نكبة تثبيت الزواج في إدلب

نكبة تثبيت الزواج في إدلب

20 أكتوبر 2019
عدم تثبيت الزواج خطير اجتماعياً وحقوقياً (فاليري شاريفولين/ Getty)
+ الخط -

ليس سهلاً بالنسبة للقاطنين في مدينة إدلب السورية تثبيت زواجهم، بسبب غياب الجهات المعترف بها سواء على صعيد الداخل أو الخارج. وتتفاقم المشكلة مع إنجاب الأطفال، إذ لا يحصل الكثير من الصغار على أوراق رسمية

يعاني السوريّون من جرّاء عدم تمكنهم من تسجيل زواجهم لدى جهة معترف بها من كل أطراف الصراع في الداخل أو الخارج، ما ينعكس على بعض تفاصيل حياتهم، خصوصاً حين يصير الأطفال في عمر المدرسة.

يقول عامر السيد محمد، من سكان إدلب، لـ"العربي الجديد": "لدينا محاكم محليّة في المنطقة تتولّى تثبيت عقود الزواج. وهناك من يثبّت زواجه لدى النظام عن طريق وسطاء". ويرى أن "المشكلة لا ترتبط بالإجراءات بل بالمحاكم التي لا يعترف بها أحد. مضى على زواجي أكثر من سنة من دون أن أتمكن من تثبيت زواجي لدى أي جهة. لا أذهب إلى مناطق النظام وليس لدي أحد هناك، وأبحث عن جهة معترف بها لتسجيل زواجي لكنها غير متوفرة". يضيف: "الموضوع مقلق جداً بالنسبة لي، خصوصاً أنني أستعد لاستقبال طفل، ولا أعلم أين أسجله. سابقاً، لم أكن أفكر بالأمر لكن صار يقلقني اليوم".




ويوضح: "لا شيء رسمياً حالياً. هي سلطات أمر واقع، والناس تترقب المستقبل عله يكون هناك شيء رسمي، خصوصاً أنه يحتمل أن تكون تركيا مسؤولة عن تنظيم مثل هذه الأمور".
ويذكر أن "مسألة ضمان حقوق المرأة غير مضمونة، إلا من خلال الأخلاق والشرع. وهذه السلطة الأقوى لضمان حق المرأة بشكل عام. لكن بالطبع، قد تكون هناك تجاوزات ونزاعات. لذلك، غالباً ما لا تزوج العائلات بناتها لرجال غرباء، ما لم يكن موثوقاً منهم بشكل كبير".

من جهتها، تقول ندى دباس، لـ"العربي الجديد": "تزوجت أختي من نحو خمس سنوات لدى شيخ. قبل التسجيل في المحكمة الشرعية، سافر زوج شقيقتي إلى أوروبا تاركاً إياها مع طفل. وعند البدء بأوراق لمّ الشمل، لم يعترف بالورقة من المحكمة الشرعية، ما أجبرها على تسجيل زواجها في محكمة النظام. أمر اضطرها إلى دفع نحو ألف دولار أميركي، إضافة إلى مبلغ أكبر للحصول على جواز سفر، ما استغرق أشهراً عدة".

تضيف دباس: "أما شقيقي، فقد انتقل قبل نحو أربع سنوات للعيش في تركيا، ولم تعترف السلطات هناك بأوراق الزواج، ما اضطره إلى أن يكتب كتابه من جديد لدى السلطات التركية، حتى تمكن من تسجيل أبنائه في المدرسة". أما أبو ماجد العبد، الذي نزح من ريف دمشق إلى إدلب، فيقول لـ"العربي الجديد": "زوجت ابنتي لأحد مقاتلي الفصائل في ريف دمشق عند شيخ، ثم انتقل معنا إلى إدلب ولم نثبت الزواج في المحكمة. وبعد فترة، انتقل للقتال إلى جانب إحدى الفصائل في ريف حلب. وبعد فترة قصيرة قتل في إحدى المعارك. اليوم، أبناء ابنتي أصبحوا بعمر المدرسة، ولا أستطيع استخراج أوراق تسمح لهم بالالتحاق بالمدرسة". يضيف: "اكتشفنا بعد فترة من مقتل زوج ابنتي أن ورقة كتب الكتاب غير موجودة مع ابنتي ولا تعلم أين توجد. أما الشهود، فقد قتل أحدهما مع زوج ابنتي والآخر بقي في البلدة ولا أستطيع التواصل معه".

ويلفت إلى أن مشاكل تثبيت الزواج معاناة حقيقية لدى الكثير من العائلات، خصوصاً بالنسبة للفتيات اللواتي فقدن أزواجهن. هنّ لسن متزوجات ولا مطلقات ولا أرامل. كما أن الأطفال من دون أوراق رسمية".

