كورونا يفاقم معاناة العاملات الأجنبيات في لبنان

كورونا يفاقم معاناة العاملات الأجنبيات في لبنان

08 ابريل 2020
تظلم بعض العاملات الأجنبيات في ظل كورونا (حسين بيضون)
+ الخط -


تُواجه العاملات الأجنبيات في لبنان واقعاً أكثر صعوبة في ظل أزمتي فيروس كورونا الجديد والدولار، إذ زادت بعض العائلات الضغوط عليهن ما أدى إلى ممارسات عنفية أحياناً 

هربت تيغيس، وهي عاملة أجنبية، من منزل كفيلها في بيروت الأسبوع الماضي، بسبب الضغوط النفسية التي عاشتها قبل أشهر قليلة نتيجة أزمة الدولار، ورفض أصحاب البيت حيث تعمل دفع حقوقها بالعملة الصعبة. وتفاقمت الأزمة مع بدء تطبيق حالة التعبئة العامة في لبنان بتاريخ 15 مارس/ آذار الماضي للحدّ من انتشار فيروس كورونا الجديد، كما تروي لـ "العربي الجديد".

أزمة الدولار جعلت العلاقة متشنّجة دوماً بينها وبين كفيلها وزوجته، وصلت في أماكن معينة إلى الصراخ والشتم، هي التي حُرمت من إرسال الأموال إلى زوجها وأولادها الثلاثة، ما تسبّب لها بمشاكل مع عائلتها التي طلبت منها العودة إلى بلادها. ثم زاد الحجر المنزلي من التوتر بينها وبين أصحاب المنزل، وصل إلى حد زيادة ساعات عملها، عدا عن معاناتها من نوبات الغضب، ما دفعها إلى ترك المنزل ليلاً والهرب إلى منزل صديقتها.

هذه الواقعة وغيرها الكثير كثرت مع بدء الحجر المنزلي وزيادة الضغوط النفسية، ما فاقم من حدّة استغلال بعض أصحاب العمل لعاملات المنزل الأجنبيات اللواتي أصبحن يمارسن كلّ المهن، حتى تلك التي تعرف بكونها مهنا للرجال، مثل دهن الجدران وحمل قارورة الغاز وصيانة المنزل والاهتمام بالكلاب وأخذهم في نزهة، في مشهدٍ يظهر مدى استغلال العاملات حتى الرمق الأخير، وصولاً إلى جعلهنّ يعملن لدى أقارب أصحاب البيت وعائلاتهم، وغيرها من المهام التي تلقى على كاهلهنّ!

ديالا حيدر، وهي مسؤولة حملات لبنان والأردن في منظمة العفو الدولية، تقول إن الحجر المنزلي يحمي من خطر انتشار كورونا، إلا أنه قد لا يحمي عاملات المنازل المهاجرات من ازدياد خطر تعرضهنّ للاستغلال وسوء المعاملة اللفظية والعمل القسري والحرمان من أيام الراحة والطعام خلف أبواب المنازل الموصدة في ظل نظام الكفالة. تقول لـ "العربي الجديد": "موضوع العاملات اليوم يجب مقاربته من خلال شقين: الأول مرتبط بمن يحملن الإقامات الشرعية، إذ هناك صعوبة في الوصول إليهنّ ومعرفة أوضاعهنّ لتوثيقها على اعتبار أن نظام الكفالة يخوّل صاحب المنزل أو العمل أن يحدّ من حرية تواصل العاملات مع الجمعيات أو وزارة العمل. من هنا ضرورة تفعيل الخط الساخن المتوقف منذ عام 2015.

