أطفال مصر... سلوكيات متغيّرة في زمن كورونا

أطفال مصر... سلوكيات متغيّرة في زمن كورونا

11 يونيو 2020
الأمهات يلاحظنَ تبدّلات صغارهنّ (وزياد أحمد/ Getty)
+ الخط -

لا يختلف أطفال مصر عن سواهم من صغار العالم الذين يعانون في ظلّ أزمة كورونا الراهنة التي أحدثت تغييرات على صعد مختلفة لم توفّر أحداً. ولعلّ أبرز ما يسجّل لدى الأطفال هو الميل إلى العزلة والعنف وعدم التركيز والتعلّق بالشاشات.

لا تخفي نرمين إبراهيم أنّها راحت تلاحظ تغيّرات في سلوك طفلها ابن الأعوام الخمسة في خلال الأشهر القليلة الماضية، بالتزامن مع تدابير التباعد الاجتماعي المتخذة على خلفية انتشار فيروس كورونا الجديد. تقول لـ"العربي الجديد": "لاحظت أنّه صار أكثر عزلة وانطوائيّة، فيما يقضي ساعات طويلة ليلاً ونهاراً وعيناه تحدّقان بشاشة الهاتف المحمول أو التلفاز، من دون التنبّه إلى ما يجري من حوله، من قبيل نداءاتي المتكررة أو دعوته إلى اللعب أو حتى الخروج في نزهة سريعة بالسيارة". وليس عدم التركيز على ما حوله وإدمان الشاشات وحدهما علامتَي تغيّر سلوك صغيرها، فهو صار "أكثر عنفاً" إذ يميل إلى "الضرب والصراخ بصوت عالٍ، فيما يكسر ألعابه حتى المفضلة منها لديه".

ومثل هذا التغيّر له أسبابه بحسب علم نفس الأطفال، وكذلك له علاجاته السلوكية التي تساعد على تخطّي الاضطرابات النفسية الناتجة عن الضغط النفسي والتوتر. وقد قدّمت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) طرقاً يستطيع من خلالها الآباء والأمهات دعم أطفالهم للتعامل مع المشاعر التي يختبرونها في خلال هذه المرحلة، وتشمل مراقبتهم (كبالغين) لسلوكهم ومحاولة البقاء هادئين قدر المستطاع، بالإضافة إلى تشجيع الأطفال على التعبير عن مشاعرهم وطمأنتهم من خلال التحدث معهم حول الفيروس الجديد بهدوء ورويّة. كذلك دعت المنظمة البالغين إلى محاولة صرف نظر الأطفال عن مشاعر القلق والخوف من خلال ممارسة أنشطة محبّبة إليهم، والاستمرار في الحياة الطبيعية قدر الإمكان للتخفيف من حدّة التغيرات التي يمر بها الأطفال.

وإلى جانب العنف الذي يعبّر الأطفال من خلاله عن خوفهم وقلقهم، ثمّة تغيّرات ملحوظة في سلوكياتهم. تقول بسمة، وهي والدة طفل في الرابعة من عمره، لـ"العربي الجديد"، إنّه "بدأ أخيراً يتلعثم في الكلام، بخلاف عادته، وكذلك لاحظت أنّه راح يقضم أظافره ويضغط على شفتَيه بأسنانه". لكنّ بسمة عدلت عن فكرة اللجوء إلى طبيب لمتابعة تلعثم ابنها، لأنّها خشيت من اصطحابه إلى عيادة أو مستشفى وسط الظروف الصحية الراهنة.



في هذا الإطار، يقول طبيب أطفال متخصص في التخاطب لـ"العربي الجديد" إنّه "لا ينبغي القلق من تلعثم الأطفال في الكلام بشكل عرضي حالياً"، لافتاً إلى أنّ "الأمهات رحنَ يلاحظنَ تغيّرات بسيطة في أطفالهنّ، لا سيّما لجهة نمط أكلهم ونومهم بالإضافة إلى مزاجهم وحتى نوع بكائهم". ويشرح أنّ "هذه التغيرات البسيطة في مواعيد النوم ورفض الطعام والبكاء نتيجة الملل، كلها تصرّفات طبيعية ومنطقية ولا داعي للقلق منها، ولا داعي كذلك لعلاجها حالياً. لكن إذا استمرّ التلعثم إلى ما بعد انتهاء الأزمة، فإنّ الأمر يتطلب حينها التوجّه إلى متخصصي تخاطب. أما التغيّرات السلوكية الأخرى فستلزم متخصصين نفسيين".

