رمضان لبنان... أمل بعودة المسحراتي رغم كورونا

رمضان لبنان... أمل بعودة المسحراتي رغم كورونا

23 ابريل 2020
"يا نايم وحّد الدايم"... من عام فائت (حسين بيضون)
+ الخط -

يحلّ شهر رمضان هذا العام في حين تلقي أزمة كورونا بثقلها على الناس أجمعين. فالوباء العالمي الذي لم يوفّر بلداً تقريباً، ينغّص فرحة هؤلاء بهذا الشهر مثلما نغّص فرحة آخرين في أعياد الفصح الأخيرة. وتُلاحظ مشهديّة استثنائيّة وسط الحجر المنزلي وحالات الطوارئ والتعبئة العامة لم تعهدها شعوب العالم الإسلامي والعربي، لبنان واحد منها.

في رمضان لبنان هذا العام، سيقف المسحّراتي في الأحياء والأزقّة وحيداً برفقة طبلٍ اعتاد أن يوقظ الصائمين على وقع "يا نايم وحّد الدايم"، وقد يوقظ فيهم ذكريات وحنينا إلى الماضي القريب. فقبل عام واحد فقط، كانت الأمور مختلفة وكان لرمضان بهجته وحركته الخاصة في الإفطارات العائلية ولقاءات الأصدقاء والجيران والصلوات وطقوس أخرى اجتماعية ودينية. في خلال هذا، اعتاد الذين انقطعوا عن بعضهم لفترة من الزمن بسبب المسافات، أن يتلاقوا، غير أن ذلك لن يكون متاحاً اليوم. رمضان لبنان هذا العام سيكون مختلفاً بطقوسه وعاداته. فالصلوات ستغيب في المساجد، لا سيّما التراويح، ليمارس الناس عبادتهم في منازلهم التي يلازمونها تطبيقاً للتعبئة العامة المفروضة في البلاد على خلفية فيروس كورونا. كذلك ستغيب التجمّعات وموائد الإفطار الممتدة والخطابات والزينة في الشوارع، علماً أنّ هذه العادات رافقت الصائمين في أحلك الظروف التي مرّت بها البلاد، إلا أنّ لكورونا سطوة مغايرة.

لكنّ أزمة كورونا تترافق بضائقة اقتصادية في البلاد، بحسب ما تقول سناء لـ"العربي الجديد"، "فتُفرَض قيود إضافية على المحتفلين بهذا الشهر، في ما يتعلق بالتموين الغذائي والحرص على تنوّع مائدة الإفطار". وتلفت سناء إلى أنّها ستلتزم "التعليمات الدينية الخاصة بالصلاة في المنزل، لحماية أنفسنا والآخرين، خصوصاً أنّ العبادة واحدة سواء أكانت في المسجد أم في البيت". وتشدّد على أنّ "معاني الشهر الفضيل لا تتبدّل رغم اختلاف الظروف وتعذّر أداء الطقوس المعهودة". وإذ تشير سناء إلى "غياب الزينة عن الشوارع والمساجد واقتصارها على منازل من يرغبون في ذلك"، تأمل "ألا يتخلّف المسحّراتي عن الحضور، هو لم يغب في أيّ من أشهر رمضان التي عشتها، وأرجو أن يكون من الطقوس القليلة الصامدة في وجه كورونا، إلا في حال صدور قرار يمنع تجوّله". يُذكر أنّ حظر تجوّل ليلي يُفرض في لبنان ابتداءً من الساعة الثامنة مساءً وحتى الخامسة فجراً.



من جهته، يرى الناشط السياسي والاجتماعي رياض عيسى أنّ "بعض الأمور قد تتغيّر، وربّما ينعكس تغيّرها إيجاباً على مجتمعاتنا، إذ إنّ الحجر المنزلي الذي يجمع منذ أشهر أفراد العائلة بعضهم مع البعض الآخر سيرسّخ تماسكهم أكثر حول مائدة الإفطار وإحياء الأجواء الرمضانية العائلية، لا سيّما في ظلّ التعبئة العامة وإقفال المطاعم والمقاهي التي ليست من عادات وتقاليد هذا الشهر، لا بل كانت أحياناً تبعد الناس عن الدين". ويؤكّد عيسى لـ"العربي الجديد" أهميّة الالتزام بالصلاة داخل المنزل "كبديل عن المسجد في هذه الفترة. ففي قوله تعالى: اجعلوا من بيوتكم قبلة، تحفيز على هذه الصلاة، كذلك هي فرصة لإتمام الطقوس والعبادات والعودة إلى الأصول والقيم. فاليوم ثمّة متّسع من الوقت لقراءة القرآن والدعاء".

ويتطرّق عيسى إلى "الوضع الصعب الذي يطاول عائلات لبنانية كثيرة في ظلّ توقّف أشغال عدد كبير من معيليها، الأمر الذي ينعكس عجزاً عن تأمين الغذاء. بالتالي يبقى الرهان على أعمال الخير والتكافل الاجتماعي. من جهة أخرى، ثمّة غصّة لدى عائلات أخرى لحلول رمضان فيما أبناؤها في الغربة والعزلة وغير قادرين على العودة". يضيف عيسى أنّ "ثمّة من سيتحسّر على ذكريات من رمضان الماضي، غير أنّ ما يعزّيهم هو أنّ التغيير لا يطاول فقط هذا الشهر وطقوسه إنّما الحياة بأكملها في العالم".

أمّا الإعلامي والممثّل الكوميدي بلال مواس فيشير بحديثه لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "رمضان ليس فقط بموائد الإفطار ومظاهر الزينة والثياب الجديدة، إنّما هو فرحة للقلب بحدّ ذاته حتّى لو كان الشخص معزولاً بين أربعة جدران أو مسجوناً تحت الأرض أو مسافراً أو مهما كان وضعه". ويرى مواس أنّ "العبادة هي نصف علاج لما تبعثه من طمأنينة في ظلّ الظروف العصيبة"، مشدّداً على "أهميّة الصلاة في خلال هذا الشهر ولو من المنزل، علماً أنّني مع الإبقاء على أبواب المساجد مفتوحة أمام كلّ مؤمن يتّخذ الإجراءات الوقائية، لأنّ الوباء سيصيبنا كذلك عندما نخرج بحثاً عن لقمة عيشنا أو عندما نتهافت إلى السوق لشراء حاجياتنا أو إلى الصراف الآلي لتحصيل رواتبنا أو إلى الجمعيات وباحات توزيع المساعدات الغذائية".



في سياق متصل، اعتادت مبادرة "خيام الخير" جمع المساعدات الغذائية وإعدادها وتوزيعها كوجبات أو مونة في خلال شهر رمضان، لكنّ الظروف الراهنة دفعتها إلى التحوّل نحو "مزارع الخير" بهدف تأمين إنتاج زراعي وحيواني صحي ومستدام لدعم العائلات المحتاجة. وتقول الناشطة البيئية ورئيسة جمعية "سيدرز للعناية" صاحبة المبادرتَين، عفت إدريس، لـ"العربي الجديد": "وجدنا أنّه من الأفضل التوجّه نحو الإنتاج من خلال مشروع مستدام يقوم على الصدقة الجارية، فنخصّص أموال التبرّعات لشراء الدجاج والأغنام وزراعة الأعلاف وبعض الحبوب والخضر". وتلفت إلى أنّ "الإفطارات الجماعية ستغيب هذا العام، لكن ما يواسينا هو روح التضامن والألفة التي تعزّزت مع انتشار فيروس كورونا".