار على حدّ سواء. لكنّ ذلك قد يتغيّر نتيجة المشكلات التي تعاني فيها وحدات غسل الكلى الخاصة بالأطفال، لا سيّما في محافظات الصعيد. والمشكلات التي يُعَدّ تعطّل الأجهزة أبرزها، تعود إلى زيادة عدد المرضى وعدم توفّر فنيّين لإصلاحها. كذلك، لا يوجد أطباء دائمو الإقامة في تلك الوحدات، الأمر الذي يؤدي إلى وفاة أطفال مرضى خلال الجلسات.

وقد تقدّم أهالي المرضى في محافظات صعيد مصر، بمئات الشكاوى إلى المسؤولين، سواءً إلى المحافظين أو القائمين على وزارة الصحة إلى جانب عدد من أعضاء مجلس النواب في دوائرهم، وهدفهم إنقاذ أطفالهم من "وحْل غسل الكلى" في المستشفيات. وشدّد الأهالي في شكاواهم، على أنّ وحدات الغسل تحتاج إلى صيانة الأجهزة، بينما يُسجّل نقص في الأدوية ومستلزمات عمليات الغسل، الأمر الذي يضطرهم إلى شراء المستلزمات الخاصة بالغسل قبل الجلسة، مع ما يشكّله ذلك من أعباء إضافية عليهم. أضافوا أنّه بعد الساعة الواحدة من بعد الظهر، لا يتوفّر أيّ طبيب لمتابعة حالة الأطفال. من جهة أخرى، أشاروا إلى سوء حالة الأسرّة وقلّتها وعدم نظافتها، بالإضافة إلى وجود حشرات وفئران في المستشفيات، الأمر الذي يجعل حالة المرضى في القسم أكثر سوءاً.

جهاز لغسل الكلى (Getty) 


"شيء محزن"

يقول مسؤول طبي، فضّل عدم الكشف عن هويّته، لـ"العربي الجديد"، إنّه "لا تتوفّر إحصاءات رسمية عن نسب الفشل الكلوي بين الأطفال المصريين"، مضيفاً أنّ "عدد مرضى الفشل الكلوي في مصر تجاوز مليون مواطن، في حين يسجّل الأطفال ما بين واحد واثنَين في المائة منهم على مستوى المحافظات". وإذ يشير إلى أنّ النسبة الأعلى للمرض بين الأطفال تُسجَّل في الصعيد، يتحدّث عن "قلة عدد مراكز غسل الكلى في القطاعَين الخاص والحكومي التي زادت من حدة المرض هناك. كذلك، من المفترض إيقاف العمل بأجهزة الغسل الحكومية، بسبب انتهاء عمرها الافتراضي".

ويؤكد المسؤول نفسه أنّ "ثمّة معاناة يعيشها أهالي الأطفال مرضى الفشل الكلوي في الصعيد، إذ إنّهم يضطرون إلى الانتقال من القرى إلى المدن ثلاث مرّات أسبوعياً، بسبب عدم توفّر وحدات غسل في القرى. وهو ما يكلّفهم بدلات مواصلات، وساعات طويلة على الطرقات، وساعات إضافية في انتظار دور أبنائهم للدخول إلى وحدات غسل الكلى، وساعات أخرى وهم ينتظرون انتهاء عمليات الغسل. كذلك تزيد معاناتهم بسبب تعطل الأجهزة ونقص عددها، الأمر الذي يدفع بعضهم إلى العودة إلى بيوتهم نظراً إلى عدم قدرتهم على تحمّل تكاليف غسل الكلى في مراكز خاصة. وهذا ما تسبب في انتشار الواسطة والمحسوبية عند حجز تلك الأجهزة".

ويوضح المسؤول نفسه أنّ "مدّة جلسة غسل الكلى الواحدة تتراوح ما بين ساعتَين وثلاث ساعات، أمّا في وحدات الصعيد فهي أقلّ من ساعة واحدة، بسبب عدد المرضى الكبير. وهو ما يحذّر من أنّ أعمار هؤلاء الأطفال محدودة بسبب عدم كفاية مدّة العلاج". ويرى أنّ "تلاصق الأطفال بعضهم ببعض على الأسرّة بأجسادهم الهزيلة ووجوههم الشاحبة من جرّاء المرض اللعين الذي يمنعهم من التمتّع بطفولتهم، شيء محزن". ويتخوّف من "وفاة جماعية في أثناء خضوع الأطفال لغسل الكلى، مثلما حدث في مركز ديرب نجم في محافظة الشرقية، في شهر سبتمبر/أيلول الماضي". يُذكر أنّ خمسة مرضى توفوا في حين أصيب 13 آخرون في ذلك المركز، في يوم واحد.



وكان عضو مجلس النواب أحمد إدريس قد أصدر بياناً في السياق، قال فيه إنّ أطفال الصعيد بمعظمهم يعانون من الفشل الكلوي، نتيجة إلقاء المخلفات في نهر النيل وبالتالي زيادة التلوّث، مشيراً إلى أنّ مراقبة البيئة أمر غير متوفّر في محافظات الصعيد على الإطلاق، خصوصاً في محافظات الأقصر وقنا وسوهاج. وتوقّع مزيداً من الأمراض الخطيرة التي تصيب الأطفال، منها الفشل الكلوي، مطالباً الحكومة، ممثلة بوزارات الصحة والبيئة والحكم المحلي، بالتحرّك لإنقاذ الأطفال من غول الأمراض الخبيثة. وأكّد أنّ مستشفيات الصعيد تعاني من نقص في الأطباء والأجهزة الطبية، خصوصاً أجهزة غسل الكلى.

