260 ألف طن نفايات تتكدّس في شوارع غزة

05 نوفمبر 2025   |  آخر تحديث: 00:45 (توقيت القدس)
أطنان نفايات قرب خيام، 21 مارس 2025 (سعيد جرس/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه بلدية غزة أزمة حادة بسبب تراكم 260 ألف طن من النفايات نتيجة لتدمير 85% من آلياتها، مما يسبب بيئة لتكاثر الحشرات وانتشار الأمراض وتلوث الهواء.
- يعاني سكان غزة من تدهور صحي ونفسي بسبب الروائح الكريهة وانتشار الحشرات، مما يؤثر سلباً على جودة الحياة والأسواق المحلية، مع زيادة في الأمراض التنفسية والجلدية.
- تبذل البلدية جهوداً استثنائية لإزالة النفايات وتحتاج لدعم دولي عاجل لتوفير المعدات والوقود، مع تحديات كبيرة بسبب الحصار ونقص الموارد.

تواجه بلدية غزة كارثة صحية وبيئية كبيرة جراء تكدّس أكثر من 260 ألف طن من النفايات في شوارعها ومكباتها، بالتزامن مع تدمير الاحتلال الإسرائيلي نحو 85% من الآليات، وعدم توفر معدات جديدة لجمع النفايات وتقديم الخدمات الأخرى.
ويشكل تراكم النفايات بيئة مثالية لتكاثر الحشرات والقوارض والذباب، ما يؤدي إلى تفشي أمراض مثل التيفوئيد والكوليرا والتهاب الكبد الفيروسي والأمراض التنفسية، الى جانب تلوث الهواء جراء انبعاث الغازات السامة الناتجة من تحلل المواد العضوية وحرق النفايات.
إلى ذلك يتسبب تسرب العصارة السامة من المكبات إلى طبقات المياه الجوفية في تلوث مصادر المياه، ما يرفع احتمالات الإصابة بأمراض الجهاز الهضمي والتسمّم المزمن، ويؤدي إلى تراجع جودة الحياة بفعل الروائح الكريهة والمشاهد غير الصحية التي أدت إلى تدهور الحالة النفسية للسكان وزيادة معدلات القلق والاكتئاب.

عن تأثير تراكم النفايات على حياته اليومية، يقول أحمد عبد الهادي (42 عاماً) الذي يسكن وسط مدينة غزة، لـ"العربي الجديد": "لم تعد الأوضاع تطاق في ظل تكدّس النفايات منذ فترة طويلة من دون القدرة على إزالتها بسبب ضعف الإمكانات. الرائحة لا تحتمل خصوصاً وقت الظهيرة، وأطفالي يعانون من الحساسية والسعال المستمر. وفي الليل تنتشر الفئران والذباب والبعوض بشكل مخيف، وأصبحنا نخاف من انتشار الأمراض. لم نعد نشعر بأمان صحي، ونعيش كل يوم في قلق مستمر".
يعتبر خليل دهمان، وهو صاحب بسطة في سوق شعبي ملاصق لنقطة مؤقتة لتجميع نفايات بسبب عدم القدرة على ترحيلها، أن مشهد أكوام القمامة بات جزءاً من الحياة اليومية لأهالي غزة، ما ينذر بمخاطر صحية وبيئية واجتماعية خطيرة".
يتابع: "أخسر زبائن لا تحتمل رائحة القمامة أو رائحة الدخان المنبعث من حرقها. أثّرت المشكلة علينا كثيراً. تتراكم النفايات قرب السوق، وتبعد الروائح الكريهة الزبائن. في الأيام الحارة يصبح الجو خانقاً، ويغطي الذباب البضائع رغم كل محاولات التنظيف. انخفضت المبيعات إلى نحو النصف، وأغلق بعض التجار محلاتهم مؤقتاً، ونطالب الجهات المختصة بالتحرك السريع لأن الوضع يهدد لقمة عيشنا كما الصحة العامة، ويشوّه صورة المدينة".
وتشير سلاف ديب، وهي طبيبة صحة عامة في مركز صحي ميداني، في حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى أن "تراكم النفايات وتشكل سيول الصرف الصحي نتيجة غياب الإمكانات والتأثيرات الكارثية والعميقة للعدوان الإسرائيلي زادت حالات المرض في شكل ملحوظ". تتابع: "شهدت الفترة الأخيرة ارتفاعاً كبيراً في حالات التهاب الجهاز التنفسي، والتهاب الجلد، وأمراض الجهاز الهضمي، خصوصاً بين الأطفال وكبار السن، وكثير من المرضى يذكرون أن منازلهم أو خيامهم قريبة من مواقع تراكم القمامة". وتشدد ديب على أن "الحرق العشوائي للنفايات زاد تلوث الهواء، وفاقم الأعراض لدى مرضى الربو، وإذا لم تعالج المشكلة بشكل عاجل قد نواجه موجة أمراض أوسع خلال فصل الشتاء".
ويتسبب تراكم النفايات في تداعيات بيئية عدة، مثل تلوث التربة والمياه الجوفية، وانبعاث الغازات الدفيئة، وتدمير التنوع الحيوي، وتشويه المشهد الحضري، إلى جانب التداعيات الاجتماعية والاقتصادية، وأيضاً ارتفاع كلفة المعالجة المتأخرة.