عاملة أجنبية تسير في أحد شوارع العاصمة بيروت (حسين بيضون) 


تضيف: "نحن ندرك تماماً الوضع الصعب الذي يمرّ به لبنان بسبب فيروس كورونا الجديد وانشغالات الحكومة في هذا الإطار. لكن هناك تدابير عاجلة يمكن أن تتخذها وزارة العمل لحماية حقوق عاملات المنازل اللواتي يتأثرن أيضاً بهذه الظروف، منها إصدار تعاميم تذكر بمواد عقد العمل الموقع بين الطرفين، حتى يكون أصحاب العمل على يقين من العقوبات في حال إجبار العاملات على العمل لساعاتٍ طويلة من دون راحة، أو حرمانهنّ من يوم الإجازة، أو في حال عدم دفع أجورهنّ، أو فرض قيود على حرية التواصل مع الغير.

وتشدد حيدر على ضرورة تأمين الرعاية الصحية للعاملة المنزلية، لاسيما في ظلّ أزمة كورونا، خصوصاً لمن هنّ بلا إقامة شرعية، وهو الشقّ الثاني في هذه القضية. وتعيش عاملات المنازل اللواتي فقدن إقاماتهنّ الشرعية مأساة حقيقية، خصوصاً على الصعيد الصحي. وعلى الدولة اللبنانية ان تتكفل بتأمين العناية الصحية لهنّ والفحوصات اللازمة، منها المتعلق بفيروس كورونا الجديد، وإن لم تكن في حوزتهم أوراق قانونية.



وتمنّت مسؤولة حملات لبنان والأردن في منظمة العفو الدولية على الحكومة أن تضع موضوع حقوق الإنسان ضمن أولوياتها، وعلى وزير الصحة حمد حسن إصدار تعاميم لكافة المستشفيات لاستقبال جميع الأشخاص حتى العاملات من دون أوراق قانونية. كذلك، على الأمن العام تأمين الرعاية الصحية للمحتجزات في المراكز التابعة للمديرية.

ملفّ عاملات المنازل وُضِعَ على طاولة وزيرة العمل لميا يمين دويهي، منذ تولّيها منصبها الوزاري في يناير/ كانون الثاني الماضي. واجتمعت ثلاث مرات مع المدير الإقليمي للدول العربية في منظمة العمل الدولية ربا جرادات، لبحث قضايا سوق العمل في لبنان، وإصلاح نظام الكفالة الذي يحكم تأشيرات العمال المهاجرين في لبنان.



وتقول دويهي لـ "العربي الجديد" إنّ قضية عاملات المنازل من أولويات وزارة العمل، وسبق أن عملت على متابعة المسار الذي وصل إليه الملف والتقرير الذي تسلمته من وزير العمل السابق كميل أبو سليمان، لناحية قرار تسوية أوضاعهن أو ترحيلهن، وتعديل قانون العمل بما فيه نظام الكفالة وغيره من المشاريع التي كانت قيد الإنجاز قبل أن ينتشر فيروس كورونا الجديد. واليوم، تحرص على البحث مع الوزارات المختصة، منها وزارتا الخارجية والداخلية والجهات الأمنية المعنية، لحفظ حقوق جميع العاملين على الأراضي اللبنانية من دون أي تمييز.

وتشير دويهي إلى أنّ المشكلة الأساسية تكمن في العاملات غير الشرعيات، نظراً لصعوبة معرفة حقيقة أوضاعهنّ وأماكن وجودهنّ لحمايتهنّ من فيروس كورونا. وتوضح أنّ الوزارة تحضّر لتنظيم عقد عمل موحّدٍ جرى إعداده كمسودةٍ من أجل حماية عاملات المنازل ومكافحة الاتجار بالبشر.

وتلفت دويهي إلى أنّ إصلاح نظام الكفالة من شأنه أن يكرس العمل في الخدمة المنزلية كمهنة محمية بموجب نصوص قانونية تساوي في الحقوق لكلّ من انخرطَ في هذا القطاع. وتقول إن تفعيل الخطّ الساخن عالقٌ اليوم عند مجلس الخدمة المدنية، ونحن نتابع الموضوع لحلّ المسألة سريعاً. لكن أزمة كورونا أخرت عملنا في هذا الإطار.



دلالات