كورونا يحرم رمضان مصر من بهجة "الإفطار الجماعي"

كورونا يحرم رمضان مصر من بهجة "الإفطار الجماعي"

25 ابريل 2020
حرم كورونا الأسر من الإفطار معاً (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
أدّى انتشار فيروس كورونا في مصر هذا العام إلى تراجع كبير في "عزومات الإفطار" أول أيام شهر رمضان الكريم، حيث كانت تحرص العائلات، أول أيامه، خلال السنوات الماضية، على تقديم أشهى أنواع المأكولات إلى الأهل والأقارب، كنوع من الحفاوة والتقدير. فتتمّ دعوة الأبناء المتزوجين مثلاً على الإفطار، وهي عادة اشتهرت بها الأسر، للتعبير عن الفرح والبهجة بقدوم رمضان، لكن هذه العزائم اختفت تقريباً هذا العام، في ظلّ المخاوف من انتقال الفيروس بسبب التجمّعات.

وساهم أيضاً حظر التجوّل الذي يسري مفعوله ابتداءً من التاسعة مساءً، بعدما تمّ تمديده ساعة بسبب شهر الصوم، في منع أفراد العائلات من تلبية دعوة الإفطار العائلية خارج منازلهم، لعدم قدرتهم على السهر مع ذويهم. فاقتصرت مائدة الإفطار على أفراد الأسرة الصغيرة، من دون اختلاط من قبل الأهل والأقارب. ووصف البعض مرور أول أيام رمضان بهذا الشكل بأنه يوم "حزين" و"قاسٍ"، بسبب منع عادة التجمّع أو "اللمّة" المشهورة والتي تتكرّر، في أول يوم من أيام الشهر الكريم من كلّ عام. 

عادة سنوية
يقول محمود عبد القادر، وهو موظّف ولديه طفلان، إنّه اعتاد وأسرته خلال السنوات الخمس الأخيرة على تناول إفطار، أول وثاني أيام رمضان، عند والده وحماه، بالإضافة إلى تلقي دعوات أخرى من الأهل والأقارب الخاصين بأهلي وأهل زوجتي، وهي عادة سنوية تكون أقرب إلى الاجتماع واللمّة والتشاور، التي تتخلّلها الضحكات والقفشات حتى وقت متأخر من الليل. ويشير إلى أنّه اعتذر عن الذهاب، أول يوم من رمضان، إلى منزل والده للإفطار، مضيفاً "إنّ الموضوع كان صعباً جداً،  لكنها أقدار الله، وذلك خوفاً من انتقال المرض". وتابع قائلاً: "شقيقي الأكبر أيضاً وشقيقتان لي متزوجتان وأولادهم رفضوا الدعوة نفسها"، إذ من الصعب ربما الالتزام بهذه العادة، في ظلّ انتشار فيروس كورونا.
ويشير سامح محمد، وهو موظّف، إلى أنّ والديه متوفيّان منذ عامين، و"نحن ولدان وبنتان، اتّخذنا عهداً على أنفسنا، في رمضان الماضي، بالإفطار معاً كما كان يفعل والدانا، على أن يكون تناول وجبة الإفطار داخل شقة والدنا، ويتم تقسيم تكلفتها بيننا جميعاً. لكن مع انتشار الفيروس، تعذّر علينا الاجتماع في اليوم الأول من رمضان، هذه السنة، وتواعدنا على الإفطار معاً في يوم آخر".
ويضيف الحاج أحمد إدريس، وهو متقاعد، وله ولدان وبنتان، كلّهم متزوجون، أنّه اعتاد دعوة أولاده وأحفاده للإفطار، أول يوم من رمضان، من كل عام. وهو يقدّمون في تلك الليلة أشهى المأكولات، التي يبدأ التحضير لها قبل 48 ساعة. ويضيف "ندعو عادةً ابنتي لمساعدة والدتها في تجهيز تلك السفرة. لكنني مريض بالسكّري والضغط، وبالتالي مناعتي ضعيفة. فقطعنا هذه السنة هذا التقليد السنوي، وفضّلت شراء بعض المأكولات واللّحوم وإرسالها كهدية إلى أولادي في منازلهم، بدل الاجتماع معاً". 


شهر "عزومات"

يصف محمد زايد، وهو موظف في القطاع الخاص، رمضان هذا العام بأنه "الأقسى على المصريين"، في ظلّ انتشار هذا الوباء، إذ إنّ الجميع يشعر بالحزن والأسى، وتابع: "أخشى أن تمرّ أيام رمضان بلا دعوات، حيث كلّ واحد منّا كان يردّ الدعوة بأحسن منها". وأكّد أنّ أيام الشهر كانت كلّها "عزومات"، كنوع من الودّ والتواصل الاجتماعي، وللحفاظ على صلة الرحم، والتودّد إلى الأصدقاء والمحبّين بالتجمّع على مائدة طعام واحدة، عليها ما تشتهي النفس والعين، رغم ارتفاع تكاليفها مقارنة بالأيام العادية.
فيما يشير عبد الفتاح محمود إلى أنّه لم يلغِ هذه العادة في بيته هذه السنة، وأقام "مائدة طعام" أول أيام رمضان. لكن الدعوات اقتصرت على العائلة، من الدرجة الأولى فقط، أي أولاده المتزوجين. 

طقوس خالدة
يرى الدكتور محمود ذكي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة حلوان، أنّ هناك طقوساً خالدة وعادات مرتبطة بنفوس المصريين خلال الشهر الكريم، من بينها الزينة أمام المنازل، وإقامة موائد الرحمن في الشوارع والميادين والمساجد، إضافة إلى تناول وجبة الإفطار أول أيام الشهر الفضيل مع الأقارب من الدرجة الأولى، وتبادل العزائم في ما بينهم طوال أيام الشهر.
ويؤكّد ذكي أنّ تلك الطقوس اختفى معظمها هذا العام، بسبب الإجراءات الاحترازية التي اتّخذتها الدولة في ظلّ انتشار فيروس كورونا. ومن بين تلك الإجراءات المستمرّة غلق المساجد ومنع التجمّعات، وهو ما قضى على أهمّ العادات الرمضانيّة، ألا وهي تجمّع الأسر والعائلات أثناء الإفطار.​
ويضيف ذكي أنّ العديد من الأسر المصرية افتقدت مائدة الإفطار الواحدة أول أيام رمضان،  هذا العام، الأمر الذي كان يُعد مناسبة اجتماعية مهمة في المحافظات كافة. وأوضح أنّ "لقاء أول أيام رمضان مكلف مادياً ومرهق لميزانية الأسر، ومن الممكن أن تكون تكلفة تحضير مائدة هذا اليوم تساوي تكلفة ميزانية عدّة أيام أخرى من شهر الصوم. إلّا أنّ الآباء يرون أنه يوم جميل، يجتمعون فيه مع من يحبّون، إذ في هذا الزمن أصبح تلاقي العائلات صعباً، في ظلّ ظروف ضغوط الحياة وانشغال الأبناء بمصالحهم وحياتهم الخاصة".

المساهمون