دمار ونفايات، 21 أكتوبر 2025 (الأناضول)
دمار ونفايات، 21 أكتوبر 2025 (الأناضول)

ويذكر المتحدث باسم بلدية غزة، حسني مهنا، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "الوضع في مدينة غزة خطير جداً إذ تعاني من كارثة صحية وبيئية غير مسبوقة جراء تراكم أكثر من 260 ألف طن من النفايات في شوارعها ومكباتها المؤقتة، بفعل صعوبة عمليات جمعها ونقلها، ومنع الاحتلال الإسرائيلي وصول طواقم البلدية إلى مكب جحر الديك شرقي مدينة غزة".
ويلفت إلى أن "بعض الشوارع تحوّلت إلى مكبات مفتوحة وعشوائية، وتنتشر الروائح الكريهة في الأحياء السكنية، خاصة تلك المكتظة بالنازحين، ما يشكل تهديداَ مباشراَ لحياة المواطنين واحتمالاً حقيقياً لانتشار الأوبئة والأمراض المعدية".
ويعزو مهنا أسباب الأزمة إلى "نقص الآليات بعد تدمير إسرائيل نحو 85% من مركبات البلدية وآلياتها، ونقص الوقود اللازم لتشغيل مركبات الجمع وألياته، إلى جانب القيود التي تمنع الوصول إلى المكب الرسمي في جحر الديك. وهذه الأسباب جعلت البلدية تعمل في ظروف شبه مستحيلة وبموارد محدودة جداً".
ويؤكد مهنا أن "تراكم النفايات يتسبب في مخاطر كبيرة، ويمثل قنبلة موقوتة وسط المدينة بعدما أوجد بيئة خصبة لانتشار الحشرات والقوارض بشكل واسع. وهي تتحلل في فصل الصيف وتسرّب عصارة سامة إلى باطن الأرض بشكل يهدد بتلوث المياه الجوفية. وهذا الوضع ينشر أمراضاً جلدية وتنفسية ومعدية، خصوصاً في الأحياء المكتظة بالنازحين التي تفتقر إلى النظافة والخدمات الأساسية. كما يضطر بعض السكان لحرق النفايات بسبب الروائح، ما يفاقم أزمة تلوث الهواء وانبعاث الغازات السامة. وستستمر الآثار الخطيرة على التربة والمياه سنوات إذا لم تعالج بشكل عاجل".
ويلفت مهنا إلى أن "البلدية تعمل بما تبقى من إمكانات لكنها لا تستطيع وحدها مواجهة الكارثة". ويطالب الجهات الدولية بتدخل عاجل لتوفير المعدات والآليات الثقيلة اللازمة للجمع والنقل، إضافة إلى مستلزمات الوقاية لعمال النظافة، والسماح بالوصول الآمن إلى المكب الرسمي.

ورغم حال الانهيار الكامل في الإمكانات المتوفرة، تبذل بلدية غزة جهوداً استثنائية عبر تحريك فرقها الميدانية ولجان الأحياء والمتطوعين لإزالة النفايات من الشوارع الرئيسية والمناطق الأكثر تضرراً. ويقول مهنا: "استطعنا خلال الحرب نقل النفايات إلى مكبات مؤقتة داخل المدينة، وهي مكب اليرموك ومكب أرض سوق فراس. وهذه الجهود بذلت بما تبقى من مركبات لتقليل الضرر الإنساني قدر المستطاع، لكننا نؤكد أن الحل الجذري يتطلب دعماً عاجلا بالوقود والمعدات الثقيلة والسماح لطواقم البلدية بحرية الحركة".
وتتطلع البلدية في مرحلة ما بعد الحرب إلى إعادة بناء منظومة إدارة النفايات الصلبة من جديد، بدءاً بإعادة تأهيل المكبات والمحطات المتضررة، وصولاً إلى تعزيز التعاون مع المؤسسات الدولية لتطبيق خطط معالجة للنفايات وفرزها وتدويرها، لكنها تنتظر رفع الحصار ودخول المعدات والوقود وتوفر الحدّ الأدنى من مقومات الحياة.

المساهمون