من جهته، يقول استشاري طبّ نفسي متخصص في مجال الأطفال والمراهقين لـ"العربي الجديد" إنّ "التغيّرات السلوكية لدى الأطفال في الفترة الراهنة سببها القلق الذي يتحوّل إلى غضب، وينعكس في سلوك الطفل على شكل فرط في الحركة أو ميل إلى العنف أو تكسير للألعاب أو قضم للأظافر والشفاه أو تلعثم في الكلام". ويرى أنّه "من المفضّل التحدّث مع الأطفال ومشاركتهم ما هو متاح من معلومات حول الوضع الاستثنائي اليوم، بطريقة مبسطة"، مشدداً على "عدم خداعهم أو إعطائهم معلومات غير حقيقية لتهدئة قلقهم". يضيف أنّ "الأطفال يشعرون بالفطرة بكلّ التغيّرات الحاصلة في الحياة، ويكون الطفل جاهزاً ومستعداً للحديث عنها وتلقّي أجوبة حولها عندما يبدأ بطرح أسئلة حولها. هذا هو الوقت الأمثل. أما إذا لم يسأل عن شيء، فمن الأفضل عدم إقحامه في أحاديث حول الموضوع".

ويعود المتخصص النفسي إلى التأكيد على "ضرورة عدم خداع الطفل. فالكبار أنفسهم، على سبيل المثال، لا يعلمون متى ستعود الحياة إلى طبيعتها، والحيّز الزمني المتوقع للخروج مجدداً والعودة إلى تفاصيل الحياة الطبيعية كما كانت سابقاً. كذلك لا ينبغي الكذب على الطفل الذي يسأل متى العودة إلى المدرسة أو النادي الرياضي أو النشاط الذي يفضله أو أيّ شيء آخر لا يملك الكبار إجابات حوله. وفي هذه الحالة من الأفضل وعد الطفل بمعاودة الحديث إذا استجدّ شيء أو إذا توفّرت معلومات ذات صلة". وينصح الآباء والأمهات بـ"تطبيق روتين يومي للأطفال يشمل النوم مبكراً والاستيقاظ في مواعيد محددة، وتناول الوجبات في أوقات منتظمة، على أن تدخل في هذا الروتين اليومي كذلك ممارسات حركية تشجعه على الجري والقفز والحركة، على أن ينتهي اليوم باجتماع أسري حول لعبة مثل ورق الكوتشينة أو السلم والثعبان وما إلى ذلك من ألعاب يشترك فيها أفراد الأسرة كلهم". كذلك يشدّد على ضرورة أن "تحرص الوالدة على تنظيف البيت وترتيبه لما في ذلك من تأثير على خلق مناخ مريح وهادئ للجميع. كذلك لا يجب التعليق على التغيّرات السلوكية الطارئة من قبيل قضم الأظافر أو التلعثم في الكلام، ومن المفضّل تجاهل تنبيه الطفل إليها حتى لا يعاند بتكرارها أو يشعر بأنّه محطّ انتقاد دائم. في المقابل، يمكن دفعه إلى استبدالها من خلال إشغاله وإلهائه بأيّ حركة أو نشاط".



تجدر الإشارة إلى أنّ دراسات وإحصاءات أخيرة أُعدّت حول تأثير أزمة كورونا على الصحة النفسية عالمياً. ويقول خبراء في علم النفس إنّ الأطفال يعانون من القلق كما زادت حالات الاكتئاب والتوتّر في بلدان عدّة. وأخيراً، أفادت منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة، بأنّهما رصدتا انتشاراً كبيراً لاضطرابات نفسية بسبب جائحة كورونا، خصوصاً بين العاملين في مجال الرعاية الصحية والأطفال. وقد كشف آباء في إيطاليا وإسبانيا أنّه في أثناء العزل الاجتماعي خلال تفشّي الوباء، وجد 77 في المائة من الأطفال صعوبة في التركيز، فيما أصيب 39 في المائة بالقلق والاضطراب، أما 31 في المائة فيشكون من مشاعر الوحدة، بحسب ما بيّنت المنظمتان الأمميتان.