مصر: مطالبات بتحقيق حول الرعاية الطبية في أماكن الاحتجاز

مصر: مطالبات بتحقيق جدّي حول الرعاية الطبية في أماكن الاحتجاز

13 مايو 2020
تفتقد سجون مصر لمقومات الصحة الأساسية (Getty)
+ الخط -
طالبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية - منظمة مجتمع مدني مصرية - النيابةَ العامة بفتح تحقيق جدّي في مسألة الرعاية الطبية داخل أماكن الاحتجاز في مصر، بعد وفاة المخرج الشاب شادي حبش.

وأصدرت النيابة العامة على مدار العشرة أيام الماضية بيانين بشأن واقعة وفاة المخرج شادي أحمد حبش داخل محبسه بمجمع سجون طرة، الذي كان قد قضى فيه فترة حبس احتياطي تجاوزت العامين بالمخالفة للقانون على ذمة القضية رقم 480 لسنة 2018، تناولت فيه بالتفصيل وقائع اليوم الأخير من حياة المرحوم، وتفاصيل التباطؤ في الاستجابة الطبية اللازمة والتي انتهت بتدهور حالته ووفاته قبل محاولة نقله إلى مستشفى خارجي.

وبعد أن حدد البيان بالتفصيل أسباب الوفاة وفقاً لما توصلت إليه تحقيقات النيابة، لم يتطرق إلى إجراءات محاسبة المقصرين والتي نتجت عنها وفاة شخص مسجون بإحدى المؤسسات العقابية التابعة لمصلحة السجون وبعد أن عُرض على الطبيب ثلاث مرات، ولم يشر إلى أي إجراءات رقابية أو توصيات للرعاية الطبية من شأنها تفادي وقوع مثل تلك الحوادث مرة أخرى داخل السجون في مصر.

وتوفي حبش ذو العشرين عاماً في محبسه، وفقاً لما جاء في بيان النيابة العامة الأول الذي تم نشره بتاريخ 5 مايو/ أيار 2020 على الصفحة الرسمية للنيابة العامة المصرية في "فيسبوك" بشأن واقعة وفاته بسجن القاهرة بمجمع سجون طرة، الذي أفاد بأن النيابة العامة قد تلقت إخطارًا من قطاع مصلحة السجون مساء اليوم الأول من شهر مايو/ أيار بوفاة المتهم شادي حبش بالعيادة الخاصة بالسجن، فأمر النائب العام بالتحقيق في الواقعة.

وسرد البيان أنه بمناظرة النيابة العامة جثمان المتوفى لم يعثر على أية إصابات ظاهرة، وأن المتوفى قد قام بشرب كمية من الكحول ظهيرة يوم (لم يذكر تاريخه في البيان)، وأن الطبيب المناوب لم يعلم بذلك إلا فجر اليوم التالي بعد إعياء المتوفى وتوقيع الكشف الطبي عليه، وأن الطبيب أعاده إلى محبسه بعد إعطائه مطهرًا معويًّا، رغم شكواه من تناوله كحول مطهر عن طريق الخطأ، طبقًا لما جاء في بيان النيابة العامة.

وقالت المبادرة "استمرت شكوى المتوفى ظهيرة ذلك اليوم، ولم يُتخذ أي إجراء لإسعافه، وأعاده الطبيب المناوب لمحبسه ثانية ثم قام بإبلاغ الطبيب المعاون بأمره ليستكمل علاجه، الذي اتخذ بدوره الخطوات السليمة والتي لو كانت قد اتخذت من الطبيب الأول عند عرض المتوفى عليه فلربما كان من الممكن إنقاذ حياة المتوفى؛ حيث قام الطبيب المعاون بإجراء إسعافات أولية للمتوفى، وشرع فورًا في إجراءات ترحيله لمستشفى خارجي وتجهيز سيارة إسعاف لنقله، وإثر سوء حالته أعطاه محاليل وحاول إنعاش قلبه ورئتيه إلا أنه لم يستجب، وتوفي طبقًا لبيان النيابة العامة عن الواقعة".

وبتاريخ 10 مايو/ أيار 2020، نشرت النيابة العامة بيانًا ملحقًا عمَّا أسفر عنه الطب الشرعي، مؤكدًا أن سبب الوفاة هو التسمم بالكحول الميثيلي، علمًا بأن الكحول الميثيلي ليس هو الكحول المطهر المعروف والذي جاء ذكره في البيان الأول.

وقالت المبادرة "بينما يكشف البيان وملحقه عن التقاعس والتباطؤ عن إسعاف حبش وإنقاذ حياته، غاب عنه تحويل المسؤولين عن الوفاة إلى التحقيق سواء العاملين بالسجن باختلاف درجاتهم/ رتبهم أو أطباء السجن الذين رأوا استقرار حالته وعدم إعطائه أكثر من الإسعافات الأولية، حيث يعد طبيب السجن كما تقرر باللائحة الداخلية للسجون مسؤولًا عن الإجراءات الصحية التي تكفل سلامة صحة المسجونين، وعلى الأخص وقايتهم من الأمراض الوبائية ومراقبة صلاحية الأغذية والملابس والمفروشات المخصصة للمسجونين وكفايتها، وملاحظة نظافة الورش وعنابر النوم وجميع أماكن السجن، وإذا تغيب طبيب السجن يخطر مدير السجن أو مأموره مصلحة السجون لاتخاذ اللازم نحو انتداب أحد أطباء وزارة الصحة للقيام بالأعمال بدلًا منه، ويجوز له استدعاء طبيب وزارة الصحة مباشرة في الأحوال المستعجلة".

