عمّال تونسيون مجبرون على البطالة في ظل كورونا

عمّال تونسيون مجبرون على البطالة في ظل كورونا

01 مايو 2020
صناعة الكمّامات صامدة في هذه الظروف (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

لم تتلقَّ آمال طلبية لخياطة أعلام تونس بمناسبة الاحتفال بعيد الشغالين أو عيد العمّال، بعدما ألغت النقابات احتفالات الأول من مايو/ أيار على خلفية أزمة كورونا. وقد حرمها قرار الإلغاء مكسباً مهمّاً كانت تجنيه من خياطة الأعلام التي كانت تعلّق في ساحة محمد علي بالعاصمة تونس، موقع المقرّ المركزي للاتحاد العام التونسي للشغل.

تخبر آمال (36 عاماً) "العربي الجديد" أنّ ورشتها المتفرّعة من باب البنات في العاصمة "تعمل في صناعة الأعلام التي تزدهر في الأعياد والمناسبات الوطنية، غير أنّ فيروس كورونا الجديد سبّب منذ بداية شهر مارس/ آذار الماضي إلغاء ثلاث مناسبات اعتدت فيها أن تحقّق كسباً مهماً". وتشرح قائلةً إنّ "الورشة لم تشغّل في عيد الاستقلال في 20 مارس/ آذار ولا عيد الشهداء في التاسع من إبريل/ نيسان، وها إنّ فيروس كورونا يحرمني للمرّة الثالثة طلبيات خياطة الأعلام". وتقول آمال إنّ "كلّ طلبية كنت أتلقّاها لم تكن تقلّ عن 500 علم بأحجام مختلفة، ما يساعدني على كسب قوتي وتوفير إيجار الورشة وفواتير الكهرباء، غير أنّ غياب مصادر الدخل بسبب الأزمة الصحية الراهنة، أحالني على البطالة القسرية حتى إشعار آخر، نظراً إلى أنّ عملي موسمي وإلى أنّ لا شيء واضح بشأن انتهاء الجائحة".

وما ترويه هنية (54 عاماً) لـ"العربي الجديد" لا يختلف كثيراً عن قصة آمال، فهما تتشاركان في البطالة القسرية وتوقّف مصادر دخليهما، غير أنّ هنية التي تعمل معينةً منزلية لدى أسرة في إحدى محافظات الشمال الغربي تنتظر عودة قريبة إلى العمل بعد اقتراب إعلان وزارة الصحة مدينتها خالية من الفيروس. وتعوّل هنية على "تحسّن الوضع قريباً في المدينة حتى أستأنف عملي. فأنا اتفقت مع مشغّلتي على أن أباشر العمل بدءاً من الشهر الجديد، وأن تساعدني في توفير مصاريف عيد الفطر المقبل". وتشير هنية إلى أنّها بسبب البطالة لأكثر من شهر ونصف شهر، "تخلّفت عن دفع قسط قرض حصلت عليه من مؤسسة تمويل صغرى، وأخشى أن أفقد ثقة هذه المؤسسة التي أعوّل على تمويلها لاستكمال بناء بيت صغير لي ولابنتَيّ اللتَين أعيلهما منذ وفاة زوجي قبل خمسة أعوام".

وبهدف تخفيف الأعباء وامتصاص التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لفيروس كورونا الجديد وفقدان عمّال المياومة والأشغال الصغرى مصادر كسبهم، أقرّت حكومة تونس في 15 مارس/ آذار الماضي خطّة تمويل بقيمة 300 مليون دينار تونسي (نحو 105 ملايين دولار أميركي) لصرف المساعدات الاجتماعية على شكل منح بقيمة 200 دينار (نحو 70 دولاراً)، فضلاً عن توزيع طرود غذائية على العائلات الفقيرة وذات الدخل المحدود. يُذكر أنّ ثمّة أكثر من 650 ألف أسرة فقيرة في السجلات الرسمية، إلا أنّ رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، أفاد بأنّ أكثر من مليون و200 ألف أسرة استفادت من المساعدات الحكومية.



