زهر النارنج... رزق موسمي لآلاف العائلات التونسية

زهر النارنج... رزق موسمي لآلاف العائلات التونسية

07 ابريل 2020
تقطف الأزهار (العربي الجديد)
+ الخط -

يكتسب زهر النارنج أهمية في تونس، بل إن موسم جني هذه الزهرة وتقطيرها أشبه باحتفال سنوي يوفّر فرص عمل لكثيرين. إلا أن مهرجان الزهر السنوي لن يشهد إقبالاً كبيراً هذا العام بسبب وباء كورونا الجديد

تعلن أزهار النارنج قدوم فصل الربيع في محافظة نابل منذ الأسبوع الأول من شهر مارس/ آذار. عند التجول في أزقة نابل ودار شعبان الفهري وبني خيار وبعض المدن الأخرى، لا تشم سوى رائحة تلك الأزهار المنبعثة من آلاف الأشجار في المنطقة. ولا يكاد يخلو بيت في تلك المحافظة من أشجار النارنج، إذ دأب السكان هناك على غرس تلك الشجرة عند مدخل كل بيت، وقبل حتى التفكير في تشييد جدران المنزل، لتستحوذ محافظة نابل على نحو 90 في المائة من إنتاج زهرة النارنج.

يقول سكان المنطقة إنّ الأندلسيين جلبوا معهم هذه الشجرة منذ أكثر من 500 عام بعد قدومهم إلى تونس. وتنتج شجرة الأرنج، أو كما تسمى في المنطقة شجرة النارنج، أزهاراً ناصعة البياض. ويقدّر عدد تلك الأشجار في محافظة نابل التي تبعد عن العاصمة 65 كيلومتراً بنحو 140 ألف شجرة، وتنتشر في غالبية مناطق محافظة نابل من دار شعبان الفهري وبوعرقوب وبني خيار وقربة وتازركة وغيرها. وتنتج سنوياً ما بين 1000 و2000 طن من الزهر، لتساهم تلك الشجرة في خلق أعمال موسمية طوال شهري مارس/ آذار وإبريل/ نيسان، تعتاش منها آلاف العائلات، ولا سيما النساء.



تنطلق ربيعة (50 عاماً)، وهي من سكان مدينة نابل منذ الساعة السادسة صباحاً وقبل أن تتفتح تلك الأزهار لجمعها من الأشجار، كما يُجنى الزيتون: ويُفرَش تحت الشجرة بساط كبير، لتصعد النساء أو الرجال على السلم للوصول إلى أعلى الأشجار وجمع ما عليها من تلك الأزهار التي تتساقط كالثلج على البساط.

تقول ربيعة لـ"العربي الجديد" إنّ "موسم جني زهرة النارنج وتقطيرها يعدّ احتفالاً سنوياً يضفي حركة ونشاطاً كبيراً على المنطقة، إذ ينطلق جميع سكان المدينة إلى جمع محاصيلهم في ساعات الصباح الأولى منذ الأسبوع الثاني من شهر مارس/ آذار، ويساعدهم الأطفال. ثمّ تفرز الأزهار المتفتحة عن غيرها، والأوراق على حدة، لتُجفَّف فيما بعد طوال يومين في الفيء بعيداً عن الشمس، حتى تفرز تلك الأزهار الزيت وتصبح جاهزة للتقطير". تضيف أنّ "آخر مرحلة هي التقطير، إذ توضع الأزهار في وعاء من النحاس يسمى القطّار مع قليل من المياه، ويغطى جيداً، وتوقد النار تحته. وبمجرّد أن يغلي الماء يتحوّل إلى بخار يسري في أنبوب طويل، ويمرّ عبر إناء آخر كبير مليء بالماء البارد ليصبّ في قارورة بلورية تسمّى فاشكة تملأ بقطرات الزّهر المقطر، الذي يلقبه سكان المنطقة بالذهب الشفاف، لما يدرّه عليهم من أرباح موسمية".



وتشير ربيعة إلى أنّ "العديد من النساء يجتمعن في ساحة كبيرة في كلّ حيّ ليتشاركن في تقطير تلك الزهور، ويحتفظن بمخزونهنّ، فيما يتولين بيع ما زاد على حاجتهنّ في السوق. ويباع اللتر الواحد من مياه الزهر بـ15 دولاراً، فيما تباع قارورة المائة مليلتر من الزيت المعروف باسم النيرولي بنحو 50 دولاراً. ويستخدم في استخراج أنواع من العطور أو في مواد التجميل. كذلك تستخرج أنواع أخرى من الزيوت من أوراق تلك الشجرة وتصدّر غالباً إلى فرنسا".



تحتفظ غالبية العائلات في تلك المنطقة بـ"القطّار" النحاسي أو المصنوع من الطين طوال السنة، ويعاد استعماله مع انطلاق موسم تقطير تلك الأزهار في الربيع. ويحفظ ماء الزهر في قوارير خاصة تسمّى فاشكة، وهي تعريب لاسم القارورة الإسباني كما يقول سكان المنطقة. حتى إن شكل تلك القوارير فريد من نوعه ومخصص بالأساس لحفظ ماء الزهر. ولا يكاد يخلو ماء الزهر من منزل أي عائلة تونسية، ويستخدم في صناعة الحلويات أو دواءً مخففاً لآلام المعدة والبطن.

ومع انطلاق موسم تقطير الزهر في تلك المحافظة، تنظم جمعية صيانة المدينة في نابل بالتعاون مع الاتحاد الجهوي للفلاحين، مهرجاناً سنوياً يستمر نحو شهر، يتضمن عروضاً حول كيفية تقطير الزهر على الطريقة التقليدية والخاصة في المنطقة. وتشهد المنطقة إقبال المئات من الوافدين، سواء التونسيون من مختلف مناطق الجمهورية أو الأجانب.



من جهته، يشير أنور المرزوقي، أستاذ تاريخ وعضو جمعية صيانة مدينة نابل، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "موسم تقطير الزهر يعدّ بالفعل مناسبة مهمة لإضفاء حركة تجارية كبيرة على المنطقة، ويوفر عملاً موسمياً ورزقاً لنحو 3 آلاف عائلة بالأساس. ويُروّج المنتج على كامل تراب الجمهورية، ويصدَّر إلى الخارج، خصوصاً إلى فرنسا. ولا تستغني غالبية العائلات في تلك المحافظة عن غرس أشجار الأرنج في بيوتها وأراضيها الزراعية منذ سنوات، لما يوفّره من ربح مادي لسكان المنطقة". ويقول إن "مهرجان الزهر" في نابل يُعَدّ أحد أشهر المهرجانات السياحية في تونس، ويشهد إقبالاً كبيراً. لكن من الممكن ألا تسجل المنطقة هذه السنة توافداً كبيراً، نظراً للتخوف من فيروس كورونا الجديد. كذلك، تراجع الإنتاج عن العام الماضي بنحو 500 طن، بعدما جمع أكثر من 2000 طن العام الماضي".

دلالات