تلوّث بيئي

من جهته، يشير أستاذ طب الأطفال في جامعة عين شمس، الدكتور محمد حامد، لـ"العربي الجديد"، إلى "ارتفاع نسبة أمراض الكلى في السنوات الأخيرة بين الأطفال، نتيجة تعرّضهم إلى التلوّث البيئي بأشكاله المتعددة، نتيجة التقدّم الصناعي وما يطلق في الجو من مكوّنات سامة، بالإضافة إلى التلوّث بالأتربة وعوادم السيارات ومخلفات ورش السمكرة والميكانيكا والمسابك‏. وهذا كله أدّى إلى تراكم الملوّثات في جسم الطفل، الأمر الذي ينتج عنه ضعف تدريجي في وظائف الكلى، أي في قدرتها على الأداء السليم. وينتهي ذلك إلى حدوث فشل كلوي في سنّ مبكرة‏، إلى جانب أمراض أخرى".

ويقول حامد إنّ "أهمّ التحديات التي تواجه مرضى الكلى، هو النقص في عدد الأطباء والممرضين، والنقص الكبير في متخصصي الكلى والممرضين ذوي الخبرة في رعاية المرضى، بالإضافة إلى النقص في عدد أجهزة غسل الكلى الخاصة بالأطفال دون الخامسة". ويتحدّث كذلك عن "النقص في الأدوية، وفي ملحقات أجهزة غسل الكلى غير المناسبة للأطفال مثل وصلات الدم والفلاتر، الأمر الذي من شأنه جعل عملية غسل الكلى مرهقة جسدياً ونفسياً لهم".



في السياق، يوضح أستاذ الكبد والجهاز الهضمي في كلية طب قصر العيني، الدكتور أسامة حسني، لـ"العربي الجديد" أنّ "ما يتراوح بين 10 و35 في المائة من الأطفال مرضى الفشل الكلوي يُصابون بالتهاب الكبد، فضلاً عن إصابتهم بأمراض أخرى مثل تصلّب شرايين القلب.

كذلك تؤثّر الإصابة بالتهاب الكبد على البنكرياس، الأمر الذي يؤدي إلى الإصابة بداء السكري". ويتّهم حسني "أجهزة الغسيل الكلوي بأنّها السبب في نقل أمراض أخرى كثيرة إلى مرضى الفشل الكلوي"، لافتاً إلى أنّ "الأطفال غير قادرين على التعايش مع تلك الأمراض، الأمر الذي يؤدّي إلى حدوث هبوط في الدورة الدموية والوفاة".

يضيف حسني أنّه "في خلال غسل الكلى، تُضَخّ كميات من الدم إلى خارج الجسم عبر الجهاز الخاص، وبذلك ترشح السوائل الزائدة من الدم قبل أن يُعاد الدم إلى الجسم. وفي هذه الأثناء، قد تنتشر العدوى بأمراض الدم والأمراض الفيروسية من خلال جهاز غسل الكلى، بسبب عدم تبديل الفلاتر وعدم صيانة الأجهزة دورياً من قبل المختصين، خصوصاً في المستشفيات الحكومية المصرية، حيث تحدث أزمات في وحدات غسل الكلى". ويتابع أنّ "عدم تعقيم كل الأجهزة المستخدمة أمر خطير، وكذلك نقل الدم للمريض الذي يحتاجه بطريقة غير آمنة، يؤديان إلى تدهور حالة المريض. وثمّة وفيات عدّة تحدث في داخل الوحدات وبعد انتهاء الغسل، وتُصنَّف حوادث قضاء وقدر".

معاناة المرضى في الأرياف كبيرة (Getty)


آلام ومعاناة

يخبر محمود يونس، وهو والد أحد مرضى الفشل الكلوي في محافظة الأقصر بصعيد مصر، "العربي الجديد"، أنّه يعاني منذ عام من جرّاء مرض ابنه البالغ من العمر 10 أعوام. يضيف: "لا أستطيع تحمّل أعباء جديدة، بسبب نقص الأدوية وأعطال أجهزة غسل الكلى، مع تجاهل تام من قبل المسؤولين في مديرية الصحة". ويلفت يونس إلى أنّه تقدّم مع عدد من أهالي المرضى بشكاوى عدّة إلى جهات مختلفة، "لكنّه لم يُنظَر في شكاوانا. فمرضى الفشل الكلوي في الأقصر من البسطاء ومحدودي الدخل". ويطالب يونس المسؤولين بـ"النظر إلى حالتنا وتخفيف الأعباء والمعاناة عنا".

من جهتها، تقول والدة الطفل محمد إبراهيم، البالغ من العمر تسعة أعوام، من المحافظة نفسها، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ابني لا يذهب إلى المدرسة كما الأطفال الآخرين، لأنّه مصاب بالفشل الكلوي منذ عامَين". وتوضح: "أصطحبه إلى المستشفى ثلاثة أيام في الأسبوع على حسابي الخاص، وأشتري الدواء على حسابي الخاص مثل أدوية فقر الدم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى بعض مستلزمات غسل الكلى". تضيف: "ربما نشترك، كأسر مصرية، مع بعضنا البعض لشراء تلك الأجهزة، لعلّنا نخفّف الأعباء المالية عنا".

المساهمون