من جهتها، تعرب عضو منظّمة "مساحة سلام" في ريف إدلب ميسون بيطار، لـ"العربي الجديد": "هناك عشوائية في تنظيم عقود الزواج والمخاطرة بحقوق الفتيات خلال فترات النزوح". وتنقل عن أحد المحامين في فريقها قوله: "أي عقد بين زوج وزوجة يكون عقداً نافذاً، لأنه مستمد من التشريع الإسلامي، وهو ثابت لكن يجب أن يكون مكتوباً من قبل شيخ، وإن كان مثبتاً في ديوان المحكمة الشرعية". ويلفت إلى أن "المخاطر الحقيقية تتمثل في ألا يكون هناك عقد مكتوب. هناك من يكتب كتابه شفهياً بحضور الشهود، لكن هؤلاء الشهود قد يسافرون أو ينسون أو يموتون، والحق ثابت بالعقد، وإن كانت النساء حالياً يبذلن الكثير من الجهد للحصول على حقوقهن".

من جهته، يقول مصطفى رجب، لـ"العربي الجديد": "لا خيارات أمام الناس في مسألة تثبيت الزواج، فإما أن يثبتوه لدى المحاكم المحلية التابعة للقوى المسيطرة على المنطقة، وإما أن يسجل لدى النظام، لكن هذا مكلف لغالبية العائلات". يضيف: "غالباً ما لا يثبت المتزوج عقد زواجه إلا عندما يصبح أبناؤه بعمر الدخول إلى المدرسة. وشعبياً، يعتبر عقد الشيخ هو الأساس، كما تعتمد عليه المحكمة لتثبيت الزواج". ويشير إلى أن "المحاكم هي التي تفصل بموضوع الحقوق، وهي التي تحصلها على أساس عقد الشيخ، وعادة ما لا يكون في مقابل مادي. أما تثبيت عقد الزواج، فأعتقد أنه يكلف نحو ثلاثة آلاف ليرة سورية".

من جهته، يقول محام من إدلب طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد": "تثبيت الزواج لدى الدولة السورية، وإدراجه على السجل الإلكتروني لإدارة الشؤون المدنية (أصبح المواطن السوري قادراً على استخراج أوراقه الرسمية من أي مديرية للسجل المدني في أي محافظة)، يتطلب عقد الزواج أمام المحكمة الشرعية بحضور الزوج والزوجة، بعد استيفاء الأوراق المطلوبة ضمن معاملة عقد القران، من فحص طبي وإخراجات قيد عائلية وغيرها، أو دعوى تثبيت زواج تقام من قبل الزوجة لمواجهة الزوج في المحكمة الشرعية التابعة للنظام".

ويلفت إلى أنه "في حال عدم القدرة على القيام بالإجراءات بحسب الأصول، كعدم وجود وكلاء للعروسين، وعدم قدرة الزوجين على الحضور إلى المحكمة الشرعية في مناطق النظام، يمكن الاستعانة بسماسرة قادرين على تأمين عقد زواج يثبت بالسجل المدني بشكل رسمي، ويدرج إلكترونياً، مع معلومات تتعلّق بالمقدم والمؤخر". يضيف: "يمكن جلب عقود زواج صادرة عن محاكم لبنان، وهي عقود معترف بها لدى المحاكم الشرعية في مناطق النظام. لكلّ حالة كلفة خاصة ترتبط بقدم الزواج وعدد الأطفال. وتبدأ من 600 دولار أميركي، علماً أن المبلغ كبير بالنسبة للكثير من أهالي المنطقة".

ويبيّن أنه "في المحاكم الشرعية في إدلب الخاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة، يسجل الزواج من دون حضور الزوج والزوجة، ويتم الاكتفاء بصورة عن عقد زواج يكتبه الشيخ، يُستند له فقط لتبيان المقدم والمؤخر". يضيف: "كان هناك قاض شرعي تابع للدولة السورية يعقد عقود الزواج في معرة مصرين وسراقب، لكن الفصائل في المنطقة أغلقت المحاكم بداية عام 2018".




ويوضح المحامي أن "مسألة عدم تثبيت الزواج خطيرة من الناحيتين الاجتماعية والحقوقية. وظهرت النتائج عندما سيطرت الدولة السورية على مناطق عدة في حلب. وكان هناك آلاف الأطفال مجهولي الأب نظراً لتزويج الفتيات بموجب عقود غير رسمية، وبأسماء حركية، علماً أن الدولة السورية لا تعترف بعقد الزواج الصادر عن القاضي الشرعي التابع للهيئة أو الائتلاف".

المساهمون