وكشفت الأزمة الصحية ضعف التغطية الاجتماعية لفئة كبيرة من التونسيين الذين يعملون في الأشغال الهشة ويكسبون قوتهم من الأعمال اليومية، ما يجعلهم عرضة لصدمات البطالة مع أوّل أزمة تمرّ بها البلاد. وفي هذا الإطار، يقول خميس، وهو سبعيني ما زال يعمل في العناية بالحدائق المنزلية، لـ"العربي الجديد"، إنّه لم يحصل على "أيّ مساعدة اجتماعية من ضمن البرنامج الحكومي، على الرغم من توافر الشروط التي تخوّلني الانتفاع من منحة 200 دينار". ويؤكد خميس: "صحيح أنّ الطلب على خدماتي تراجع، لكنّني ما زلت أتشبّث بالعمل وأتردّد باستمرار على الفيلات التي أعتني بحدائقها، فأقلّم الأشجار وأسقي المزروعات وأزيل الحشيش والشوائب". ويشير إلى أنّ "أمام إصراري على العمل، يضطر بعض مشغّليَّ إلى السماح لي بدخول بيوتهم للعناية بحدائقهم، مع اتخاذ كلّ الاحتياطات اللازمة التي أوصت بها وزارة الصحة من تعقيم وغير ذلك". ويأمل خميس أن "تنفرج الأزمة الصحية قريباً، حتى أتمكّن من العودة إلى نشاطي اليومي، فتقطّع الدخل راكم ديوني لدى محلّ البقالة الذي أتزوّد منه حاجياتي. فأنا لا أستطيع طلب المساعدة من أبنائي، نظراً إلى انشغال كلّ منهم بتوفير قوت عائلته، خصوصاً أنّهم يعملون في قطاع الأشغال والبناء الذي أصيب بالشلل كذلك".

من جهتها، تعاني منجية (49 عاماً) من جرّاء أزمتَي كورونا والدقيق اللتَين حرمتاها الاستفادة من موسم رمضان الذي كان مصدر رزق لها ولعائلتها. فهي تخصّصت منذ سنوات في إعداد العجائن التقليدية وبيعها، من قبيل "النواصر" و"الحلالم" و"الرشتة"، بالإضافة إلى البهارات المنزلية. وتقول منجية لـ"العربي الجديد" إنّ "منتجاتي ذائعة الصيت، وكنت أتلقّى طلبيات من تونسيين في المهجر يرسلون إليّ حوالات بالعملة الصعبة، في مقابل معجنات أرسلها إليهم في طرود بريدية أو من طريق أسرهم. لكنّ الوضع هذا العام اختلف تماماً، فظروف الحجر المنزلي في تونس وفي البلدان الأوروبية التي أنهكها وباء كورونا حرمتني الدخل". ولم تستطع منجية، بحسب ما توضح، "توفير زبائن من السوق المحلية، فأزمة الدقيق الذي يُعَدّ المادة الأولى لمعجنّاتي جعلتني أكتفي بصنع كميات قليلة لزبائن وفّروا لي الدقيق".



يُذكر أنّ السوق التونسية عرفت منذ بداية أزمة كورونا نقصاً في مادة الدقيق التي زاد الطلب عليها بأكثر من 30 في المائة من قبل وزارة التجارة، ما حرم نساء كثيرات يصنعنَ العجائن والخبز العمل. وتتشابه قصص العمّال في المصانع أو المشتغلين في الأعمال الحرة مثل السباكة والبناء والنجارة والحدادة والبيع بالتقسيط وغيرها، وهو ما دفع الحكومة إلى إقرار عودة تدريجية لهذه الأشغال، مع مراقبة مستجدات الأوضاع الصحية. لكنّ قطاعات أخرى ستنتظر نتائج مرحلة التجربة الأولى من رفع الحجر، مثل بيع الملابس والأحذية والحلاقة وغيرها من القطاعات التي تشغّل عدداً كبيراً من التونسيين الذين قد تهملهم الإحصاءات، على أمل أن تتحسّن الأحوال وتعود الحياة إلى طبيعتها. تجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة التونسية قرّرت إعادة الحياة إلى طبيعتها في البلاد، ابتداءً من الرابع من مايو/ أيار الجاري، من خلال رفع الحجر الصحي العام تدريجاً، بحسب الجهات والفئات الاجتماعية والعمرية والقطاعات.