قرى معزولة... مصريون فقراء يخشون الجوع أكثر من كورونا

قرى معزولة... مصريون فقراء يخشون الجوع أكثر من كورونا

28 ابريل 2020
حتى التجهيزات البسيطة ناقصة في بعض المستشفيات(زياد أحمد/ Getty)
+ الخط -
في خضم تزايد أعداد الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا الجديد في مصر، اضطرت السلطات إلى عزل عشرات من القرى والأحياء في مختلف المحافظات خلال الأيام الماضية، لكنّ ذلك يعني بالنسبة للسكان هناك أزمات معيشية يعتبرونها أخطر من الفيروس

تزايدت الإصابات بفيروس كورونا الجديد في مصر، وتزايد معها لجوء السلطات إلى إجراءات الإقفال، التي عزل بعضها قرى بأكملها. ووصل الأمر مؤخراً إلى إغلاق عدد من المستشفيات، لوقوع إصابات متعددة وسط الطاقم الطبي فيها، مع عدم وجود بديل له.

وتعاني عشرات من المستشفيات بالمحافظات المصرية من نقص حاد بالمستلزمات الطبية والوقائية التي لا تكفيها مدة أسبوع واحد فقط، إذ كشفت جهات طبية عن وفيات سببها رفض المستشفيات استقبال حالات طارئة. وبررت الرفض بعدم توفر وسائل الوقاية لفحص الحالات التي لديها أعراض مشابهة لحالات الإصابة بكورونا. ووصفت تلك الجهات الوضع داخل عدد من المستشفيات، لا سيما تلك التي في المدن النائية، بأنّه "خارج عن السيطرة" على الصعيد الوقائي، إذ لا أقنعة طبية لحماية الأطباء من العدوى، ومستشفيات عدة لا تتوفر فيها أسرّة كافية للمرضى، فيما وحدات العناية المركزة في بعض المستشفيات غير قادرة على استقبال من تأكدت إصابتهم بالمرض.



وتعاني القرى التي فرض العزل الصحي على قاطنيها من عدد من الإجراءات، من بينها عدم تسهيل سبل المعيشة للمواطنين الذين باتوا يعتمدون على المساعدات من أقاربهم ومن المحسنين، لتزويدهم بالطعام، وتوصيل الأدوية إلى أصحاب الأمراض المزمنة وأيضاً حليب الأطفال، وتوفير سيارات إسعاف لنقل أيّ حالات مرضية حرجة إلى المستشفيات. يكشف أحد المسؤولين في وزارة الصحة أنّ مسلسل عزل القرى بسبب الوباء أصبح في تزايد يومي، بخلاف ما يجري الإعلان عنه رسمياً من قبل وزارة الصحة المسؤولة عن ذلك. يوضح أنّ أمر العزل منتشر بقرى محافظات الوجه البحري، بعد عودة مئات العاملين من الخارج إلى قراهم من دون إجراء كشف طبي، والاكتفاء بالفحص الحراري فقط، مؤكداً أنّ عدد القرى والأحياء التي أصيبت بالفيروس وعزلت أكثر من 45، أغلبها بمحافظات الدقهلية ودمياط والغربية وكفر الشيخ والغربية والإسماعيلية، وأيضاً في الفيوم والمنيا وبني سويف بمحافظات صعيد مصر. وقرار العزل تمّ بعد ساعات من ظهور أعراض الفيروس على أحد المواطنين، فضلاً عن إغلاق نحو 12 مستشفى ومركزاً طبياً بسبب تفشى الفيروس بين العاملين فيها.

يشير المتحدث إلى أنّ الإصابات متنوعة ما بين كبار السن والشباب والأطفال والنساء الحوامل، فكلّ من يختلط بمصاب يصبح عُرضةً للإصابة. يكشف أنّ جميع الأطباء وفرق التمريض والفرق الخاصة بالعزل الصحي تعترض بشدة على سياسة الحكومة ووزارة الصحة في مواجهة الفيروس، خصوصاً بعد زيادة أعداد المصابين، فالغرف المتاحة في المستشفيات للعزل الصحي غير كافية. ويحذر من أنّ المستشفيات ستتعرض لأزمة في الفترة المقبلة، نتيجة تزايد أعداد المصابين، متسائلاً: "لماذا تصرّ الحكومة على عدم فتح المستشفيات العسكرية بالمجان للمدنيين؟ ولماذا تصرّ على تمييز العسكريين عن المدنيين، في الوقت الذي تواجه فيه البلاد خطراً متزايداً يومياً؟".

