نزوح صحي من عدن

نزوح صحي من عدن

18 مايو 2020
تعقيم على حاجز للمجلس الانتقالي في عدن (فرانس برس)
+ الخط -
775 شخصاً في محافظة عدن، في جنوب اليمن، لقوا حتفهم خلال 15 يوماً من مايو/ أيار الجاري بأمراض وبائية مختلفة، ما يدفع الأهالي إلى النزوح بعيداً

الارتفاع القياسي في عدد الوفيات اليومية، مع انتشار فيروس كورونا الجديد، بالإضافة إلى الأوضاع السيئة في محافظة عدن، جنوبي اليمن، كلّ ذلك يدفع الناس إلى النزوح إلى المحافظات النائية والريف يومياً وبأعداد كبيرة بعد تدني مستوى الأمل لدى غالبية المواطنين، حول إمكانية تخطي فكرة الموت، في ظلّ الأوضاع المرعبة التي يعيشونها على جميع المستويات، بما فيها تزايد عدد الأوبئة والأمراض القاتلة.

يذكر مصدر في الأحوال المدنية والسجل المدني في عدن أنّ يوم الجمعة، الموافق 15 مايو/ أيار الجاري، سجّل ارتفاعاً قياسياً في عدد الوفيات في جميع الأوبئة المعروفة في عدن مثل فيروس كورونا الجديد، والمكرفس (شيكونغونيا) وحمى الضنك والملاريا، أو غير المعروفة، وذلك من خلال تسجيل ثمانين وفاة في ذلك اليوم وحده، ليرتفع العدد الإجمالي خلال خمسة عشر يوماً إلى سبعمائة وخمسة وسبعين شخصاً.



يؤكد المصدر أنّ هذه الأعداد قد تزداد، ويشير إلى أنّ كونهم جهة حكومية تسجل الوفيات، فإنّهم يعلنون عنها وفقاً لما يدوّنه الأطباء في الملفات حول سبب وفاة كلّ شخص ونوع المرض الوبائي بعيداً عن اللجنة العليا لمكافحة كورونا، وذلك حرصاً على الشفافية، ولدفع المواطنين لاتخاذ تدابير الوقاية بدلاً من تضليلهم بأرقام غير صحيحة. ويقول إنّ الوضع بات خارج السيطرة والناس لم يعودوا يهتمون بأيّ شيء، بل يترقبون وفاتهم في أيّ لحظة، خصوصاً أنّ الأوبئة، بما فيها كورونا، باتت تفتك بهم من دون أيّ رحمة، مع غياب وسائل الحماية والوقاية عنهم، وهو ما يدفعهم إلى البحث عن خيارات للنجاة بجلودهم قبل فوات الأوان، أبرزها النزوح.

وتشير المعلومات من مصادر محلية وحقوقية إلى أنّ عمليات النزوح الجماعي للعائلات من مدينة عدن خصوصاً زادت حدتها في الأيام الأخيرة، وذلك باتجاه الأرياف والمناطق الجبلية في المحافظات المجاورة التي باتت مقصداً للهاربين من الأوبئة والأمراض القاتلة، خصوصاً بعد الارتفاع الأخير في عدد الوفيات وما رافقه من خوف.

يقول عبد الناصر عبد الله: "غادرت عدن، مع أفراد أسرتي، نزوحاً، ولم أفكر إذا ما كنت سأحصل على مأوى لأسرتي خارج عدن أم لا، بقدر ما يهمني أن أعيد الطمأنينة لأطفالي وزوجتي، وأبعد الخوف عنهم، الذي بات يشكل وباء بدوره لا يقل خطورة عن الأوبئة المنتشرة بعدن، ولا ندري أيّها نقاوم. كذلك فإنّ الجو حار جداً وهناك انقطاع شبه تام للتيار الكهربائي، والمياه".

من جانبه، يقول زيد إسماعيل، وهو مصاب بكورونا: "أسرتي تعيش حالة رعب منذ إصابتي، ويخافون من انتقال العدوى إليهم، بالرغم من الحجر الصحي الذي اعتمدته، بالإضافة إلى برنامج خاص تنفذه زوجتي، وهي ممرضة. ولا يقتصر خوفهم على احتمال التقاط العدوى، بل يتخوفون من ردة فعل الناس تجاههم، في حال خروجهم، إذ إنّ في عائلتهم مصاباً. أما أنا فأعيش حالة رعب مختلفة، وهي انتظار موتي، خصوصاً أنّني أسمع يومياً أنباء عن فلان وفلان ممن أصيبوا بكورونا وغيره وقضوا فيه. وعلى هذا المنوال أعيش حياة مليئة بالرعب من جميع الاتجاهات". يضيف: "إذا قدّر الله لي الشفاء من هذا المرض ولم يصب أحداً من أسرتي، سنغادر عدن، فالوضع الصحي فيها سيئ، والخوف يسيطر عليها".

الطبيبة أمل، تقول بدورها، إنّ كثيرين استسلموا للموت، لذلك لم يعد يهمهم أيّ وباء أصيب هذا الشخص به، بقدر ما يفكرون إذا كان سيعيش أم يموت. تشير إلى أنّ أسعار وسائل الوقاية والمعقمات والمعدات الطبية ارتفعت بشكل جنوني، كما شهدت المدينة هروباً للأطباء بعد انتشار الوباء بينهم، ووفاة العديد منهم، وإغلاق أغلب المستشفيات أبوابها بوجه المصابين وتوقف عمليات التشخيص، بالإضافة إلى انقطاع الكهرباء والماء المتكررين، وتكدس القمامة، وامتلاء الشوارع بمياه الصرف الصحي، واحتمال تلوث مياه الشرب، ما ساعد في انتشار البعوض الناقل للأوبئة. إلى جانب كلّ ذلك اختفت مظاهر الدولة، وتوقف عمل المؤسسات الحكومية، وبالتالي لم تعد عدن بأيّ شكل من الأشكال بيئة صحية قابلة للحياة، فقد تحول كلّ ركن وزاوية فيها إلى حاضن للأوبئة القاتلة.



وأدّى فشل وكلاء الإمارات في المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، في اتخاذ أيّ إجراء لمنع تزايد انتشار الأوبئة التي يتزايد عدد الوفيات بسببها. كذلك، أدى نهب الأموال من البنك المركزي اليمني، من قبل المجلس الانتقالي إلى انقطاع رواتب الموظفين المدنيين مما عقد من حياة الناس في عدن، في مواجهة هذه الأوبئة، ودفع كثيرين لمغادرة عدن، هروباً من الرعب اليومي المتوغل في كلّ أرجاء المدينة المنكوبة.