عنف ضدّ أطباء مصر بسبب كورونا

عنف ضدّ أطباء مصر بسبب كورونا

20 ابريل 2020
يتهمون الأطباء بأنّهم مصدر للعدوى (الأناضول)
+ الخط -
باتت الطواقم الطبية المصرية تعاني من أزمة عنف ضدها في المجتمع، فبعد تعرض قطاع كبير منهم للإصابة بفيروس كورونا الجديد نظراً لطبيعة عملهم في ظروف سيئة من دون توافر مستلزمات الوقاية الكافية، بدأت شرائح مجتمعية عدة في التعامل معهم باعتبارهم فئة ناقلة للفيروس نتيجة عملهم في المراكز الصحية.

تعددت الشكاوى التي أطلقها أعضاء الطواقم الطبية في مصر، بعد دعوات إلى نبذهم مجتمعياً، إلى حدّ تعرض عدد منهم للاعتداءات الجسدية واللفظية. فالطبيبة دينا مجدي عبد السلام، التي تعمل في مستشفى حمّيّات الإسماعيلية، مثلاً، على الرغم من مخاطرتها يومياً بحياتها وهي تتعامل مع مرضى من الممكن أن ينقلوا إليها الفيروس في أيّ لحظة في محاولة منها لتخفيف آلامهم، فوجئت بجيرانها في المبنى السكني يحاولون طردها، بدعوى أنّها ربما تكون مصدراً لنقل العدوى لهم ولأبنائهم. تقول الطبيبة في مقطع فيديو: "السكان المحترمون اعتبروني مصدراً لنقل الفيروس، ولم يرحموا سكني وحدي، من دون أن أتدخل بأحد، بل بدأوا في مضايقتي، والتعرض لي، وأخيراً حاولوا أن يمنعوني من الدخول إلى شقتي".



واقعة أخرى شبيهة تعرض لها طبيب في محافظة الإسكندرية يعمل في أحد مستشفيات الحمّيّات التي حددتها وزارة الصحة لاستقبال المرضى بفيروس كورونا الجديد، عندما فوجئ بجيرانه في المبنى الذي يسكن فيه يجمعون تواقيع من أعضاء اتحاد الملّاك لطرده من مسكنه، باعتباره مهدداً لصحتهم.

طبيب آخر في جراحة القلب في أحد مستشفيات محافظة أسيوط، يقول لـ"العربي الجديد": "لا ندري كيف تحول الأمر سريعاً بهذه الطريقة، فبعدما كنا جيش مصر الأول، والجميع يتسابق في تقديم الثناء وإظهار التقدير لنا، وهو ما تحول إلى كابوس، بتنا منبوذين في المحيط الذي نعيش فيه، وباتت أسرنا أيضاً منبوذة ولا أحد يرغب في التعامل معهم باعتبارهم أقارب طبيب أو أقارب لمصدر عدوى كما يردد بعضهم". "في بداية أزمة كورونا وُصفنا بأنّنا جيش مصر الأبيض. بعد ذلك قيل إنّنا سننقل العدوى ويفضَّل ألا يتعامل أحد معنا". يتابع في سخرية، أنّه يخشى أن ينتهي الأمر بالطواقم الطبية بـ"اشنقوا آخر طبيب بأمعاء آخر ممرض" في تحوير منه لشعار الثورة الفرنسية: "اشنقوا آخر إقطاعي بأمعاء آخر كاهن". ويدعو الجهات المسؤولة إلى التعامل سريعاً مع تلك الأفكار حتى لا يضطر أعضاء الفرق الطبية لاتخاذ قرارات بالانسحاب من تلك المواجهة.

من جهته، قرّر طبيب آخر يدُعى أحمد محمد، يناوب في العناية المركزة بأحد المستشفيات الحكومية، أنّه لن يخاطر مجدداً بحياته "لإنقاذ مرضى هم جزء من شعب لا يستحقّ ذلك"، بحسب تعبيره. يروي الطبيب مأساته قائلاً إنّه تعرض لموقف لدى وصوله إلى العقار الذي يسكن فيه قادماً من المستشفى، إذ قلّص عدد أيام وجوده في المنزل، حتى لا يعرض حياة أسرته للخطر، نظراً لطبيعة عمله، وفي هذا اليوم فوجئ بالجيران يقفون أمام بوابة المبنى السكني، رافضين دخوله، كما طالبوه بالعودة من حيث أتى بدعوى أنّهم "خائفون على أولادهم وعلى أنفسهم". يضيف: "حين حاولت تجاهل ذلك والصعود إلى شقتي، فوجئت بسيل من الشتائم، وبعضهم رفع العصي والسكاكين في وجهي". يتابع: "بعد هذا الموقف قررت ألّا أعرّض حياتي وحياة أهلي للخطر من أجل هؤلاء، فنحن نعمل في ظروف صعبة جداً ولا نتقاضى الأجر المناسب، ولا نرى أهالينا لمدد طويلة".



وتقول طبيبة تعمل في إحدى الوحدات الصحية الحكومية في عزبة الهجانة بمدينة نصر، شرقي القاهرة، إنّ أمام الوحدة موقفاً لسيارات الأجرة، تتعامل مع سائقيه يومياً، لكنّها فوجئت مؤخراً بسائق يرفض ركوبها معه، ويجبرها على مغادرة الميكروباص، بدعوى أنّها قد تنقل إليه العدوى.

مصدر في نقابة الأطباء يقول لـ"العربي الجديد": "وصلت إلينا أكثر من شكوى لأطباء بالتفاصيل نفسها، ويطالبون بدور للنقابة لدى أجهزة الدولة المسؤولة، لمواجهة ما يتعرضون له". يضيف: "النقابة تدخلت أكثر من مرة للتعامل مع شكاوى الأطباء، والتي كانت في البداية تقتصر على ما يتعرضون له في كمائن الشرطة أثناء مرورهم بسبب طبيعة عملهم، خلال أوقات حظر التجول، واحتجاز بعضهم من قبل ضباط هم أقرب للمرضى النفسيين". يضيف: "بعد تدخل النقابة لدى وزارة الداخلية تمّ حلّ تلك الأزمة، قبل أن نفاجأ بأزمة أخرى لكنّها هذه المرة مجتمعية، تتطلب تضافر الجهات جميعاً للتعامل معها عبر رسائل إعلامية من جهة، وتغليظ العقوبة لمن يتعرض للأطباء أو يتنمر من جهة أخرى، لأنّ السيناريو البديل سيكون كارثياً على الجميع عندما يقرر هؤلاء الانسحاب، إذ إنّهم خط الدفاع الأول في مواجهة الفيروس".