بدوره، يقول الطبيب عمر حسين، إنّ الوضع داخل المستشفيات الحكومية، بالإضافة إلى مستشفيات الحمّيّات المتخصصة بالوباء، كارثي، وإنّ كورونا كشف الأوضاع السيئة لتلك المستشفيات على حقيقتها أمام الرأي العام، ومن بينها النقص في الإمكانات المرتبطة بالمريض، من قبيل أجهزة التنفس الاصطناعي، وعدم توفر مستشفيات كافية في المحافظات، وهو ما يجبر الأهالي على نقل مرضاهم من مكان إلى آخر، وهو ما يؤدي في النهاية إلى تدهور حالتهم ثم وفاتهم. وهناك مشكلة أخرى هي عدم تدريب الكادر الطبي للتعامل مع الفيروس الجديد. ويتخوف حسين من أن يكون الأسبوعان المقبلان أكثر خطورة لناحية انتشار الفيروس في مصر.

والتقت "العربي الجديد" عدداً من أهالي القرى التي جرى فرض عزل على سكانها. ويؤكد نوح أحمد، وهو عامل من قرية كفر أبو ذكرى بمحافظة القليوبية، التي جرى فرض عزل صحي عليها، أنّه يدرك خطر فيروس كورونا الجديد "لكن في الوقت نفسه لا أستطيع أن أرى أطفالي الثلاثة يتضورون جوعاً بسبب قلة المال، فبسبب العزل توقفت كلّ أعمال الأجرة اليومية، ونعتمد حالياً على أهل الخير في مواجهة الصعاب". يتابع: "كثيرون مثلي يواجهون المصاعب نفسها". بدوره، يقول محسن محمد، وهو سائق "توك توك" من القرية نفسها، إنّ "الأعمال توقفت، وبالتالي لا أتمكن من الحصول على المال لإعالة أسرتي، والجميع يخشى حتى ملامستنا أو الاقتراب منا، ونعتمد على المخزون المتوفر لدينا من أطعمة"، مشيراً إلى أنّه من ضمن العمالة المؤقتة، وأنّه تقدم من قبل للحصول على 500 جنيه (32 دولاراً أميركياً) إعانة رسمية، ويقول متعجباً: "لا أعرف لماذا لم أحصل على هذا المبلغ المتدني؟! بعدما توقفت كلّ مصادر الرزق أمامنا، كما أنّ هناك أطفالاً رُضّعاً يصارعون الموت بسبب عدم توفر حليب لهم". ويلفت البقال محمد صبري إلى أنّه أغلق محله بسبب العزل الصحي، ولا يعرف متى سيفتح، ولا أعلم كيف سأتمكن من إطعام أسرتي إذا استمر الوضع على ما هو عليه لعدة أسابيع.



ويقول محمد ربيع، من منطقة البدرشين، بمحافظة الجيزة، إنّ أحد أقاربه أصيب بفيروس كورونا الجديد ومنذ دخوله إلى المستشفى وهو يعاني من ضعف الخدمات التي تقدم له، حتى إنّ الاتصال انقطع به بسبب "توقف بطارية المحمول الخاص به". يوضح أنّ صحة قريبه قوية إلى حدّ ما، كونه شاباً، لكنّ أسرته الآن تعاني من الجوع والفقر، بسبب توقف الدخل الذي يوفره، ويعتمدون حالياً على أهل الخير. ويشير حسام جمعة، وهو موظف، إلى أنّ مستشفى "العجوزة" الذي خصص للعزل الصحي تضم الحجرة الواحدة فيه أربعة أشخاص، ولا فرق بين حاملي المرض أو المشتبه فيهم، فيما طواقم الأطباء والممرضون يهربون من المرضى. كذلك، فإنّ الحشرات، لا سيما البعوض، تطارد المرضى ليلاً. يتابع: "أتوقع انتشاراً أكبر للوباء بمرور الوقت، في ظل زيادة أعداد المرضى، وهكذا سيدفع المصريون الثمن، في ظلّ عدم الشفافية، وغياب التعامل العلمي والعلني. الجميع يخشى القبضة الأمنية، خوفاً من الإعلان عن الوقفات الاحتجاجية على ما تعاني منه المستشفيات من أزمات، حتى باتت وسيلة لنقل المرض إلى الأصحاء".