وتابعت "كما غاب عن البيان أي توصيات بشأن تحسين الاستجابة الطبية للحالات الطارئة المشابهة داخل السجون وأماكن الاحتجاز، وكأن وفاة شاب في أوائل العشرينيات داخل أكبر سجون القاهرة حادثة قضاء وقدر لا يمكن اتخاذ إجراءات من أجل تفادي تكرارها".

وعن التعامل مع الحالات الطارئة في أماكن الاحتجاز التابعة لمصلحة السجون، قالت المبادرة "بشكل عام تتسم حالات الطوارئ الصحية بالسجون بالخطورة الشديدة؛ نظرا لأنه لا يتم التعامل معها بالسرعة اللازمة أو بالكفاءة المطلوبة. يروي السجناء السابقون عددًا كبيرًا من القصص التي شهدوها عن حالات طارئة ومنها ما حدث ليلًا لم يعِرْها الحراس الاهتمام الكافي ولم يفتحوا الأبواب أو يسمحوا للسجين بالذهاب إلى الطبيب، وأحيانًا بسببها توفي زملاء لهم".

وفي دراسة للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية بعنوان "الصحة في السجون.. بحث ميداني عن محددات الصحة في عالم السجون المغلق"، فإن وفاة حبش ليست الواقعة الأولى التي تُلقي الضوء من جديد على إهمال استغاثات الحالات الطارئة، فإهمال الحالات الطارئة يكون إما عن قصد باعتبار أن حياة المحبوسين بلا ثمن، وإما لغياب آلية محددة يلجأ إليها السجناء لتلقي الرعاية الطبية غير نداء الاستغاثة، ويفقد العديد من السجناء حياتهم بسبب طول المدة منذ تلقي الشكاوى إلى توقيع الكشف من قبل الأطباء الذين يتبعون إدارة السجون تبعية كاملة، ويقع إبداء القرار النهائي كليًّا في يد إدارة السجن.

كذلك فإن تعقيد الإجراءات اللازمة لتوفير الرعاية الصحية الواجبة إذا كان الأمر يتعلق بنقل المريض خارج السجن؛ حيث يقع قرار نقل المريض في أيدي ثلاث جهات: إدارة السجن، ومصلحة السجون، وإدارة الترحيلات. وأيضًا نقص الأجهزة الطبية الضرورية أو الكفاءات، وأخيرًا العلاج المناسب داخل السجون والاعتماد على الإسعافات الأولية فقط مما يعرض حياة السجناء للخطر، بحسب الدراسة.

وعن وضع السجون وأماكن الاحتجاز بشكل عام، قالت المبادرة "تفتقد السجون بشكل عام في مصر إلى مقومات الصحة الأساسية والتي تشمل: الغذاء الجيد والمرافق الصحية: دورات المياه الآدمية التي تناسب أعداد السجناء، وكذلك الإضاءة والتهوية والتريض، كما تعاني في أغلبها من التكدس الشديد للسجناء داخل أماكن الاحتجاز. وإن كانت الداخلية منذ انتشار فيروس كورونا تعلن عن اتخاذ الإجراءات الوقائية، ومنها تطهير السجون بشكل دوري، فإنها غير كافية لضمان وقاية الأفراد داخل السجون. بالإضافة إلى أن منْع الزيارات، والمستمر إلى الآن لقرابة الشهرين، ترتب عليه غياب الأطعمة التي يعتمد عليها السجناء من ذويهم إذا كان في استطاعتهم تحمّل تكلفة ذلك بدلًا من الاعتماد على طعام السجن أو أطعمة الكانتين باهظة الثمن، والأهم من ذلك غياب الدواء الذي يعتمد قطاع كبير من السجناء في إمداده على زيارات الأهل".

وطالبت المبادرة المصرية النيابة العامة ونقابة الأطباء بتفعيل المساءلة القانونية للأطباء والعاملين بالسجن عن سلامة الإجراءات الطبية التي تم اتخاذها، وكذلك بالإعلان عن نتائج التحقيقات عن التقاعس المتسبب في وفاة حبش، ومن أجل تفادي وقوع حوادث مشابهة في المستقبل.

وأوصت بتوفير عدد كافٍ من الأطباء من التخصصات المختلفة في السجون يتناسب مع عدد السجناء في كل سجن، وكذلك توفير أطباء على مدار اليوم، فلا يتصور أن تنتظر الحالات الطارئة الميعاد المحدد لزيارة العيادة والتي عادة ما تنتهي قبل الخامسة مساء.

كذلك أوصت بالتعامل الجاد وبدون النزوع إلى التشكك مع نداءات/ استجداءات السجناء للحالات الطارئة، وتسهيل الإجراءات اللازمة لتلقي الرعاية الصحية داخل السجون أو في مستشفيات خارجية. وأوضحت أن قرار علاج المرضى في المستشفيات الخارجية يجب ألا يخضع لأي اعتبارات غير الاعتبارات الطبية وتلك المرتبطة بجاهزية مستشفيات السجون.

وشددت على توفير ميزانية من أجل تحسين البنية التحتية في السجون وأماكن الاحتجاز وتوفير الأجهزة والأدوات الطبية اللازمة بدلًا من الاعتماد على الإسعافات الأولية فقط. وبتفعيل المساءلة القانونية للعاملين بمصلحة السجون، وبينهم الأطباء، والإعلان بشفافية عن تفاصيل المساءلة القانونية. إلى جانب توصياتها بدعم استقلال الأطباء العاملين بالسجون عن التبعية الكاملة لإدارة مصلحة السجون، وإخضاع مستشفيات السجون تحت مظلة القطاع الصحي. وإتاحة السجلات الطبية الخاصة بحالات المرضى لهم ولذويهم.